إعلان

مبروك.. طلّقني

مبروك.. طلّقني

د. براءة جاسم
09:01 م السبت 04 أغسطس 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

على الرغم من أنَّ الزواجَ هو أعلى درجاتِ الارتباط، وأن الطبيعةَ البشريةَ تسعى بفطرتِها إلى الأفضل، وفضلًا عن مكانته في الشرائع الدينية، وأنه هو ما يثبت أهمية شخص بعينه ليختار زوجه فيرتبط اسمهما دون باقي البشر ليُعلنا حبهما أمام الناس جميعًا، إلا أن نسبةَ الطلاق تشهدُ ارتفاعًا كبيرًا وملحوظًا جدا في جميع أنحاء العالم باختلاف الأسباب المؤدية إلى ذلك.

ولقد كانت الأسبابُ الماديةُ في الماضي على قمةِ قائمةِ أسباب الطلاق، ثّم بتغيّرِ الظروفِ المجتمعيّة نجدُ أنها تراجعتْ لتحتلَّ مكانَها عوامل أخرى، من أبرزِها ما يتصدرُ المشهدَ حاليًا، وهو عدمُ تحمُّل المسؤولية وانعدامُ التوافق بين الطرفين والخيانةُ الزوجية والإدمانُ والعنفُ بكلِّ أنواعه، والأمراض الجنسيةُ باختلافِ تنوُّعِها سواء الضعف أو عدم التوافقِ الجنسي، إلخ...، كذلك أيضًا المفاهيمُ الخاطئةُ الخاصةُ بكلِّ جنسٍ عن الآخر، والتوقعاتُ غيرُ الواقعيّةِ من الزواج، وعدم المساواة بين الطرفين، والزواجُ المبكر.

إذًا كيف نحمي هذا الرباطَ المُقدّسَ من أن يتحوّلَ في مجتمعِنا إلى مقبرةٍ للحبِّ وبدايةٍ للخلافات؟! يمكنني القولُ إنّه كلّما كانت الأسسُ التي بُنيَ عليها الزواجُ ضعيفةً كان البناءُ واهنًا، فلا يجبُ مثلًا أن يكونَ الزواجُ مبنيًا على الخوف، سواء من المجتمعٍ وما به من تقاليدَ ومفاهيمَ سلبيةٍ كشبح لقب "عانس"، أو المخاوفِ الشخصيةِ كتقدمِ العمر، أوالبقاءِ وحيدًا، هناك أيضًا التسرُّعُ في اتخاذِ قرار الزواج، فعلينا أنْ نعرفَ الشخصَ جيدًا ونتأنّى حتى نتخطّى مرحلةَ الانبهار والرومانسية، وألّا تكونَ الرغبةُ والشهوةُ الجسديةُ هي المحفزَ الأول للارتباط.

والمسألةُ بجميعِ جوانبِها تتعلقُ بكثيرٍ من العواملِ التي تحتاجُ إلى توعيةٍ وثقافةٍ وتربيةٍ تبدأُ منذ الولادةِ ولا تتوقفُ عند مرحلةٍ معينة، وإنّما تستمرُ مع الحياةِ للوصولِ إلى حلولٍ جِذريةٍ تعالجُ جميعَ مشكلاتِ العلاقات، وليسَ هذا الدورُ مقصورًا على الأسرةِ بل على المدرسةِ والإعلامِ والمجتمعِ ككلٍ لا يتجزأ، من هذه الحلول على سبيل المثال أولًا أن تكونَ الأمُّ والأبُ مثالًا حيًّا للعلاقةِ الزوجيةِ السليمة، وأنْ يؤسَّسَ الأبناءُ على مفاهيمَ صحيحةٍ تَحُلُّ بديلًا للمفاهيمِ الخاطئة التي تملأ مجتمعاتنا، أمّا بالنسبةِ للدّورِ الفرديّ، فنذكرُ منهُ أنه تجبُ تنشئةُ الأبناءِ على احترام الذاتِ واحترامِ الآخر، كذلك يجبُ تعديلُ المفاهيمِ الشائعة بأن الذّكرَ ليس إلا بنكًا متحركًا وأنَّ الأنثى خادمةٌ له، والحقيقةُ أنهما شريكان في الحياة بكل جوانبها داخلَ البيتِ وخارجِه، كذلك يجبُ أن يعلمَ الأبناءُ أنّ الهدفَ من الزواجِ ليس مجردَ تحقيقِ استقرارٍ ماديٍّ أو للخروجِ من تحكّماتِ الأهل، وأنَّ البلوغَ السِنّي ليسَ أبدًا مؤشرًا للقدرةِ على الزّواج إن لم يكتملْ هذا البلوغُ بالنضوجِ نفسيًا وعقليًا وعلميًا وعمليًا، وأن تكونَ لدى الطرفين القدرةُ على الاستقلال المادي.

علينا أيضًا ألّا نغفُلَ أهميّةَ الثقافةِ الجنسيّةِ لدى الأبناء فتكونُ المعرفةُ العلميةُ الصحيحةُ دون حرجٍ أو خوفٍ بديلًا للسعي الخفي إلى مصادرَ خاطئةٍ فاسدةٍ تزرعُ أفكارَها غير السويّة نتيجةً لمجرد فضول الأبناء وأسئلتهم التي لا يجدون لها مجيبًا، فيكونُ اطّلاعُهُم مليئًا بأوهامٍ وخرافاتٍ لا تمتُّ للواقعِ أو الحقيقةِ بِصِلة.

ومع كلِّ ما قيلَ عن المشكلات المؤديةِ إلى الطلاقِ والسعيِ إلى علاجِها وتوعيةِ المجتمع للتصدّي لها، إلا أنه لا يجب أن يُعدَّ الطلاقُ وصمةً يعيشُ بها الإنسانُ ما بقيَ من حياتِه أو مؤشرًا سلبيًا أو مرادفًا للفشل الحياتيّ، وإنما هو حلٌّ أخيرٌ لتصحيحِ مسارٍ خاطئ من أجلِ استكمالِ الحياةِ في مسار إيجابيّ صحيح، وهناك حالاتٌ كثيرةٌ يكونُ الطلاقُ فيها ضروريًّا، بل هو أفضلُ للطرفين وللأبناء، ذلك أن وجودَ الأشخاص في علاقةٍ سيئةٍ له مخاطر وسوءاتٍ لا يقلُّ ضررُها عن الطلاقِ نفسِه، بل هو أسوأ.

إعلان