إعلان

كل الطرق تؤدي إلى غزة

كل الطرق تؤدي إلى غزة

محمد جمعة
09:00 م الأربعاء 01 أغسطس 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

ما نشاهده هذه الأيام من حراك دولي وإقليمي يشير بشكل قاطع إلى أن كل الطرق تؤدي إلى غزة. فإما أن يذهب إليها الفلسطينيون (ومعهم الأطراف المخلصة لقضيتهم) وفقا لمشروعهم الوطني، بعد إعادة اللحمة بينها وبين الضفة، ومن ثم يقطعون الطريق على محاولات فصلها، وإما أن يستمر صراعهم الداخلي، ومن ثم يذهب الجميع نحو غزة، لكن وفق التصورات والترتيبات "الإسرائيلية- الأمريكية".. ولا توجد طريق ثالثة!

- إدارة "ترامب" ترغب في أن تنتهي من "مشكلة غزة" عبر تسويتها من مدخل "إنساني" لتكون مركز الثقل الفلسطيني، ثم يجري بعد ذلك دمج ما تبقي من "كانتونات" في الضفة الغربية مع هذا "الكيان" الذي سيجري تسميته بـ"الدولة".

بعبارة أخرى، ما تريده "واشنطن" و"تل أبيب" من "المصالحة" أن تكون مدخلًا لتطبيق الحل الإنساني لقطاع غزة، كقاطرة لتمرير "صفقة ترامب". وهذا الحل ليس "إنسانيًا" مثلما يُقال، وإنما هو جزء من الصيغة السياسية التي يجري العمل على تمريرها، سواء بموافقة السلطة و"فتح"، أو بجعلها حقائق على الأرض لا يمكن، أو من الصعوبة تجاوزها. أي إما أن تكون السلطة الموحدة جزءًا من الحل الذي مركزه قطاع غزة، وهذا يسهل عملية ابتلاع ما تبقى من الضفة الفلسطينية، أو يتم من دونها، وهذا معناه تحويل الانقسام المؤقت بين الضفة والقطاع إلى انفصال دائم، تمهيدًا لإقامة الكيان الفلسطيني في القطاع، على أن ترتبط المعازل المأهولة بالسكان والمنفصلة عمليًا عن بعضها في الضفة، أو لا ترتبط بهذا الكيان.

في هذا السياق فقط، نستطيع أن نفهم تخفيف الشروط الإسرائيلية على "حماس" مقابل تخفيف الحصار، بل محاولة جرها للانخراط في ترتيبات هدنة طويلة الأمد تعمق من خروج قطاع غزة عن غلاف السلطة.. وهذا يعتبر حلًا سياسيًا وليس إنسانيًا! وأن نفهم كذلك لماذا لم يعد الحديث "الأمريكي- الإسرائيلي" منصبا عن شروط الرباعية الدولية، أو عن ضرورة الاعتراف الحمساوي بإسرائيل، ولا حتى عن نزع سلاح "حماس"، وإنما عن ضبطه فقط وتحديد مجالات استخدامه، لأن الحديث في واقع الأمر لا يجري عن حل للقضية أو تسوية، وإنما عن تصفية لها.

لذا عندما تتحدث "واشنطن" و"تل أبيب" عن المصالحة، فهما تقصدان إنهاء الانقسام في السلطة، ومحاولة إدماج السلطة التي تضم "حماس" في العملية السياسية الجاري الاستعداد لإطلاقها، والتي تسمي "صفقة القرن"، والتي يجري العمل على تنفيذها قبل إطلاقها حتى تكرس أمرًا واقعًا يصعب في وقت لاحق رفضه أو تجاوزه.

- أما مصر، فقد اندفعت نحو تحريك ملف المصالحة نتيجة الوضع الإنساني الحرج في القطاع، والذي يُخشى معه أن يؤدي إلى انهياره وانفجاره. ناهيك من تعدد الأطراف الإقليمية المنخرطة فيه والتي تريد توظيف "الورقة الفلسطينية" بما يعزز نفوذها الإقليمي علي حساب مصر !

باختصار: القاهرة لا تريد رمي غزة في حضنها، وفي نفس الوقت لا تريد أن تبتعد عنها حتى لا تصبح منطقة نفوذ لأطراف إقليمية تناوئها. فضلا عن أنها تريد- أي مصر- أن يبقى الأفق مفتوحا أمام الدولة الفلسطينية وفق صيغة تتأسس على وحدة المصير السياسي بين الضفة والقطاع.. لكن المشكلة هنا أن استمرار الصراع الفلسطيني من خلال استمرار الانقسام، والتزاحم على السلطة والتمثيل وحيازة القرار، وعدم التوافق على الحد الأدنى (الذي يحول دون التناحر وتمكين الاحتلال الإسرائيلي من أن يتلاعب بالقضية كيفما شاء) ساهم في الهبوط بالسقف الفلسطيني إلى هذا المستوى، إلى الدرجة التي تحولت فيها غزة من خزان الوطنية الفلسطينية ومعقل نضالها إلى الخاصرة الضعيفة التي تجري محاولة توظيفها لتمرير الحلول التصفوية.

إعلان