إعلان

المشاركة المصرية في "كارلوفي فاري" السينمائي الثالث والخمسين

المشاركة المصرية في "كارلوفي فاري" السينمائي الثالث والخمسين

د. أمل الجمل
09:01 م الخميس 05 يوليو 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

يتواجد اسم مصر في الدورة الثالثة والخمسين من مهرجان "كارلوفي فاري" - وهو المهرجان الأهم في أوروبا الوسطى والممتد من ٢٩ يونيو وحتي ٧ يوليو الجاري - من خلال ثلاث مشاركات تتمثل الأولي في المسابقة الوثائقية والمنافسة على جوائزها من خلال الفيلم المصري الألماني المشترك إنتاجاً وإخراجاً، فإلى جانب التمويل قد شارك في إخراجه كل من مروان عمارة وجوهانا دوميك، أما في تظاهرة ”نظرة أخري“ فيُعرض الفيلم الوثائقي "أمل" للمخرج محمد صيام، وهو الفيلم الذي عرض في مهرجان "إدفا" العام الماضي وحقق صدى جيدا لمخرجه، ويقتصر تنافس الفيلم هنا- بالمهرجان التشكيلي- على مسابقة الجمهور، أما المشاركة الثالثة فتتمثل في محمد صيام نفسه فهو أحد أعضاء لجنة تحكيم مسابقة الفيلم الوثائقي، والذي سبق له منذ عامين المشاركة بعرض فيلمه الأول بنفس مهرجان كارلسباد.

دريم أواي

كانت مشاهدة فيلم "احلم بعيدا" محبطة لي، لضعف مستواه الفكري والفني، رغم الإنتاج والإخراج المشترك. الفيلم يمزج بين الروائي والوثائقي، وإن كانت مشاهده أغلبها روائي، لكنها تعتمد على قصص شخصيات حقيقية. البعض من النقاد آخذ يلوم إدارة المهرجان أو القسم الخاص بالبرمجة لأنهم وضعوه بين الوثائقيات.

في رأيي أن المشكلة ليست في تصنيفه كوثائقي أو روائي، لأن هناك أفلامًا عديدة عربية ودولية مزجت بين الاثنين -الروائي والوثائقي- بشكل مدهش على المستويين البصري والسمعي، الفكري والفني، لدرجة كان يصعب معها وضع خط فاصل بين المشاهد الروائية وتلك الوثائقية بدرجة مربكة، وفي مثل تلك الحالة لم نكن نتوقف طويلاً أمام التصنيف، لأنه حتي الأفلام التي تبدو أنها وثائقية تماماً ليست في الحقيقة وثائقية خالصة، لأن هناك تحيزات المخرج في اختيار زاوية المعالجة، والضيوف، ووضعية الكاميرا، واختيار معلومات بعينها لغرسها في المضمون، وإخفاء أو استبعاد معلومات آخري، فكل ما سبق يأخذ من وصف الوثائقي ويجعله يقترب أكثر من الروائي، أو علي الأقل يبتعد عن الوثائقي وإن كان بدرجات متفاوتة.

أبطال الفيلم في "احلم بعيدا" - أو "دريم أواي" فقد رفض صناعه منحه عنواناً باللغة العربية - ثلاث شابات، وأربعة شباب، إضافة إلي شخص آخر يدعي أنه القرد يركب سيارة ربع نقل تجوب مدينة شرم الشيخ الخاوية علي عروشها، ويقود شخصياته إلي الاعتراف، ليصل إلي نتيجة واحدة أنهم كذابون، وأنهم يعيشون تناقضات فجة، وأنهم في النهاية "قرود".
تحيزي ضد الفيلم ليس بسبب إدانته لهؤلاء الشباب الذين ظلمهم عندما لم يتحدث عن السبب الجوهري الذي قادهم لهذا التناقض، وليس فقط بسبب نظرته غير المتعاطفة معهم، فهي نظرة فيها حكم بالإدانة. لكن أساساً بسبب ضعف مستواه الفني والفكري، وبسبب التورية الفجة الموظفة بالفيلم والتي تتمثل في "التون" الذي قام فيه بغناء كلماته أو ندائه "أنا القرد…" وكأنها سخرية متوارية تتم على إيقاع أغنية "أنا المصري كريم العنصرين، بنيت المجد بين الأهراميين" التي كتب كلماتها بيرم التونسي، ولحنها وغناها سيد درويش، وتعتبر إحدى أهم أغنيات القرن العشرين.

طوال مدة الفيلم البالغة ٨٦ دقيقة - شهد العرض العالمي الأول بـ"كارلوفي فاري" - والذي تم تصويره في المدينة المصرية شرم الشيخ لا نري أحداً من نزلاء الفندق، فقط الشخصيات السبع، وهم العاملون والعاملات بالمكان، والذين يتحدثون عن حياتهم وأحلامهم، ولماذا جاءوا إلي شرم، وحقيقة عملهم، ولماذا يُخفونه عن أسرهم، وتأثر مرتباتهم بالظروف التي تمر بها مصر في أعقاب الثورة وعدم وجود سياح. واستسلامهم لضعف المرتبات.

