إعلان

توماس فريدمان يتساءل: هل ينجح الربيع السعودي؟

10:32 ص الجمعة 24 نوفمبر 2017

الكاتب الصحفي الأمريكي توماس فريدمان

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتب - سامي مجدي:
"تجرى عملية الإصلاح الأكثر أهمية في أي مكان في الشرق الأوسط في السعودية." عبارة صاغها الكاتب الصحفي الأمريكي توماس فريدمان في مستهل مقال نشرته صحيفة نيويورك تايمز في وقت متأخر الخميس عن مقابلته مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.

يقول فريدمان إنه لم يعتقد أنه سيعيش بما فيه الكفاية ليكتب مثل هذه العبارة. ويضيف أنه زيارته للسعودية جاءت في مستهل فصل الشتاء، بين أنه وجد المملكة تمر بربيعها العربي على النمط السعودي.

أوضح الكاتب أن الربيع السعودي - على عكس الربيع العربي الاخر الذي بدأت من أسفل وفشل فشلا ذريعا عدا في تونس - يأتي من أعلى لأسفل على يد بن سلمان البالغ من العمر 32 سنة.

وقال إنه إذا نحج ذلك الربيع "فلن يغير شخصية السعودية فسحب بل أيضا نغمة ومضمون الإسلام في أنحاء العالم"، مضيفا أنه من الحماقة التنبؤ بنجاحه، ومن الحماقة أيضا استبعاد ذلك.

ولفت إلى أنه ذهب إلى الرياض لمقابلة مع ولي العهد الذي لم يتحدث عن الأحداث غير الطبيعية التي جرت في المملكة مطلع نوفمبر، عندما ألقت حكومته القبض على عشرات الأمراء ورجال الأعمال السعوديين بتهم الفساد وألقت بهم في سجن مذهب - الريتز كارلتون في الرياض - حتى يوافقوا على تسليم مكاسبهم غير المشروعة.

وقال "إنك لا ترى ذلك كل يوم."

التقى فريدمان مع بن سلمان ليلا في قصر عائلته ذو الجدران المزخرفة في العوجا في شمال الرياض. تحدث ولي العهد بالإنجليزية فيما كان أخوه الأمير خالد، السفير السعودي الجديد لدى الولايات المتحدة، والعديد من كبار الوزراء تدخلا في الحديث "وأضافوا إليه بعض التوابل."

قال الكاتب "بعد نحو أربع ساعات معا، سلمت في الواحدة والربع صباحا بشباب بن محمد بن سلمان، مشيرا إلى أنني بالضبط في ضعف سنه،" مضيفا أنه الأفكار الجديدة التي تنطلق بسرعة الصاروخ التي يتبناها بن سلمان لتغيير بلاده.

بدأ فريدمان حواره بالسؤال الواضح: ماذا يجري في الريتز؟ وهل كان ذلك في إطار لعبة السلطة للإطاحة بمنافسيه من عائلته والقطاع الخاص قبل أن يسلمه أبيه المسن، الملك سلمان، مفاتيح المملكة؟

رد بن سلمان: "من المضحك أن نشير إلى حملة مكافحة الفساد على أنها انتزاع للسلطة."

لفت ولي العهد إلى أن الكثير من الأعضاء البارزين المحتجزين في الريتز أعلنوا ولائهم له ولإصلاحاته في العلن وأن "أغلبية الأسرة الحاكمة" يقفون وراءه بالفعل.

قال بن سلمان: "بلادنا عانت كثيرا من الفساد من ثمانينيات القرن الماضي حتى الآن. حسبة خبرائنا هي أن نحو 10 في المئة من كل الإنفاق الحكومي يتم اختلاسه بالفساد كل عام، من أعلى المستويات إلى الأسفل. خلال سنوات شنت الحكومة أكثر من "حرب على الفساد" وكلها فشلت. لماذا؟"

يرد ولي العهد على نفسه: "لأنها جميعا بدأت من أسفل لأعلى."

قال فريدمان إن الملك سلمان، الذي لم يتلوث بالفساد خلال خمسة عقود كان فيها أميرا للرياض، عندما ورث العرش في 2015 (وقت انخفاض أسعار النفط)، تعهد بوقف كل ذلك، حسب بن سلمان.

قال ولي العهد "والدي رأى أنه لا سبيل يمكننا من البقاء في مجموعة العشرين وننمو بهذا المستوى من الفساد. في مطلع 2015، كان من أول أوامره لفريقه هو جمع كل المعلومات عن الفساد - في الأعلى. عمل هذا الفريق لعامين حتى جميع المعلومات الأكثر دقة، ثم جاءوا بنحو مئتي اسم."

