إعلان

ثقوب فجة بذاكرة الدراما التليفزيونية

ثقوب فجة بذاكرة الدراما التليفزيونية

د. أمل الجمل
09:00 م الأربعاء 08 أغسطس 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

في مقاله الذي قرأته مؤخرا على فيسبوك، المُعَنون بـ"حبيبي دائما"، يتحدث الكاتب الروائي والصحفي أشرف عبدالشافي بمديح وإعجاب بعدد من مبدعات التليفزيون الكاتبات والمخرجات.

لكن المقال على أهميته أثار لديّ شجوناً، أولها أنه يستعرض بعضا من بنات جيل الستينيات من المبدعات، اختارتهم الناقدة السينمائية ماجدة موريس للحديث عنهن دون غيرهن بكتابها مبدعات تليفزيونيات، الصادر عام ٢٠٠٢ عن المجلس الأعلى للثقافة، أي أن الكتاب صدر منذ ١٦ عاما.

رغم أهمية الكتاب الضخم الذي يتجاوز خمسمائة صفحة، لكنه مقتصر على مجموعة محددة، ولم يكن كتابا يتناول جميع مبدعات التليفزيون، ليس فقط حتى تاريخ صدوره، ولكنه أيضاً اقتصر على بعض مبدعات جيل الستينيات من كاتبات ومخرجات الدراما، والمخرجات التسجيليات، والإعلاميات.

بالطبع ليس القصد لوم المؤلفة، فقد شاركت بجهد جيد، وإن لم تُواصل المسيرة التي بدأتها، فمن المحزن أنه لم يصدر كتاب آخر يستكمل الحقب التاريخية التالية- سواء بجهد موريس أو بجهد آخرين- مما أسقط من الذاكرة المكتوبة كثيرا من المبدعات في المجالات التليفزيونية المتنوعة واللائي أسهمن بشكل كبير في تشكيل وعي وخبرات وثقافة جيل من الفتيات والنساء المصريات.

من المحزن عدم توثيق جهد جميع النساء في الدراما التليفزيونية بغض النظر عن الكم والكيف، ففي جميع البلدان المتحضرة في كافة أنحاء العالم هناك توثيق وذاكرة وأرشيف، ومتاحف تحفظ ذاكرة البلد ومبدعيها، لكننا في مصر نعاني من تفشي فيروس خطير معادي للتوثيق، للذاكرة، والتاريخ، وهو ما يعني أننا سنكون في المستقبل وطنا بلا ذاكرة، وستلعنُنا الأجيال القادمة حتمًا.

غياب أرشيف تليفزيوني

في نهاية مقاله يُعبر صاحب "فودكا" و"البغاء الصحفي" عن سعادته بعثوره علي ذلك الكتاب- لموريس- خصوصاً بعد ترديد أحد زملائه حكماً مفاده "غياب الكاتبات عن الدراما التليفزيونية"، وفي تقديري المستند إلى الواقع أن الحكم السابق غير صحيح بالمرة، فغياب التوثيق، وإهمال التأريخ جعل الذاكرة عندنا مشبعة بالثقوب الخطيرة والفادحة التي تهدم جهود النساء والرجال علي السواء، لكن بحكم غزارة إنتاج الرجال وسيطرتهم على كثير من الأعمال لذلك فهم بارزون أكثر، ويتم ترديد أسمائهم أكثر، ويستمر الأمر إلى أن يُغيب المرض أو الموت أحدهم فيزحف إليه النسيان رويداً، لأن آخرين يحتلون تلك المساحة، وبعد فترة يسقط الراحل أو المريض من الذاكرة المكتوبة إلى أن يُعيد أحدهم إحياءه عن طريق الصدفة، فالأشياء عندنا تحكمها الصدفة، وليس التخطيط العلمي المنهجي.

أقول ما سبق، لأن من يقرأ خاتمة مقال الأستاذ أشرف عبدالشافي سيتخيل بالفعل غياب الكاتبات المبدعات عن الدراما التليفزيونية، وهو معذور في ذلك، لأنه ليس تخصصه فهو كاتب روائي وصحفي، وليس دوره التوثيق، فحتى عندما بذل الجهد وبحث لم يخطر على باله أن يستعين بالقاموس الذي أعده كل من الأستاذة المخلصة الدؤوبة منى البنداري والأستاذ يعقوب وهبي- رحمه الله- ليسترشد به، ربما يمنحه بصيصاً من الضوء على كاتبات للسيناريو السينمائي، قدمن إسهامات تليفزيونية أيضاً، ولم يجد صاحب المقال سوى كتاب يتيم يتحدث عن حقبة الستينيات، وكأن مصر لم تنجب نساء مبدعات بعد الستينيات، فهل هذا معقول؟!

