إعلان

بعد داعش.. مدينة الرقة السورية من الهناء إلى الخراب

11:20 ص الأحد 22 أكتوبر 2017

الرقة

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت- هدى الشيمي:

ثلاثة أعوام كانت قادرة على تغيير ملامح الرقة، وتدمير بنيتها التحتية، وتشريد أهلها، لتتحول من أراضي خصبة، ومنطقة تتمتع بالثروات الطبيعية، غنية بالآثار التي تنتمي إلى حضارات شتى، إلى خلاء مهجور خَرِب.

لسنوات طوال عاش أهالي الرقة، شمال شرق سوريا، في رغد وهناء، مُعتمدين على الزراعة وتجارة المواشي، إذ أن هذه المنطقة غنية بالثروة الحيوانية، إلا أن الأمور انقلبت رأسا على عقب بعد تحول الثورة السورية من سلمية إلى مسلحة، ومحاولة الجيش السوري الحر السيطرة على المدينة، ومن ثم استيلاء تنظيم داعش عليها، وإعلانها عاصمة لخلافته المزعومة عام 2014.

يقول قاسم الخطيب، مدير مكتب تيار الغد السوري في القاهرة، إن الرقة كانت بمثابة "السلة الغذائية" لسوريا كلها، فلم يكن بها فقراء، خاصة في منطقة الريف، وكل من عاش فيها كان ميسور الحال.

وعمل حوالي ثلثي سكان الرقة في الزراعة، وكانت المدينة الواقعة شرق نهر الفرات، مركزا لتصدير العديد من المحاصيل الزراعية، مثل القطن والذرة الصفراء، إلى المدن والبلدان المجاورة، وإلى العراق وتركيا أيضا.

صورة الخريطة"بداية الحراك"

مرّت المدينة السورية بالعديد من المراحل التي تسببت في تدميرها إلى هذه الدرجة، فمع بداية الثورة خرج عدد من المواطنين إلى الشوارع حاملين رايات تُطالب بالتغيير السلمي للسلطة، والتخلص من حكم الرئيس بشار الأسد، واستبداله بنظام عادل، كما طالب كثيرون في البلدان المجاورة لهم، وتحديدًا في تونس ومصر، وعندما قوبلت طلباتهم بالرفض، وتعامل معهم النظام بالعنف وبدأ بطشه بالثوار والمعارضين، لجأ البعض إلى السلاح.

ويشير الخطيب، الذي ولد ونشأ بالرقة في حوار مع مصراوي، إلى أن الثورة كسرت حاجز الخوف لدى الشعب السوري، وخاصة أهالي الرقة، فنشطت مؤسسات المجتمع المدني، واستنشق الشعب نسيم الحرية، حتى وقعت اشتباكات انتهت بسيطرة الجيش السوري الحر على الرقة، ثم دير الزور.

بقيت الرقة في يد المعارضة السورية، وتناحرت عدة فصائل داخل المدينة لتتمكن من السيطرة عليها، وفرض كل فصيل قوانينه وقواعده المختلفة، وظلت الأوضاع متقلبة فترة من الوقت، فحاولت الفصائل تشكيل تنسيقات شبابية ومجالس محلية لنشر النظام في أرجاء المدينة، فاستقرات الأوضاع نسبيا، وظهر ذلك في تنظيم حركة المرور، وعودة الدراسة، وتنظيف المدينة، وترميم المباني.

"سواد داعش"

وفي تلك الأثناء، كان "داعش"، والذي كان معروف وقتذاك باسم "تنظيم الدولة الإسلامية في العراق"، يبحث عن وسيلة لدخول الرقة، فأعلن أبو بكر البغدادي، زعيم التنظيم، أن جبهة النصرة فرعا لتنظيمه في سوريا، ما دفع العديد من مقاتلي جبهة النصرة للانضمام إلى التنظيم الجديد، ونقلوا إليهم معلومات وتفاصيل مكنتهم من دخول المدينة السورية، لتكون تحت سيطرتهم بالكامل في يناير 2014.

يقول الخطيب إن "داعش"، خلال سيطرته على المدينة، كلل المنطقة بالسواد، "حرموا الأطفال من دخول المدارس، وغيروا المناهج، وفرضت مناهج مُتطرفة، ما دفع الأهالي لإخراج أبنائهم من المدارس حتى لا يتطرفوا فكريا".

ويؤكد المُعارض السوري، أن مدينته هي المنطقة السورية الوحيدة التي لم تشهد في حياتها تطرفا سياسيا، أو وجد بها إسلام سياسي، ويقول: "كانت مدينة منفتحة، شعب لا يوجد فيه أي تطرف، مدارسنا مُختلطة، وحياتنا طبيعية، نسائنا لم يعتادوا ارتداء النقاب، من جلب لنا التطرف هم داعش، أعادوا بأفعالهم المنطقة إلى عصر الانحطاط".