انشغال صناع الفيلم بفكرة التناقض عند الأبطال جعلهم يخسرون أهم نقطة كان يمكن لها أن تكون جاذبة ومؤثرة، أغفلوا أو تجاهلوا - ليس فقط - الظروف التي قادت مثل هؤلاء الشباب لفعل ذلك وممارسة الكذب والخداع أيضاً سواء بالارتباط بأكثر من فتاة، أو ممارسة أشياء آخري تحت مسمي المساج، ولكنهم أيضاً - والأهم - أغفلوا الصعوبات الحقيقية التي واجهها هؤلاء الشباب ومئات غيرهم من العاملين هناك، حيث أُغلقت أبواب رزقهم، وإلي أي حد وصلت بهم المعاناة، والمحاولات التي بذلوها ليحتفظوا بأماكن عملهم، فمثلاً من الواقع - وبعيدا عن الفيلم - هناك حكايات عن البازارات (المحلات) التي تم إغلاقها، وكيف أصرت الفنادق علي أن يدفع مستأجروها مبالغ معينة للاحتفاظ بها - رغم أنها مغلقة بالفعل - إذا عادت السياحة ونالت قبلة الحياة، هناك حكايات عن البضائع بتلك البازارات التي أصابها الكساد بعد أن دفع فيها أصحابها ملايين الجنيهات والمستوردة من الخارج، هناك شباب خسر الجلد والسقط كما يقول المثل المصري، وهناك آخرون تركوا البلد.

بالفيلم حاول صناعه التنقل بين مشاهد الاعتراف وبين المشاهد الروائية للحياة اليومية لهؤلاء الشباب، وينتهي إلى نتيجة مفادها أن هؤلاء الشباب ليسوا فقط كذابين، ولكنهم أيضاً يجرون وراء سراب، ويتركون أنفسهم لقرد يقودهم وكأنهم يعتقدون أنه المخلص.

أمل الممنوع من العرض

بعد جرعة الإحباط التي أصابني بها فيلم "احلم بعيدًا"، ورغم أنني انتشيت بمشاهدة عدد من الأفلام الأخرى من جنسيات متعددة فالمهرجان يضم في برمجته نحو ٢٠٠ فيلم بأقسامه المختلفة، لكني كنت أنتظر اليوم المخصص لعرض الشريط الوثائقي "أمل -الممنوع من العرض في مصر- والذي يُمثل المشاركة المصرية الثانية ولكن داخل قسم "نظرة أخرى" بمهرجان "كارلوفي فاري" في نسخته الثالثة والخمسين، والذي عُرض بحضور مخرجه، محمد صيام، شاب بسيط، واضح، تبدو بصمته السينمائية مميزة، وتوظيفه للأغاني شديد الحساسية، فهي مؤثرة ومعبرة عن شخصية أمل بطلة الفيلم التي تتبعها محمد صيام علي مدار ست سنوات منذ انطلاق الثورة المصرية وحتي عام ٢٠١٧، ليرصد حياتها، وسلوكها، وتعبيرها عن الثورة المصرية، وخلافها مع والدتها في الأفكار السياسية. وذلك مع مشاهد توثيقية لها على مراحل مختلفة من عمرها صورها والدها بكاميرا الفيديو والممزوجة مع مشاهد توثيقية أخري لعدد من أهم أحداث الثورة على مدار سنواتها والتطورات المتلاحقة التي حدثت خلالها، والتي كانت وثيقة الصلة بشخصية أمل التي فقدت والدها قبل الثورة بثلاث سنوات، ثم فقدت حبيبها الأول في أحداث ستاد بورسعيد، فكيف يمكن أن ينتهي المطاف بتلك الفتاة المراهقة التي بلغت العشرين عاماً الان؟!
في تقديري تكمن أهمية الفيلم في أن شخصية البطلة تعد نموذجاً يُمثل التطورات والتغيرات التي حدثت لكثير من المصريين والمصريات خلال تلك السنوات القليلة، وكيف انتهي بهم الحال، لذلك لم يكن غريبا بالنسبة لي عندما سمعت المخرج يختتم نقاشه - مع الجمهور التشيكي الذي حضر الفيلم فملأ القاعة عن آخرها وصفقوا له بحرارة - قائلا: ستكون أمل موضوع فيلم آخر جديد لي، سوف أتتبع فيه تطورات حياتها علي مدار ست أو سبع سنوات لنري كيف ستكون.

والفيلم رغم بعض المشاهد التي قد تبدو طويلة بدرجة ما، لكنه في تقديري أحد أهم فيلمين وثائقيين تم إنتاجهما عن الثورة المصرية -رغم كثرة ما أنتج عنها- هو وفيلم "أبدا لم نكن أطفالاً" للمخرج محمود سليمان، والمؤسف، والمثير للحزن أن الفيلمين الذي احتفي بهما مهرجانات مهمة في العالم منعتهما الرقابة المصرية من العرض في البلدين اللتين جاءا منها، ويدوران عنها، بل المثير للدهشة أننا لم نسمع عن أن لجنة السينما تعلن عن تقديم استقالتها بسبب منع عرضهما كما فعلت مع فيلم خالد يوسف "كارما"؟!

إعلان