أين الباحثون والموثقون؟!

أين أرشيف التليفزيون؟!

أين الباحثات الجادات اللائي يقمن بتوثيق هذا التاريخ؟

أين منح التفرغ من تلك التيمة المهمة؟

أين مَن يدافعون عن المرأة وقضايا المرأة، ويصدعون رؤوسنا ليل نهار، خصوصا لو أظهر أحد المسلسلات شخصية المرأة بصورة لا ترضيهم؟!

هذا موضوع مهم. توثيق إبداع المرأة أهم من الدفاع عن صورة المرأة في الدراما، اهتموا بتوثيق إبداع المرأة ومضمونه، وناقشوه.

هي والمستحيل

بعد أن انتهيت من المقال المعنون بحبيبي دائما، شعرت بالغبن لتجهيل- أثق بأنه غير متعمد- لكثير من أسماء النساء المصريات المبدعات في مجال الكتابة التليفزيونية، فأمسكت بورقة وقلم، وأخذت أُحصي من الذاكرة أسماء المبدعات اللائي لعبن دورًا في تشكيل ذاكرتي، وخبراتي، ووعيي، وثقافتي التي كانت مستمدة في سنوات طفولتي وصباي من التليفزيون وعدد محدود من الروايات والكتب بحكم نشأتي في قرية نائية، ثم واصلت محاولة الإحصاء للسنوات الأخيرة حتى أسماء من اختلفت معهن في أفكارهن، ففي البداية علينا جمع المعلومات ثم يأتي التقييم في مرحلة تالية، وهنا أعترف أن هذا ليس بحثا شاملا، ولكنها محاولة على الطريق لعل أحدهم يغويه الموضوع، فيواصل البحث.

بالطبع لا أنكر أن أهم عمل أثر في شخصيتي طفلةً كان "هي والمستحيل" للكاتبة فتحية العسال، وهي ضمن ثلاث كاتبات فقط تحدثت عنهن موريس في كتابها سابق الذكر، لكن موريس أسقطت على سبيل المثال لا الحصر مؤلفة وكاتبة سيناريو مهمة- لا أدري عمدا أم سهوا، وإن كنت أرجح السهو، لأن العنوان افتقد للتعريف بالألف واللام، واتكأ على التنكير، وكأنه انتقائي في شخصيات النساء المختارة ضمن غلافيه- وأقصد بها الدكتورة أمينة الصاوي التي رحلت عام ١٩٨٨، بعد أن كتبت عددا من المسلسلات الإذاعية والتليفزيونية، منها مثلاً المسلسل التي ترسخ في وجداننا، ولا يمكن أن ننساه عن عميد الأدب العربي طه حسين (الأيام) والمقتبس عن سيرته بنفس العنوان، وكذلك مسلسلات أخرى منها (علي هامش السيرة)، و(لا إله إلا الله)، وأربع أجزاء من (قصصص القرآن)، و(الأزهر الشريف منارة الإسلام)، ومركز أشياء أخرى تحتاج للتوثيق والتدقيق الأمين.

هناك، أيضاً، أخريات مثل الكاتبة مني نور الدين المعروفة برومانسيتها الشديدة، وعذوبة حواراتها، وإن اشتهرت بمسلسلها متعدد الأجزاء (هوانم جاردن سيتي)، لكنها بدأت رحلتها منذ الثمانينيات بقصة "النساء يعترفن سرا" وتوالت أعمالها حتي وفاتها في ٢٠١٥، فقدمت ما لا يقل عن ٢٦ مسلسلا، منها "جواري بلا قيود" و"الحرملك" "وبلاغ للنائب العام" و"همسات في العاصفة" و"العزف على أوتار ممزقة" و"كلمات" و"هوانم جاردن سيتي" و"أصحاب المقام الرفيع".

