إعلان

الحوكمة العالمية وترتيب النظام الدولي (٢)

د.غادة موسى

الحوكمة العالمية وترتيب النظام الدولي (٢)

د. غادة موسى

أستاذ مساعد - كلية الاقتصاد والعلوم السياسية - جامعة القاهرة 

07:01 م الثلاثاء 27 فبراير 2024

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

ناقش الجزء الأول من ضرورة إصلاح الحوكمة العالمية وترتيب النظام الدولي أهمية إعطاء دور وصوت لدول العالم الآخذ في النمو في قارتي أفريقيا وآسيا لأسباب لا تتعلق فقط بكبر عدد الدول في هاتين القارتين التي تتعدى الـ٨٥ دولة، وإنما يتعلق الأمر بعدد سكانهما الذي يصل لحوالي ٣ مليار نسمة من إجمالي عدد سكان العالم البالغ في ٢٠٢٢ ثمانية مليار نسمة.

كما يرى العديد من المفكرين أن الثلاثة مليار نسمة يشكلون جزءاً رئيسياً من البوصلة الأخلاقية لشعوب العالم ليس فقط لاعتبارات دينية توحيدية، وإنما بسبب الخبرات التاريخية المتشابهة التي عاشها سكان قارتي أفريقيا وأمريكا الجنوبية كخبرة الاستعمار البغيض، وخبرة الاتجار في الرقيق قبل أن يعرف العالم الحديث مصطلح " الاتجار في البشر"، بالإضافة إلى تدني معدلات النمو في هاتين القارتين تحديداً، ومن ثم انتشار الفقر والمرض، وارتفاع مديونياتهما الخارجية. كل ذلك شكل أرضية مشتركة من معاناة هذه الشعوب. ولكن توجد أيضاً عوامل إيجابية مشتركة تتمثل في صغر أعمار سكان هاتين القارتين وثرائهما في الموارد الطبيعية، الأمر الذي يجعل دول هاتين القارتين في أمس الحاجة للأمن وللاستقرار والسلام حتى تتمكن من تحقيق التنمية السياسية والاقتصادية لسكانها.

إن الواقع الراهن والخاص بالترتيبات المؤسسية للمنظمات الدولية الأممية لا ينبئ بإمكانية أن تتمكن تلك الأخيرة من تحقيق آمال وشعوب هاتين القارتين تحديداً أو الأهداف التي أنشئت من أجلها في مجال القضاء على الأمراض والأوبئة وتوفير الرعاية الصحية والحماية للجميع من قبل منظمة الصحة العالمية، أو في مجال توفير فرص العمل للجميع وزيادة معدلات التشغيل وحماية حقوق العمال وصغار أصحاب الأعمال من قبل منظمة العمل الدولية. بل نلاحظ في كثير من الأحيان تبايناً في توجهات المؤسسات الأممية مثل التباين في وجهات النظر بين منظمة العمل الدولية ومنظمة التجارة العالمية، وتبايناً بين مجلس الأمن والجمعية العامة، والجميع يختلف مع مقررات المجالس الأممية لحقوق الإنسان والقوانين الإنسانية الدولية حتى أصبح جميعها يعمل في جزر منفصلة، وفي تنافس في العديد من الأوقات والمناسبات.

كل ما سبق يدفع دول العالم، وبشكل خاص في قارتي أفريقيا وأمريكا الجنوبية إلى التشكيك في القيم التي أنشأت تلك المنظمات من أجلها كالمساواة والعدالة والحرية والسلام.

كما ساهمت تيارات العولمة الاقتصادية والثقافية في الإضرار بالمميزات النسبية التي تتمتع بها دول تلك القارات، وجعلتها نهباَ لأشكال جديدة من الاستعمار متمثلة في سيطرة الشركات متعددة الجنسيات أو الشركات المُعولمة على القرار السياسي في كثير من تلك الدول إلى حد التدخل في خياراتها السياسية ونتائج الانتخابات فيها.

لذلك، ليس من الانصاف وصف الحوكمة العالمية الحالية بالحوكمة الجيدة لافتقارها للعديد من الركائز والمقومات وفي مقدمتها التضمين والمساءلة وحكم القانون ونزاهة الحكم العالمي.

في الجزء الثالث نناقش متطلبات تحقيق الحوكمة العالمية الجيدة والحقيقية.

إعلان