وأضاف أن النائب العام سعود الموجب تحرك عندما كانت كل البيانات جاهزة.

أوضح بن سلمان أن كل ملياردير أو أمير مشتبه فيه ألقي القبض عليه ووضع أمامه خياران: "أظهرنا لهم كل الملفات التي لدينا وبعد وقت قصير وافق نحو 95 في المئة منهم على تسوية"، ما يعني التوقيع على نقل أموال سائلة أو أسهم من أعمالهم إلى الخزانة السعودية.

وأضاف أن "نحو 1 في المئة" تمكنوا من إثبات براءتهم وأسقطت قضاياهم على الفور. وقال نحو 4 في المئة إنهم ليسوا بفاسدين وأراد دفاعهم الذهاب إلى المحكمة.

سأل فريدمان: "كم من الأموال استعدتموها؟

رد بن سلمان: النائب العام قال إنها قد تصل إلى "نحو 100 مليار دولار في تسويات."

يقول ولي العهد السعودي إنه لا سبيل لاقتلاع الفساد إلا من أعلى ولأسفل. "لذا عليك أن تبعث برسالة والرسالة هي: ‘لن تهرب’. وبالفعل نرى الاثر".

أوضح بن سلمان أن رجال الأعمال السعوديين الذين يدفعون رشاوى للبيروقراطيين مقابل انجاز خدماتهم لن يحاكموا. "(من يحاكم) هم من يكدسون الأموال من الحكومة".

يقول توماس فريدمان إن الرهانات عالية على بن سلمان في مكافحة الفساد، محذرا من عدم الشفافية الأمر الذي يجعل المستثمرين السعوديين والأجانب يفقدون الثقة في النظام وهو ما لا تستطيع المملكة تحمله.

ويضيف فريدمان أنه خلال ثلاثة أيام له في السعودية لم يجد سعوديا واحد تحدث إليه إلا وأعرب الدعم الهائل لهذه الحملة ضد الفساد. فالأغلبية السعودية الصامتة ملت من ظلم الكثير من الأمراء والمليارديرات الذين يمزقون بلادهم.

ويقول "بينما الأجانب مثلي يتسألون عن الإطار القانوني لهذه العملية، كان مزاج السعوديين الذين تحدثت إليهم: هزهم رأسا على عقب، غربل الأموال من جيوبهم ولا تتوقف عن هزهم حتى تفرغ."

خطوة أخرى غير عادية اتخذها بن سلمان قبل حملة مكافحة الفساد. يقول فريدمان إن تلك الخطوة هي إعادة السعودية إلى إسلام أكثر حداثة وانفتاحا - ذلك الذي كانت عليه قبل أن تتحول في 1979. وهو ما وصفه ولي العهد في مؤتمر استثماري عالمي مؤخرا: "إسلام معتدل متوازن منفتح على العالم وكل الأديان وكل العادات وكل الشعوب."

ثلاثة أحداث
تحدث فريدمان عن ذلك العام (1979)، عندما بدأ عمله صحافيا في الشرق الأوسط في بيروت حيث تشكل الكثير من المنطقة بثلاثة أحداث كبرى: استيلاء متطرفين سعوديين على المسجد الحرام في مكة؛ الثورة الإسلامية في إيران؛ والغزو السوفيتي لأفغانستان.

أفزعت تلك الأحداث الثلاثة الأسرة الحاكمة في السعودية في ذلك الوقت، ودفعتها لمحاولة تعزيز شرعيتها من خلال السماح لرجال الدين الوهابيين بفرض الكثير من التزمت الديني على المجتمع، والتنافس العالمي مع آيات الله الإيرانيين حول من يمكنه تصدير إسلام أكثر أصولية. ساعد ذلك في استفادة الولايات المتحدة من هذا الاتجاه باستخدام المقاتلين الإسلاميين ضد روسيا في أفغانستان. في المجمل دفعت تلك الأحداث بالإسلام في طريق ساعد في تنشئة من يقفون وراء هجمات 11 سبتمبر، بحسب فريدمان.

يقول الكاتب الأمريكي إن بن سلمان، الذي تدرب على المحاماة، في مهمة إعادة الإسلام السعودي إلى الوسطية. فلم يكبح جماع الشرطة الدينية فحسب بل سمح للمرأة بقيادة السيارة، وتحدى المتشددين كما لم يفعل غيره من القادة السعوديين.

ينقل فريدمان عن سعودية، 28 سنة، تلقت تعليمها في الولايات المتحدة قولها إن محمد بن سلمان "يستخدم لغة مختلفة. إنه يقول سوف ندمر التطرف. إنه لا يقول كلاما معسولا. وهذا يطمئنني أن التغيير حقيقي."