إضافة إلى الكاتبة يسر السيوي التي كتبت السيناريو لأحد عشر عملا منها على سبيل المثال لا الحصر المسلسل الخطير "الوسية"، و"خالتي صفية والدير" عن رائعة بهاء طاهر، أما الدكتورة سمير محسن، فإلى جانب شهرتها كممثلة ومنتجة فقد كتبت نحو ١٨ عملاً، منها السهرات وقليل منها أفلام وأغلبها مسلسلات تليفزيونية، مثل: الزائرة، وأم العروسة، وأحلام ضائعة، من كل بيت حكاية، محاكمة الجيل، سر الغائب، الرجل الطيب، المرأة والقانون، حارة برجوان، حارة الطبلاوي، وغيرها.

في حين كتبت سلوى الرافعي السهرة التليفزيونية الاتحاد النسائي وقصة مسلسل "يا رجال العالم اتحدوا" إلى جانب كتابة السيناريو والحوار لسبعة أعمال منها "طيور النورس"، "رصاصة في العقل".

الجمع بين النقد والإبداع

إضافة لما سبق، هناك كاتبة السيناريو والحوار ماجدة خيرالله التي ظُلمت، لأنها في تقديري جمعت بين الكتابة النقدية والإبداعية من زاوية، وهي طوال الوقت تكتب نقدا للأعمال السينمائية والتليفزيونية بزخم، وتشارك بآرائها في العديد من البرامج فلعبت دوراً في تكريس صورة لها على أنها ناقدة أكثر من كونها كاتبة سيناريو وحوار، ومن جانب آخر دخلت خيرالله في معارك مع آخرين في الوسط الفني، وهذا بالطبع ترك أثره علي التعامل مع كتاباتها وأعمالها ولكن ذلك لم ينل من عزمها وإرادتها القوية، فمازالت تواصل الكتابة الإبداعية التي بدأتها منذ الثمانينيات بفيلم امرأتان ورجل الذى حصلت عنه على جائزة السيناريو من مهرجان أسوان لخريجي أكاديمية الفنون، وكان من بطوله يحيى الفخراني وميرفت أمين وهالة صدقي.

قدمت ماجدة خيرالله اثني عشر فيلما سينمائيا وتليفزيونيا، إلي جانب عدد من المسلسلات التليفزيونية، منها مسلسل سنوات الشقاء والحب، بطوله نيللي وصلاح السعدني وإخراج أشرف فهمي، وأيضاً مسلسل صباح الورد للنجمة إيمان الطوخي والمسلسل مأخوذ عن قصة لنجيب محفوظ، وكتبت له ماجدة خيرالله السيناريو والحوار، وقام ببطولته كل من يوسف شعبان ومديحة يسري وشريف منير ومدحت صالح ومديحة يسري وسلوى خطاب ووائل نور وحسن حسني وعبدالله فرغلي.

أما إيناس بكر، فهي مؤلفة ومخرجة من مواليد 1950، وتشير بعض المصادر إلى أنها عملت ما يقرب من الثلاثين عامًا كمديرة أعمال للفنان عمر الشريف بمصر، وأخرجت له المسلسل الوحيد الذي قدمه للتليفزيون وهو حنان وحنين، عام 2007، وإن كتبت سيناريوهات بعض الأعمال السينمائية إلى جانب الإخراج السينمائي.

صاحبة بكيزة وزغلول

هل يمكن أن ننسى مبدعة سيناريو وحوار بكيزة وزغلول؟! هل يمكن أن ننسى ذلك المسلسل الكوميدي الباهر في نجاحه، وخفة ظله، ورشاقة حواره المتفجر بالكوميديا الراقية، وقوة تأثيره علي المشاهدين؟! هل يمكن أن نغفل اسم إسعاد يونس كأحد أهم المبدعات حتى وإن كان عدد مؤلفاتها لم يتجاوز العشرة أعمال، ربما مسلسلين وثلاثة أفلام ومسرحيتين، هنا ومع مثل تلك الموهبة المتفردة لا يمكن الحديث عن الكم، حتي لو كان كل حصادها فقط بكيزة وزغلول، وليلة القبض على بكيزة وزغلول.