حاول التنظيم فرض سيطرته على كل شيء في المدينة، وأسس بداخلها الهياكل الإدارية الأساسية، وكانت مقرا للعديد من قيادته ومقاتليه، وأجرى عمليات الإعدام وصلب وتعليق الجثث في ساحة وسط المدينة، ما اضطر كثيرون للهرب من المدينة، والنزوح إلى مناطق محيطة، ونجح بعضهم في ذلك، وفشل آخرون، فوقعوا في قبضة المقاتلين، الذين سلموهم إلى القادة الذين عاقبوهم على محاولة الهروب وخيانة دول الخلافة.

وبحسب تقارير منظمة الأمم المتحدة، هناك أكثر من 56 ألف نازحًا من الرقة يعيشون في 48 مركز إيواء مؤقتة، ومخيمات في محافظات الرقة، والحسكة، وحلب ودير الزور.

تحالف كردي أمريكي

وبقي الوضع على ما هو عليه، حتى أُطلقت معركة تحرير الرقة في 6 يونيو الماضي، وانتهت في 17 أكتوبر الجاري، إذ أعلنت قوات سوريا الديمقراطية، المدعومة من التحالف بقيادة أمريكا، تحرير المدينة بالكامل من قبضة مقاتلي التنظيم.

وبدأت معركة تحرير الرقة بتحرير مدينة الطبقة، مقر سد الفرات الذي كان معرضا للانهيار، ثم تحرير الريف بالكامل، واستطاعت القوات تضييق الخناق شيئا فشيئا على قوات داعش. وأوضح الخطيب، أن قوات النخبة السورية، التابعة لتيار الغد السوري، شاركت قوات سوريا الديمقراطية المعارك، وبعد فرض خناق كامل على مقاتلي التنظيم داخل المدينة، تم تحييد قوات النخبة.

وأشار الخطيب إلى أن مصير مقاتلي التنظيم ما زال مجهولا، وتابع مُتسائلا: "هل قوات داعش انسحبت بتجاه دير الزور، أم انسحبت تجاه البادية السورية شرق المدينة، هذا الموضوع ما يزال غامضا، ولا توجد أي وسيلة إعلامية توضح ذلك".

وقال التحالف الدولي إن نحو مئة مقاتل من التنظيم استسلموا في الرقة في الرابع عشر من أكتوبر الجاري، وتم إخراجهم من المدينة، وأرجعت صحيفة الاندبندنت البريطانية ذلك إلى تفسيرين الأول هو أنهم يتظاهرون بالاستسلام حتى يتمكنوا من إعادة بناء أنفسهم ثم يعودوا إلى القتال مرة أخرى، أو أنهم يشعرون بالندم والضياع ويرغبون في العودة إلى أوطانهم.

وبالرغم من التحرير، إلا أن عودة النازحين إلى الرقة ما زال صعبا، إذ أن المدينة التي ألفوها لم يعد لها أي أثر يُذكر، ويقول الخطيب: "لا يوجد في الرقة أي معلم من معالم الحياة".

وبجانب انهيار البنية التحتية، عمل داعش على زراعة الألغام في كل مكان، في الشوارع والبراري والأرياف، وداخل المنازل أيضا، فانفجرت منذ أيام عبوة ناسفة كانت موجودة داخل ثلاجة في منزل أحد الأسر.

وقال بريت ماكغورك، الموفد الأمريكي إلى التحالف الدولي، إن هناك خطة إنسانية لما بعد النزاع مهمة جدا وجاهزة للتنفيذ، مضيفا أنه تم بالفعل تحديد "مئات المواقع" من أجل تنفيذ عمليات إزالة فورية للألغام في الرقة.

وأضاف المسؤول الأمريكي خلال زيارة إلى المدينة بصحبة الوزير السعودي ثامر السبهان الذي عرض مشاركة بلاده في إعادة الإعمار أن عودة النازحين إلى المناطق التي "تم تحريرها من تنظيم داعش" يشكل إحدى "أصعب القضايا".

ونوّه الخطيب إلى أن الحكم في الرقة، بعد التحرير سيكون مدنيا وليس عسكريا، وسيدير أهالي المنطقة شؤون البلاد، وأنهم سيؤسسون مجالسا مدنية محلية، ستتعاون مع المجتمع الدولي والأمريكيين والدول الداعمة لإعادة البنية التحتية، من مشافٍ ومدارس ومراكز صحة، وبالتأكيد تعبيد الطرق، والأمر يحتاج إلى شهر أو شهرين، وإزالة الألغام وتطهير الشوارع.

فيديو قد يعجبك: