إعلان

مهرجان فينيسيا ينتصر للمستقبل فيرد اعتبار نتفليكس ويحيي أورسون ويلز

مهرجان فينيسيا ينتصر للمستقبل فيرد اعتبار نتفليكس ويحيي أورسون ويلز

د. أمل الجمل
09:01 م الثلاثاء 04 سبتمبر 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

هل يستطيع إنسان على وجه الأرض أن يقف في وجه المستقبل، والزمن؟

هل يمكن أن تمنع التطور المرعب في مجال العلوم والتكنولوجيا، ومتطلبات واحتياجات السوق التي خلقتها آليات ذلك التقدم؟

حتى لو رفض الإنسان التعامل مع ذلك التقدم، فهو الخاسر وسيتجاوزه الزمن المستقبل.

خطرت ببالي تلك التساؤلات وأنا أجلس في قاعة العرض- بالدورة الخامسة والسبعين من مهرجان فينيسيا السينمائي الممتد من ٢٩ أغسطس- ٨ سبتمبر الجاري، وسط جمهور عريض دفع ثمن تذكرة سينما ليشاهد النسخة التي أخيراً ظهرت للنور من فيلم الجانب الآخر للريح The Other Side of the Wind بطولة جون هيوستون وإدموند أوبراين، ومرسيدس كامبريدج، وكاميرون ميتشل، الناقد جوزيف ماكبرايد، المخرج بيتر بوغدانوفيتش، كذلك يظهر بالفيلم مخرجون آخرون يلعبون أدوارهم الحقيقية، مثل فرانك مارشال، دينيس هوبر، كلود شابرول، وهنري جاغلوم، وفرانك مارشال، ومن الممثلات سوزان ستراسبيرج، ستيفان أودران التي رحلت مايو الماضي.

تلك النسخة من فيلم الجانب الآخر للريح كان من المفترض أن تعرض بمهرجان كان الدورة الأخيرة رقم ٧١، لكن منظمي المهرجان تعسفوا ضد شبكة نتفليكس- المنتجة- فما كان من الأخيرة إلا أن سحبت كل أفلامها ومن بينها ذلك الفيلم الذي قامت بتمويل إنجاز مراحل إعادة الإحياء وترميم أجزائه المتبقية، والبحث عن صور في كل مكان لاستكماله، فأنقذته من الضياع، من دون أن نغفل دورها المهم في إقناع وريثة المخرج الذي رحل عن عالمنا في العاشر من أكتوبر عام ١٩٨٥ بإحياء الفيلم؛ إذ كانت الوريثة ترفض ذلك - أو بالأحرى تفكر وتوافق، ثم تتردد وترفض- علي مدار سنوات عديدة.

وهو الفيلم الذي ظل أحد أهم أساطين الإخراج في العالم- أورسون ويلز- يحاول إتمامه إذ بدأ تصويره في العام ١٩٧١، واستمر حتي ١٩٧٦ من دون أن ينتهي منه أبدا - كما الحال في عدد آخر من مشاريعه التي بعضها لم يبدأ تصويره من الأساس، والبعض الآخر استغرق سنوات ليكتمل، لأسباب متباينة؛ مرات يُقال التمويل لم يكن متوفرا ولا سهلاً، وواجه صعوبات مادية وانسحب منه ممولون، مثل زوج شقيقة الملك شاه محمد رضا بهلوي الذي قيل إنه انسحب من المشروع فجأة. ومرات أخرى كان يتعلق الأمر بالفنانين الذين انسحبوا لأنهم لم يصمدوا حتى إتمام الفيلم مثل ريتش ليتل.

فيلم من الماضي

هناك دائما فضول في معرفة ومشاهدة الأعمال التي لم تكتمل للفنانين الكبار، هناك تشويق ورغبة في معرفة أفكاره التي لم تنشر، ولم تخرج للنور، خصوصا عندما يُقال إن بطل الفيلم كان فيه من شخصية ويلز ذاته، وأنه بهذا الشريط كان يعبر بسخرية لاذعة- من نفسه ومن العالم- عن أزمته النفسية، وتناقضاته.

ربما من ذلك المُنطلق- إضافة طبعاً إلي أهمية وقيمة أورسون ويلز- كان استكمال مشروع فيلم الجانب الآخر من الريح مغرياً لعدد من المخرجين الذين حاولوا استكماله وإخراجه للنور، ومنهم أندرسون، ونواه بومباك، وبيتر بوغدانوفيتش، والممثلة الكرواتية المجرية أوجا كادار والتي شاركت في كتابة سيناريو الفيلم- إلى جانب مشاركة ويلز كتابة أفلام أخرى والتي التقي بها صاحب المواطن كين عام 1961 بفيينا أثناء تصويره الرجل الثالث، ورغم أنها كانت تصغره بـ26 عاما، فقد صارت رفيقة مشوار أورسون ويلز في السنوات العشرين الأخيرة من حياته.

يُضاف إلى تلك المجموعة أخيراً المخرج فرانك مارشال الذي يظهر بالفيلم، حيث استطاع تحقيق هذا العمل بعد كل تلك الجهود، خصوصاً بعد أن استعان بشبكة نتفليكس التي نجحت بدورها في إقناع الوريثة بخروج الفيلم للنور.

يضم العمل الحالي فريق عمل مكونا من المخرج والمنتج بيتر بوغدانوفيتش وهو الشاب- آنذاك- الذي استعان به ويلز ليحلّ مكان الممثل المنسحب ريتش ليتل، والذي تحول لاحقاً للإخراج والإنتاج، وقال في بعض التصريحات إن أورسون ويلز كان يقيم عنده، وأجرى معه حواراً مطولاً، ضمه في كتاب إلي جانب المونتير روبرت موراوسكي الذي قام بمونتاج المادة السينمائية مستعيناً بنص السيناريو والملاحظات التي دونها ويلز نفسه، ومطابقتها مع الكثير من اللقطات والمشاهد المتبقية إضافة للأجزاء التي قام ويلز بعمل المونتاج لها بنفسه.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه الآن:

هل كان أورسون ويلز سيسعد بالصورة التي خرج عليها الفيلم؟

هل حقاً كان سيسمح لنفسه بخروج الفيلم إلى النور من دون تعديلات إضافية جديدة وتصوير مشاهد أخرى جديدة تُكمل المعاني به؟

صحيح كان هناك سيناريو حاول فريق عمل الترميم اللجوء إليه والاستفادة منه، وصحيح أنهم احتفظوا بجميع مشاهد الفيلم، لكن هناك مشاهد مفقودة، وأخرى ربما أراد ويلز تصويرها، من دون أن ننسى المشاهد التي تم تصويرها من فريق العمل الجديد. أضف إلى ذلك أن الفيلم ليس فقط ما تم تصويره، فالمونتاج يلعب دوراً خطيراً في إعادة تشكيل المادة المصورة وخلقها من جديد، فهل حقاً كانت تلك الصورة التي ظهر بها الفيلم مطابقة لما في خيال ويلز، أم أنها الصورة التي نجح أصدقاؤه ومحبوه في تكوينها من فيلمه؟!

الغموض والعصبية المربكة

عموماً- وأياً كانت الإجابة عن التساؤلات السابقة التي لا نقصد بها التقليل من مستوي الذي خرج به الفيلم- فقد أصبح ملكا للجمهور، ووثيقة لابد من الحفاظ عليها، وهذا لا ينفي أن تلقّي فيلم الجانب الآخر للريح ليس أمرا سهلا، بل صعبا، وليس فقط مرهقا، لكنه مربك لما به من غموض، إذ به مرجعيات كثيرة قد لا يفهمها إلا مَن شاهد أفلام أورسون ويلز جميعها، وفهمها، وفهم كواليسها، وشخصيته وعلاقته بالآخرين وصداقته بهيمنجواي الذي تتم الإشارة إليه بالفيلم- كما تتخذ شخصية البطل هيئته- إلى جانب ذكر شخصيات أخرى مثل برتولوتشي وفيلليني وأنطونيوني وكلود شابرول الذي يظهر بالفيلم.

من زاوية أخرى، هناك في الجزء الأول منه تحديدا حركة كاميرا كثيرة، متعصبة، ولا يمكن فقط وصفها بأنها حركة فيها حيوية، أو ربما هي الحيوية الزائدة على الحد، والتوتر البالغ حد العصبية في النقلات بين اللقطات بشكل مربك ومشوش جعلني أشعر بالدوار في بعض اللقطات.

بعض المشاهدين الآخرين لم يحتمل، ولم يكمل، وخرج كأنه أُصيب بالإحباط؛ إذ لم يجد العمل الذي يتمناه، لكن هذا لا ينفي أهمية مشاهدة فيلم الجانب الآخر من الريح، ومحاولة قراءته، لكن بشرط وأنت تشاهده أن تضع في اعتبارك أنك تشاهد قطعة عمل فنية لأورسون ويلز لكن بمقاييس الماضي وتحديدا فترة سبعينيات القرن الماضي، كما أنها ليست موقعة ببصمة ويلز الخالصة.

يتكون فيلم الجانب الآخر للريح من اللقطات والمشاهد المتبقية التي تم العثور عليها من الفيلم الأصلي والتي صوّرت باثنتين من الكاميرات؛ فبعض اللقطات والمشاهد تم تصويرها بكاميرا 35 ملم، والبعض الآخر تم تصويره بكاميرتين 16 و8 ملم، هناك خلط ونقلات بين الأبيض والأسود وبين الألوان من دوم منطق محدد، أو على الأقل منطق مفهوم لي. إضافة إلى بعض اللقطات المصورة حديثاً لإنجاز الفيلم خصوصا في ظل اختفاء عدد من اللقطات والتي كانت يُسجل على الشاشة اختفاؤها.

تدور الأحداث حول مخرج سينمائي يُدعى هانافورد- هو الشخصية الدرامية والبطل الذي يُعبر عن أنا وشخصية أورسون ويلز- والذي يبحث عن ممول يستكمل مشروعه السينمائي فيُقيم حفلا ضخما يدعو إليه كبار رجال السينما في هوليوود، فنري منتجين وموزعين ومخرجين وممثلين يشاهدون العرض الذي يتوقف عدة مرات لأسباب مختلفة، ثم أثناء ذلك نري، ونسمع آراء المخرج، بينما يوجد عدد يقوم بتسجيل وتصوير كل كلمة يقولها، في حالة هوس أقرب لما تفعله الصحافة مع المشاهير، ثم نرى أيضاً تعليقات الحضور في الفيلم ما بين السلب والإيجاب، خصوصا حول ستايل الفيلم ووصفه بالتجريبي والمتعالي على الجمهور، في محاولة لتقليد السينما الأوروبية، خصوصاً الموجة الجديدة في عدم الالتزام بالسيناريو أو الحبكة، كما الهجوم على سينما هوليوود والسخرية منها.

إعلان