كذلك لن يفوتنا أن نتذكر الدكتورة لميس جابر، صاحبة "مبروك وبلبل" ١٩٩٨، وقبله قدمت السهرة التليفزيونية "نونة الشعنونة" عام ١٩٩٤ عن قصة سلوى بكر، ثم مسلسل "الملك فاروق" ٢٠٠٧، والمسلسل الإذاعي "أحلام شهر زاد" عن قصة لعميد الأدب العربي الدكتور طه حسين، وربما قريبا جداً نشاهد لها مسلسل "محمد علي" من بطولة زوجها المبدع يحيى الفخراني.

القانون لا يعرف عائشة

نادية رشاد اسم يرتبط عندي بكتابة السيناريو والحوار الممتع الذي يتناول قضايا المرأة بصدق، وذلك في عدد من الأفلام التليفزيونية والسهرات والمسلسلات، بالطبع إلى جانب أدوارها التمثيلية وتميزها في فنون الأداء.

يكفي أن يكون في رصيدها من كتابة السيناريو والحوار أعمال مثل: آسفة أرفض الطلاق، والقانون لا يعرف عائشة، ومباراة زوجية، وكعب داير، واسم الشهرة، وبين ثلاثة، وجوازة في السر، إلى جانب عدد من السهرات التليفزيونية منها حب حفظ في الأرشيف، وأغلب النساء يفعلن هذا، وحبيبة، وأحلام قديمة، وحياتها الرائعة.

وهناك كاتبات مبدعات أخريات، لكن الأمر يحتاج بحثا وتنقيبا وفحصا، وتوثيقا وتدقيقا في المعلومات والبيانات، هناك مثلاً أسماء مثل رجاء يوسف لا تزال بحاجة إلى بحث عن مسيرتها ومساهماتها، وهنا نهي العمروسي الممثلة التي كتبت السيناريو والحوار لثلاثة أفلام، وشاركت ضمن ١١ مؤلفا في كتابة السيناريو والحوار لمسلسل السيت كوم٦ ميدان التحرير. وهناك مني الصاوي التي كتبت السيناريو والحوار لعدد من السهرات التليفزيونية، ومنها قصة مسلسل الغالب والمغلوب ٢٠٠٢، إلى جانب سيناريوهات أفلام خلي الدماغ صاحي، والثعالب، وكيد العوالم، وليلة عسل.

جيل جديد من الكاتبات

عندما نبدأ الحديث عن الجيل الجديد من الكاتبات لابد أن تبدأ بالكاتبة المميزة مريم ناعوم التي انطلقت من السينما بسيناريو فيلم واحد صفر، ثم اتجهت إلى كتابة المسلسلات التليفزيونية الناجحة بقوة، فكتبت مسلسلات مثل ذات، سجن النسا، تحت السيطرة، وأشرفت على عدد من ورش السيناريو لبعض المسلسلات الأخرى.

أما الكاتبة والصحفية عزة شلبي، فقد بدأت بسهرة تليفزيوينة عام ٢٠٠٠ عنوانها نداء الورد، ثم لفتت إليها الأنظار، بعد تجربتها مع المخرج مجدي أحمد علي وكتابتها سيناريو فيلم أسرار البنات، ثم قدمت عدة سيناريوات للتليفزيون بلغت نحو ثمانية منها كلام نسوان، وقانون المراغي، نابليون المحروسة، كما أشرفت على ورشة سيناريو مسلسل "استيفا ٢٠١٥".

هناك، أيضاً، غادة عبدالعال، صاحبة المدونة الشهيرة التي انطلقت منها بخطواتها الأولى في عالم كتابة السيناريو والشهرة- وإن اقتصرت قائمة أعمالها على اثنين فقط من المسلسلات: عاوزة أتجوز الذي قامت ببطولته هند صبري، وإمبراطورية مين، ثم انشغلت غادة بكتابة المقالات واختفت، أو ربما أدراجها عامرة بكتابات أخرى تنتظر إشارة الإنتاج.

أما نشوى زايد، ابنة الكاتب الكبير محسن زايد، فقدمت عملين أولهما في عام ٢٠٠٦ بنت بنوت الذي أخرجه ياسر زايد، وقامت ببطولته مي عزالدين، لكن العمل الذي حقق شهرة واسعة كان أفراح القبة عن قصة نجيب محفوظ، حتى وإن شارك في كتابة المسلسل أو بالأحرى بدأ كتابة الحلقات الأولى له محمد أمين راضي، ثم اعتذر لأسباب لا نعلمها، وقامت نشوى باستئناف كتابة باقي الحلقات.

إعلان