إعلان

فينيسيا ومحطات للسينما المصرية والعربية بها

فينيسيا ومحطات للسينما المصرية والعربية بها

د. أمل الجمل
09:01 م الثلاثاء 28 أغسطس 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

"إن أهم أفلام مهرجان فينيسيا حتى الآن فيلم "خطة العنكبوت" لبرتولوتشي وفيلمان لمخرج مصري جديد هو شادي عبدالسلام، والفيلمان هما القصير "الفلاح الفصيح"، والروائي الطويل "المومياء". وباستثناء أفلام شادي لا شيء آخر يظهر له قيمة ملحوظة من البلاد العربية. يبدو أن شادي شخصية قائمة مستقلة بذاتها، بعيدة عن أن تحدد اتجاهاً لحركة جديدة في السينما المصرية. ربما يريد شادي أن يبتدع سينما وطنية تسود فيها روح فنون مصر القديمة، ويبدو أنه نجح، وهو نفسه موهبة يجدر الالتفات إليها.

ما سبق كتبه جون راسل تيلور في التايمز البريطانية بتاريخ 29 أغسطس 1970 عقب عرض المومياء بمهرجان فينيسيا عام ١٩٧٠. أما روبرت روسيلليني في حواره مع سامي السلاموني فقال: "هذا أول فيلم مصري أراه وفيه طعم مصر فعلاً. إني أكاد أشم رائحة طين بلادكم في الفيلم.. لقد كانت أفلامكم شيئاً فاقد الشخصية.. تقليداً ممسوخاً للفيلم الأوروبي".

٨٧ عاماً، و٧٥ دورة

نتذكر هذا بمناسبة قرب انعقاد الدورة الخامسة والسبعين من مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي في الفترة من ٢٩ أغسطس - ٨ سبتمبر ٢٠١٨. إنه أعرق مهرجانات الدنيا - مع كان وبرلين - والذي بدأ منذ عام 1932، لكنه توقف ست مرات منها ثلاث سنوات متتالية أثناء الحرب العالمية الثانية، كذلك أقيمت فعالياته ثلاث مرات من دون أن تحمل تلك الدورات أي رقم لها، وهو ما يفسر الفارق بين عمر المهرجان الحقيقي- ٨٧ - وبين رقم الدورة الحالية ٧٥. إضافة إلى أن المهرجان استمر في إقامة دوراته من دون مسابقة ومن دون أن يمنح الجوائز للأفلام المشاركة عشر مرات، منها السنة الأولى لانعقاده، ثم من عام 1969 حتى 1979.

لم تكن مشاركة مصر بالمومياء هي الأولي بمهرجان فينيسيا أو البندقية كما يطلق عليه البعض. كانت مصر أقدم دولة عربية تشارك في مهرجان البندقية، منذ عام 1936 بفيلم «وداد» من بطولة أم كلثوم للمخرج فريتز كرامب من إنتاج استديو مصر، ثم توقفت حتى عام 1951 عندما شارك يوسف شاهين بفيلمه «ابن النيل» خارج المسابقة. بعدها اشتركت مصر بأفلام «نساء في حياتي» 1957 لفطين عبدالوهاب و«أنا حرة» 1959 لصلاح أبوسيف، وفي عام 1964 تقدم شاهين بفيلمه «فجر يوم جديد» لكن عندما علم بأنه سيعرض خارج المسابقة رفض وانسحب.

أما في عام 1970 فشارك شادي عبدالسلام بفيلم «المومياء» لكن المهرجان في ذلك العام كان من دون مسابقة ومن دون جوائز. ثم عاد يوسف شاهين للمشاركة داخل المسابقة الرسمية عام 1982 بفيلم «حدوتة مصرية» وكان بطله نور الشريف مرشحاً بقوة لجائزة أحسن ممثل لكنها ذهبت إلى الممثل الروسي ميخائيل أوليانوف.

١٣ عاماً من الغياب

بعد ذلك، ولأسباب متباينة كثير منها يتعلق بالروتين، وبيروقراطية الموظف، وبعضها يتعلق بمستوى الأفلام، اختفت مصر من خريطة مهرجان فينيسيا نحو ثلاثة عشر عاماً بعد تكريم صلاح أبوسيف عام 1986 وعرض فيلمه «البداية». إلى أن عادت عام 1999 بفيلم «الأبواب المغلقة» للمخرج عاطف حتاتة الذي اشترك ببرنامج «سينما الحاضر» خارج المسابقة الرسمية للدورة السادسة والخمسين، وفاز بجائزة مؤسسة سينما المستقبل «الدوائر ليست مغلقة».

في عام 2002 وضمن فعاليات الدورة ٥٩ من مهرجان فينيسيا شارك فيلم "دعاء الكروان" للمخرج هنري بركات ضمن احتفالية نظمها المهرجان خاصة بأفلام الأبيض والأسود حيث تمت ترجمته إلى اللغة الإيطالية وكانت فاتن حمامة قد سافرت مع الفيلم، وكانت مصر تشارك أيضاً بعدة أفلام أخرى أبيض وأسود منها "جعلوني مجرما" لعاطف سالم. وتضمن البرنامج عشرين فيلما أبيض وأسود ضمن احتفالية تقيمها إيطاليا لهذه النوعية من الأفلام.

وإلى جانب المشاركة المصرية في احتفالية الأبيض والأسود عُرضت أيضاً مجموعة أفلام 11 سبتمبر، شارك فيها يوسف شاهين بفيلم عن رؤيته لأحداث 11 سبتمبر، وذلك ضمن برنامج أحداث خاصة. بالإضافة إلى ذلك كان هناك ثلاثة مخرجين عرب منهم رضا الباهي بفيلمه التونسي "صندوق عجب" خارج المسابقة، وفي أسبوع النقاد فيلم روائي طويل للمخرج رفاعي ناصر بعنوان "امتهان" داخل مسابقة العمل الأول. ولأول مرة تم اختيار ناقد سينمائي عربي كبير هو غسان عبد الخالق لرئاسة تحكيم مسابقة "ضد التيار" التي تمنح جائزة باسم سان ماركو مناصفة بين المنتج والمخرج 50 ألف يورو.

عودة للمسابقة

عام 2007 - شارك يوسف شاهين بفيلمه «هي فوضى» وكذلك شاركت وزارة الثقافة المصرية بفيلم «المسافر» لأحمد ماهر 2009 في المسابقة الرسمية من دون تحقيق نتائج، وبالعكس تم الهجوم علي الفيلم، واستقبله الأجانب بشكل سلبي خصوصا - في تقديري - في ظل الكود الثقافي المتعلق بمعاني وكلمات الأغاني- والتي لم تكن قليلة- المرتبطة بذكريات تاريخية ووطنية والتي تستدعيها في ذهن الإنسان المصري بينما لا تعني شيئا للأجنبي، مما يفقد الفيلم كثيرا من معانيه. أما المومياء، فرغم محلية الموضوع وخصوصية مصريته، لكنهم اعتبروه تحفة إبداعية، ليس فقط وقت عرضه في سبعينيات القرن الماضي، ولكن أحد أساطين الإخراج بالسينما الأمريكية وهو مارتن سكورسيزي في عام ٢٠٠٩ - عندما تم الاحتفاء به علي هامش الدورة ٦٢ من مهرجان كان السينمائي وعرضت نسخة مرممة ضمن الكلاسيكيات - تحدث عنه قائلاً: "اللغة السينمائية في هذا الفيلم أقرب إلى الشعر. أنا شغوف به فقد أثارني وأعتبره master piece تحفة إبداعية. ليس هذا فحسب ولكن المومياء هو الفيلم المصري والعربي الوحيد الذي تم اختياره عالمياً كواحد من أفضل مائة فيلم في المائة سنة الأولى من عمر السينما.

عودة مصرية للهامش

هكذا بدت الأمور في عام ٢٠١٠ حيث عُرض فيلم "ميكروفون" للمخرج أحمد عبدالله السيد في الدورة 67 لمهرجان فينيسيا على هامش المهرجان، بينما شارك الفيلم المصري التسجيلي "ظلال" إخراج ماريان خوري ومصطفى الحسناوي، والذي عُرض في برنامج آفاق، فكان المشاركة المصرية الوحيدة في المسابقة غير الرسمية. وقد عرض معه في نفس البرنامج الفيلم اللبناني التسجيلي "شيوعيون كنا" للمخرج ماهر أبو سمرا.

ومن تونس فينوس السوداء للمخرج التونسي عبداللطيف كشيش عرض في المسابقة الرسمية 2010، وكان مرشحا للذهبية. كما شاركت الممثلة هيام عباس في فيلم "ميرال" إنتاج أمريكي فرنسي إسرائيلي.

جوائز عربية

كان فوز فــيلم «طيارة من ورق» للمخرجة اللبنانية رادة الشهال عام ٢٠٠٣ بجائزة الأسد الفضي «جائزة لجنة التحكيم الخاصة» في دروته الستين، هو أول جــائزة للسينما العربية في مهرجان فينيسيا منذ بدايته، مع مراعاة أنه في عام عرض المومياء“ لم تكن هناك جوائز، فقد كانت دورة من دون جوائز. ويُعتبر فوز الشهال هو الجائزة الثالثة للسينما العربية في المهرجانات الكبرى – كان، برلين، البندقية - في تاريخ السينما العربية، بعد أن فاز محمد الأخضر حامينا عن «وقـائع سنوات الجمر» بالسعفة الذهبية عام 1975، وفوز شاهين عام 1979 بالدب الفضي ببرلين عن فيلمه «إسكندرية ليه»، فضلاً عن السعفة الذهبية عن مجمل أعماله عام 1997.

أسد ذهبي فينيسي لعمر الشريف

في ذلك العام وتلك الدورة أيضاً كانت مصر محظوظة بنجمها العالمي عمر الشريف إذ تم تكريمه بالدورة الستين من مهرجان فينيسيا وتم منحه جائزة الأسد الذهبي عام 2003 عن مسيرته الفنية، وتم عرض بعض من أعماله، وتم الاحتفاء بما يليق بتاريخه الطويل في السينما العالمية. ومَنْ يذهب إلى فينيسيا، سيجد صور عمر الشريف معلقة مع أشهر نجوم ونجمات السينما عالمية في بعض المحلات المحيطة بالليدو حيث مقر المهرجان.

إضافة إلى ما سبق لا يُمكن إغفال أن رندة الشهال شاركت في البندقية عام 1996 بفيلمها الروائي الأول «شاشات الرمال»، ثم الفيلم الثاني «متحضرات» عام 1999 والذي فاز بجائزة اليونيسكو، لكن شهال رفضت الجائزة لأنها كانت مشتركة مع المخرج الإسرائيلي عاموس غيتاي. وصرحت وقتها بأنها لا تستطيع أن تشارك مخرجاً إسرائيلياً الجائزة في ظل استمرار الاحتلال الإسرائيلي جنوب لبنان، أياً كان موقف غيتاي.

كانت جائزة شهال عن طيارة ورق“ هي الجائزة الدولية الثانية التي يفوز بها صناع السينما في لبنان بعد أن فاز مارون بغدادي بجائزة لجنة التحكيم الخاصة في «كان» 1991 عن فيلمه الفرنسي «خارج الحياة». وكانت جائزة الشهال أيضاً هي الجائزة نفسها التي حصل عليها عبد اللطيف كشيش عام 2007 عن فيلمه «كسكس بالسمك» مناصفة مع الفيلم الكندي «لست هناك».

ويبدو أن عام ٢٠٠٧ كان مميزا للسينما العربية، إذ شهد حضوراً عربياً مكثفاً، فإلى جانب المشاركات في المسابقة الرسمية وخارجها وتحكيم ثلاث نساء عربيات، عرض أيضاً 14 فيلماً قصيراً من المغرب في برنامج تكريمي خاص في سابقة أولى من نوعها، وحضرته مجموعة من المخرجين المغاربة. كذلك عُرص في قسم «أيام فينيسيا» فيلم المخرج اللبناني «فيليب عرقتنجي» «تحت القصف». وإلى جانب جائزة كشيش، فازت أيضاً الممثلة المغربية الشابة حفصية حرزي بجائزة أحسن ممثلة شابة عن «كسكس بالسمك».

أما في الدورة رقم 68 من مهرجان فينيسيا - والتي عقدت عام 2011 - فكانت تحمل خصوصية ذلك العام حيث اندلاع ثورات الربيع العربي، وأتاح المنظمون للمهرجان الإيطالي العريق الفرصة للسينما العربية لكنها كانت خارج المسابقة الدولية، وإن اختارت إدارة المهرجان أن تشرك العرب هذه الأحداث باشراك فيلمين لسوريا وهما "النهاية" و"طلائع" إلى جانب "حاضنة الشمس" الذي عُرض في برنامج "آفاق". كذلك فاز فيلم التحرير 2011 / الطيب والشرس والسياسي/ إخراج تامر عزت وآيتين آمين وعمرو سلامة بجائزة المنظمة الدولية للتربية والثقافة والعلوم "اليونسكو" والتي تحمل اسم السينمائي الإيطالي الشهير "انريكو فولشيانوني" التي تمنحها لجنة تحكيم خاصة لأحسن فيلم وهي الجائزة الوحيدة للمنظمة في مهرجان دولي.

العرب والتحكيم

في دورة البندقية التاسعة والخمسين عام 2002، وللمرة الأولى تم اختيار ناقد سينمائي عربي هو اللبناني الراحل غسان عبدالخالق لرئاسة تحكيم مسابقة «ضد التيار»، وفي عام 2003 كان الناقد المصري الراحل سمير فريد عضو لجنة التحكيم بمسابقة «ضد التيار» أيضاً، بينما ترأس يوسف شاهين لجنة تحكيم مسابقة العمل الأول والثاني عام 2004، والتي منحت في ذلك العام لفيلم «الرحلة الكبرى» للمخرج إسماعيل فروخي (إنتاج مغربي -فرنسي). وفي عام 2007 اشتركت ثلاث مخرجات عربيات في لجان التحكيم المختلفة بالبندقية، هن هالة العبدالله في برنامج «آفاق»، واللبنانية رندة شهال صباغ في مسابقة العمل الأول، والمغربية ياسمين قصاري في مسابقة الأفلام القصيرة.

وفي عام ٢٠١٤ أي في دورته رقم ٧١ كان المخرج الفلسطيني إيليا سليمان عضو لجنة تحكيم المسابقة الرسمية التي تمنح جائزة الأسد الذهبي وجوائز أخرى، وهذا العام في الدورة الخامسة والسبعين تم اختيار السيناريست محمد حفظي كعضو لجنة تحكيم مسابقة آفاق (ORIZZONTI).

إعلان