إعلان

إنهاء الآلام

إنهاء الآلام

خليل العوامي
09:01 م الإثنين 17 سبتمبر 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

في حالات التحولات والتغييرات الكبرى خاصة الاقتصادية منها، يدفع المواطن خاصة من محدودي ومتوسطي الدخل الثمن الأكبر، وهو ما حدث ويحدث في مصر منذ بدء برنامج الإصلاح الاقتصادي الطموح في نوفمبر 2016.

بيد أن قدرة المجتمعات على عبور هذه الأزمات بأقل قدر من الخسائر- وهو ممكن- يتوقف في جزء كبير منه على مدى إدراك الدولة لحقيقة الأوضاع، ومتطلباتها، وقدرتها في نفس الوقت على إدارة المرحلة، ونهج سياسات تخفف من وطأة القرارات الصعبة، يأتي في مقدمتها برامج الحماية الاجتماعية، وتحسين الخدمات العامة، وخلق المزيد من فرص العمل، وإقرار سياسات ضريبية تحقق العدالة إلى آخر هذه الأمور.

وفي الحالة المصرية الحالية، ومع أنين المصريين على مدار قرابة العامين، قد تكون أدوات الحكومة للسيطرة على ارتفاع الأسعار محدودة، كما أن قدرتها على خلق المزيد من فرص العمل ليست كما نريد، ولذا يظل ملف الخدمات هو الملعب الأساسي الذي يمكن للحكومة من خلاله تحسين حياة المواطنين بأقل تكلفة ممكنة، فقط بالتخطيط الجيد وإعادة استغلال الأدوات المتاحة.

وفي هذا الإطار، سنحاول في عدة مقالات متتابعة الحديث عن هذا الملف الخدمي المهم، وحجم التغيير الذي يمكن أن يحدث في حياة المصريين، إذا ما التفتت إليه الحكومة، والأجهزة التنفيذية، خاصة أن لدينا نماذج حدثت بالفعل وحققت نتائج جيدة، أولها مبادرة إنهاء قوائم انتظار العمليات.

لقد استطاعت الحكومة عندما توفرت الإرادة إنهاء الجراحات المؤجلة لقرابة 18 ألف مريض، خلال شهرين وعدة أيام فقط.. نعم حدث هذا في مصر بمبادرة من رئيس الجمهورية، تم القضاء على معاناة وآلام 18 ألف مصري، ورغم أن التكلفة، وفقا لما أعلنه رئيس الوزراء، 565 مليون جنيه، إلا أنها في الحقيقة تكلفة زهيدة جدا مقارنة بنتائجها، تكلفة ضئيلة أمام تخلص 18 ألف أسرة من انتظار المجهول.

لقد أثبتت هذه المبادرة أن النجاح ممكن، والإنجاز ممكن، وتحسين الخدمات، وإنهاء معاناة البشر أيضا ممكن، إذا ما توفر القرار السياسي وأخلص القائمون على العمل في أداء دورهم، لقد أنهى 153 مستشفى تابع لوزارة الصحة، والتعليم العالي، والقوات المسلحة، والشرطة، قوائم الانتظار قبل الموعد المستهدف بأربعة أشهر كاملة.

أما العنصر الأكثر أهمية فهو المساواة بين المصريين، فبعدما كان من لديه واسطة هو الذي يحصل على العلاج، ويحدد له موعد إجراء الجراحة قبل غيره، في المبادرة الكل سواسية، لأول مرة في مصر تتصل المستشفيات بالمرضى تبلغهم بمواعيد إجراء الجراحات، وقبل الموعد المحدد لهم.

لنا أن نتخيل جميعا حجم الهم الذي أزاحته المبادرة عن قلوب المرضى وذويهم، لنا أن نتخيل مدى شعور مواطن فقير في إحدى قرى الصعيد أو الدلتا، كان يحمل مرضه فوق أكتافه لا يعرف إن كان سيصل إلى دوره في إجراء الجراحة أولا، أم يصل إليه ملك الموت أولا، وفجأة يأتيه اتصال بأن عليه التوجه للمستشفى لإجراء الجراحة وبلا واسطة، أو توسل واستعطاف لأحد. ألا يشعر هذا المواطن الآن أنه في دولة تحترمه وتحترم مرضه وفقره، وأنها وإن كانت لا تستطيع أن توفر له كل سبل العيش الكريم فإنها تسعى إلى ذلك قدر استطاعتها؟

إعلان