يقول توماس فريدمان إن بن سلمان أبلغني: "لا تكتب أننا ’نعيد تفسير’ الإسلام - نحن ’نستعيد ’ الإسلام - أدواتنا الكبرى هي تعاليم النبي و(الحياة في) السعودية قبل 1979."

ينقل الكاتب عن ولي العهد السعودي إنه في عصر النبي كانت هناك مسارح وكان هناك اختلاطا بين الرجال والنساء وكان هناك احتراما للمسيحيين واليهود في الجزيرة العربية. "أول قاضية تجارية في المدينة كانت امرأة"، يقول بن سلمان متسائلا: إذا كان النبي يؤيد كل ذلك، "فهل هذا يعني أن النبي لم يكن مسلما؟".

ولفت إلى أن أحد وزراء بن سلمان أخرج هاتفه وأراه صورا ومقاطع مصورة للسعودية في الخمسينات - نساء بلا غطاء رأس، ترتدين تنورات وتسرن مع الرجال على الملأ، فضلا عن مسارح وسينمات. كانت في ذلك الوقت مكانا تقليديا معتدلا حتى تم حظر كل ذلك في 1979.

يقول فريدمان إن ما يجري في السعودية يمكن أن يدفع بالإسلام المعتدل في أنحاء العالم الإسلامية وهو أمر بالتأكيد موضع ترحيب في المملكة التي 65 في المئة من سكانها تحت 30 سنة.

لفت إلى السعودية أمامها طريق طويل حتى تصل إلى المعايير الغربية لحرية التعبير وحقوق المرأة، لكن الأمر لا يصدق أن يستمع هو الذي يأتي إلى السعودية منذ نحو 30 سنة، إلى حفلات موسيقى كلاسيكية غربية في الرياض. تحدث فريدمان إلى اجراءات أخرى اتخذها بن سلمان مثل السماح للمرأة بالذهاب إلى ملاعب كرة القدم.

استقالة الحريري واليمن
تحدث بن سلمان عن استقالة رئيس وزراء لبنان سعد الحريري من السعودية في الرابع من نوفمبر الجاري - فيما يبدو تحت ضغط سعودي - في خطوة مفاجئة في زمانها ومكان إعلانها. يصر بن سلمان على أن الحريري لا يريد الاستمرار في توفير غطاء سياسيا لحكومة لبنانية تحت السيطرة الفعلية لحزب الله، التي تتحكم فيه طهران.

كما أنه يصر على أن الحرب التي تدعمها السعودية في اليمن، والتي خلفت كابوسا إنسانيا، تميل لصالح الحكومة الشرعية الموالية للسعودية، والتي قال إنها تسيطر على 85 في المئة من البلاد، وأنه بالنظر إلى أن الحوثيين الموالين لإيران الذين يسيطرون على بقية اليمن وأطلقوا صاروخا على مطار الرياض، فإن السيطرة على أقل من 100 في المئة من الأراضي اليمنية أمرا مثيرا للمشاكل.

يقول فريدمان إن وجهة النظر العامة لبن سلمان يبدو أنها مدعومة من إدارة ترامب؛ فولي العهد أثنى على الرئيس ترامب قائلا إنه "الشخص المناسب في الوقت المناسب."

ولفت الكاتب الأمريكي إلى بناء السعوديين وحلفاءهم العرب تحالفا في وجه إيران، إلا أنه حذر من أن الخلل التنافس داخل العالم العربي منع تشكيل جبهة موحدة إلى الآن؛ حيث إيران تتحكم بشكل غير مباشر في أربع عواصم عربية  - دمشق وصنعاء وبغداد وبيروت.

"هتلر الجديد"
قال ولي العهد السعودي إن "المرشد الأعلى (الإيراني آية الله علي خامئني) هو هتلر الشرق الأوسط الجديد. لكننا تعلمنا من أوروبا أن الترضية لا تعمل. لا نرغب في هتلر جديد في إيران ليكرر مع جرى في أوروبا في الشرق الأوسط."

يقول توماس فريدمان إن الدفعة الإصلاحية الجديدة في السعودية منحت الشباب فخرا جديدا ببلادهم. بالشباب السعودي يقر بأن أي طالب سعودي في أمريكا ما بعد 11 سبتمبر كان ينظر إليه على أنه إرهابي محتمل أو شخص جاء من بلد منغلق من العصر الحجري.

الآن، يقول فريدمان، لديهم زعيم شاب يقوم بإصلاحات دينية واقتصادية، ويتحدث بلغة التكنولوجيا المتقدمة، إلا أن أكبر خطاياه قد تكون رغبته في المضي قدما بسرعة شديدة.

فيديو قد يعجبك: