إعلان

حرب السيطرة على سماء سوريا المزدحمة

حرب السيطرة على سماء سوريا المزدحمة

محمد جمعة
09:00 م الأربعاء 19 سبتمبر 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

ألقت روسيا باللائمة على إسرائيل في حادث إسقاط طائرتها (IL-20)، أمس الأول، زاعمة أن "تل أبيب" قدمت لروسيا دقيقة واحدة فقط من التحذير المسبق قبل الهجوم، وأن الطيارين الإسرائيليين استخدموا عن عمد الطائرة الروسية كغطاء خلال غارتهم، مما جعلها عرضة لنيران الدفاع السوري المضاد.

إسرائيل بدورها اعترفت بأنها كانت وراء الهجوم على القواعد السورية، لكنها ألقت بالمسؤولية عن حادث (IL-20) بشكل مباشر على السوريين، وقالت إن طائرتها عادت بالفعل للمجال الجوي الإسرائيلي عندما أٌسقِطَت الطائرة الروسية.

قرار روسيا تحميل إسرائيل مسؤولية حادث الطائرة ( IL-20 ) له دلالاته وتداعياته بالتأكيد، لكن هذا لا يعني حدوث تدهور خطير في العلاقة بين الطرفين. لفترة طويلة كان بين موسكو و"تل أبيب" تفاهم حول سوريا سمح لسلاح الجو الإسرائيلي بمواصلة الضربات في داخل العمق السوري دون تدخل روسي. كما يعمل البلدان أيضًا على عدم الاشتباك بين عملياتهما من خلال خط ساخن للاتصالات. ومع ذلك، فإن الضربات الإسرائيلية المستمرة في سوريا لم تكن أبدًا عرضًا خاليًا من المخاطر... والآن، يواجه البلدان أول حادثة خطيرة يمكن أن تضر بعلاقتهما في ساحة المعركة السورية، خاصة أن الديناميكيات ذاتها ستستمر على ضوء التصميم الإسرائيلي على مواصلة ضرب المواقع الإيرانية وحزب الله في الداخل السوري.

إن إسقاط (IL-20) هو تذكير بمدى ازدحام ساحة المعركة في سوريا... فالعديد من القوى الدولية والإقليمية تعمل هناك بما يزيد من احتمالات أن تفضي الأخطاء وسوء التواصل إلى تصعيد النزاع. في هذه المرة تم إسقاط طائرة روسية، لكن هناك اشتباكات أخرى محتملة يمكن أن تشمل إطلاق النار من قبل قوات الدفاع الجوي السورية، على طائرة تابعة لقوات التحالف الأمريكية، خاصة أن الجيش الأمريكي يعمل في سوريا، إلى حد كبير، بطائرات مشابهة جداً لسلاح الجو الإسرائيلي.

والأهم من كل ذلك أن مقتل 15 عسكرياً روسياً– ولو بطريق الخطأ– سيدفع موسكو إلى التصعيد من نطاق مناطق حظر الدخول في المشرق.

عندما أسقطت تركيا طائرة روسية من طراز سو -24 في نوفمبر 2015، ردت موسكو بتعزيز قدراتها الصاروخية أرض- جو في سوريا. وفي هذا الصدد، نُشرت نظم أسلحة استراتيجية دفاعية متقدمة، مثل S-400s و S-300V4s، في قاعدة حميميم الجوية. كما تم تعزيز هذا الموقف الهائل بقدرات هجومية متقدمة، مثل الصواريخ الباليستية قصيرة المدى SS-26 Iskander والمقاتلات المتفوقة Su-35. بالإضافة إلى ذلك، بدأت القاذفات التكتيكية الروسية (مثل Su-34s) تحمل صواريخ جو- جو خلال مهماتها.

وأخيراً، تم رصد نظام الحرب الإلكتروني Krasukha-4، الذي غطى تقريبا شرق أوكرانيا بالكامل وحال دون أي مجال للرؤية. وبشكل عام، وصف القائد الأعلى لقوات حلف الناتو في أوروبا في ذلك الوقت، الجنرال Philip Breedlove، الجهود الروسية بأنها محاولة لإنشاء "منطقة حظر وصول" في شرق البحر الأبيض المتوسط .

وفي السياق ذاته، تتعين الإشارة إلى أن الانخراط الذي وقع في أواخر عام 2017 أظهر بشكل واضح الوضع الراهن. ففي 13 ديسمبر، فتحت مقاتلة تابعة للقوات الجوية الأمريكية F-22 النيران ضد مقاتلتين من طراز Su-25s الروسي. وبينما أوضحت واشنطن أن الروس هم الذين عبروا شرق نهر الفرات، أصرت موسكو على أن طائرة إف 22 قد انتهكت منطقة خفض التصعيد غرباً، وواجهتها مقاتلة من طراز Su-35 لحماية المقاتلتين Su-25. وبغض النظر عن مدى دقة أيٍ من الروايتين فإن التبادل السياسي العسكري كان يشبه إلى حد كبير وجود دولتين متجاورتين تتنازعان حول مجال جوي وطني متنازع عليه.

علاوة على ذلك، شجعت حادثة معينة الروس على الاستثمار أكثر في الدفاعات الجوية السورية. ففي 7 أبريل 2017، ضربت المدمرتان USS Porter و USS Ross Arleigh Burke قاعدة الشعيرات الجوية السورية من مياه شرق المتوسط مع إطلاق 59 صاروخا من طراز Tomahawk Land Attack. وجاء الهجوم بعد الزعم بأن النظام السوري استخدم الأسلحة الكيميائية في بلدة خان شيخون بإدلب. في ذلك الوقت، دار جدل كبير داخل دوائر الدفاع العالمية حول ما إذا كانت وحدة الدفاع الصاروخي الجوية الروسية قادرة على اعتراض كتلة توماهوك Block IV القادمة أم لا، أو ما إذا كانت موسكو قد أصدرت أوامر بعدم القيام بذلك لتجنب رد الفعل التصعيدي. بعد الضربة الأمريكية أعلنت وزارة الدفاع الروسية بصراحة عن خططها لتعزيز الدفاعات الجوية السورية. ويعتقد الكثيرون بأن إسقاط المقاتلة إف 16 الإسرائيلية كان نتيجة لهذه الجهود. بل إن من شأن تحقيق تقدم كبير في قدرات الدفاع الجوي للقوات السورية أن يسفر عن نتائج جيوسياسية أساسية تتجاوز إلى حد بعيد مجرد التحديث العسكري "البسيط"، لتحول بالفعل الأجواء السورية من مجال جوي مفتوح للقتال إلى مجال جوي متنازع عليه.

لقد أصبحت السيطرة على المجال الجوي السوري مسألة بالغة الأهمية، وستكون عاملاً حاسماً للوضع الراهن للبلد الذي مزقته الحرب. وحادث الطائرة الروسية أمس الأول يؤكد أن الأجواء السورية أصبحت نقطة اشتعال خطرة إلى حد كبير.

إعلان