إعلان

انقلاب على الذات: تمجيد اللص وتدوير القاتل!

محمد حسن الألفي

انقلاب على الذات: تمجيد اللص وتدوير القاتل!

محمد حسن الألفي
09:00 م الثلاثاء 07 أغسطس 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

يسمونها عادة اللحظة النفسية الحاسمة. القادة السياسيون، في الغالب وبلا مراجعة للعقل أو الضمير يبيعون هذه اللحظة للجماهير بوصفها "اللحظة التاريخية "، أو يطلقون عليها وصفا يوحي بقرب الانزلاق إلى المجهول، من خلال المنعطف التالي الذي سيواجهنا، ونحن مندفعون أو مدفوعون!

والحقيقة أن النظر إلى العقود الستة الماضية يدهش من يتعمق، ويربك من يحصى عدد المنعطفات والمنزلقات، فكل منعطف مولود مع لحظة تاريخية حتى امتلأت حياتنا بمواليد لا تنتهي من المنعطفات، منعطف يعقبه منعطف، يتلوه منزلق، فمنحدر.

من وقت عبدالناصر لوقت أنور السادات، ومن وقت أنور السادات لوقت حسنى مبارك، ننعطف وننزلق وننحدر، ونحن الآن في منعطف السيسي التاريخي!

في التحليل النفسي الاجتماعي لمجتمع في مرحلة ما، توجد مواصفات خاصة ومعايير بدونها لا تكون اللحظة تاريخية ولا المنعطف مؤديًا إلى الهاوية!

أهم ملامح هذه اللحظة حدوث حالة انقلاب على الذات، وعلى الهوية، واستبدال هوية بها، فرضتها الظروف الطارئة والآثار الجانبية للفوضى التي سلك المجتمع طريقها طوعا أو كرها، بحثا عن تغيير.

والحقيقة أن المجتمع المصري حاليا يمر بحالة انقلاب علي نفسه، ليس بهدف مراجعة تصرفاته وثوابته، بل هي حال أشبه بانقلاب سيارة من فوق منحدر، المنحدر لا ينتهي، وتدحرج السيارة لا يتوقف. داخل السيارة صراخ وعويل واتهامات متبادلة متشنجة.

والمدهش أن هذا كله صار من الأمور الاعتيادية، لا تزعج أحدا قط، لأن كله لا يسمع كله، ولا يريد سوى الاستمرار في الصراخ والعويل مع غل أسود نتائجه كارثية.. بينما العربة تواصل التدحرج منقلبة ومتقلبة نحو الهاوية السحيقة. لم ينتبه أحد للحظة واحدة لعمق التغيرات التي طرأت، وطفحت على الشخصية المصرية في رحلة الانزلاق الذاتي، والانقلاب على القيم. لكن حادثة صغيرة وقعت قبل أيام، كشفت عن المصيبة الآخذة بخناق الجميع، وهي الرغبة، بل اللهفة نحو تمجيد اللص، وتكريم القاتل، وتجريس الشريف!

يحدث ذلك عمدا ودون إحساس بأن النزوع لتمجيد اللص وتجريس الشريف وتقدير القاتل هو في حد ذاته فعل إجرامي، يشيع في المجتمع روحا شريرة تنتهك ثوابت الخير والعدل والأمان.

الصبي الصغير الذي استقبلته الميديا، من مواقع الثرثرة الاجتماعية إلي مواقع بث الغل في التوك شوز (shoes وليس showsشوز يعنى حذاء بالمناسبة) استقبال الناقم الاجتماعي، وأثار إعجاب المذيع الفظيع، لأنه بوقاحته وسفوره كشف عن لصوص من الفحول في ميناء التهريب ببورسعيد.

وقعت زفة تمجيد واستحسان للصبي وهو لص، وهو سارق، وهو مهرب، وهو بليغ في التعبير، بل يتمتع بذكاء فطري؛ فقد غلف سرقته بغلالة أخلاقية هي الإنفاق على

أمه وأخواته البنات.

لماذا يتجه الإعلام للاحتفاء باللصوصية: جهلا، أم عمدًا، أم غباءً، أم مجاراة للمجتمع؟!

أحسب أن برامج السعار الليلي صارت تلهث خلف الهري اليومي على الفيسبوك وتويتر، بدلا من أن تقودهما مسلحة بالمهنية.

الميل لتبرير اللصوصية، والميل لتبرير القتل بالدفع، وإعادة تدوير رجل أعمال مدان بالقتل، وتغسيله اجتماعيا، بدلا من تكفينه أبديا- لا تعني سوى أمر واحد:

إن هذا المجتمع غير مدرك أنه منزلق بسرعة البرق نحو الهاوية بمنتهى الرضا، ومنتهى الاستمتاع بانقلابه على نفسه، وإنه يفقد أخلاقه بسهولة.

إعلان