إعلان

إصدارات الأقصر للسينما الأفريقية والعدالة الثقافية المزعومة وأشياء أخرى

إصدارات الأقصر للسينما الأفريقية والعدالة الثقافية المزعومة وأشياء أخرى

د. أمل الجمل
09:01 م السبت 28 يوليه 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

عندما كنت أكتب دراستي عن الإنتاج المشترك في السينما المصرية كان طموحي - في بداية البحث - أن يمتد التناول للإنتاج السينمائي المشترك في الوطن العربي والقارة الأفريقية.

نجحت في العثور على مراجع في السينما العربية - وإن بمشقة - لأنه لم يكن هناك دراسة واحدة حول هذه القضية، فقط مقالات أغلبها غير موضوعي وتكيل الاتهامات لتلك الأفلام وتتهمها بالعمالة وأشياء أخرى.

لكن على الأقل كان هناك دراسات وكتب عديدة حول السينما العربية، أما السينما الأفريقية فأذكر أنني لم أجد سوي فصل واحد مكون من خمسين صفحة فقط من إجمالي الكتاب البالغ نحو ٤٥٠ صفحة وهو "السينما العربية والأفريقية" لكل من ليزبيث مالكموس، وروي آرمز، والذي ترجمته عام ٢٠٠٣ الدكتورة سهام عبد السلام، وراجعه المخرج الكبير هاشم النحاس، ثم بعد أن انتهيت من الدراسة صدر عن مهرجان القاهرة السينمائي في عام ٢٠٠٨ كتاب مهم - كان مفاجأة عظيمة لي - من تأليف الدكتور أحمد شوقي عبدالفتاح بعنوان "سينما اللؤلؤة السوداء"، كتاب شيق في قراءته، حاول أن يرسم صورة شاملة للسينما في تلك القارة في خمسة فصول بدءاً من بدايتين؛ الأولى علي يد المستعمر الأبيض بكل ملابساته وصوره النمطية التي خلقها، ثم تطرق للميلاد الثاني للسينما هناك على أيدي أبناء تلك القارة، بعدها تناول عبدالفتاح في دراسته المهمة ستة رواد في السينما الأفريقية، فخصص لكل واحد منهم فصلاً كاملاً ومنهم عثمان سمبين، سليمان سيسيه، مد هوندو، جبريل مامبتي، هايلي جريما، صافي فاي وهى أول مخرجة إفريقية جنوب الصحراء. ثم تطرق المؤلف في فصوله اللاحقة لتناول السرد السينمائي والشفاهية الإفريقية، في علاقتها بالتاريخ، مروراً بعدد من رموز الموجة الثانية للسينما الأفريقية، مختتماً الكتاب بنماذج لتجارب سينمائية كما في النيجر، وجنوب أفريقيا.

المهرجانات والأثر الحقيقي

وأعتقد أن ذلك الكتاب السابق كان مفيدًا لشخص مثقف، وقارئ نهم، ومطلع على أغلب الإصدارات السينمائية والمسرحية - بحكم مهنته وعشقه الأول - وأقصد هنا السيناريست والمخرج المسرحي سيد فؤاد صاحب فكرة مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية والذي يُنظمه مع شريكته الفنانة عزة الحسيني الدؤوبة، المقاتلة من أجل استمرار المهرجان، وتطويره.

فالاثنان منذ الدورات الأولى للمهرجان وحتى بلوغه الدورة السابعة تمكنا من تحقيق نجاح لافت، بل تمكنا من جمع كثير من الفنانين والفنانات المصريات حول المهرجان بشكل لم تنجح فيه محافظة الأقصر عندما تُوجت الأقصر عاصمة للثقافة العربية.

بمهرجان الأقصر للسينما الأفريقية أُقيمت ورش لتدريب الشباب والشابات الراغبين في صناعة الأفلام علي أيدي كبار المخرجين مثل هايلي جريما، وخيري بشارة، وآخرين، مثلما أقيمت ورش فنية أخري لأبناء الأقصر من الأطفال الصغار أذكر منها الورشة التي تقدمها فنانة وأستاذة الرسوم المتحركة شويكار خليفة، تلك السيدة المفعمة بالحيوية وحماس الأطفال التي حكت لي عن القري والنجوع التي تذهب إليها لتقدم هذه الورش، وكيف يقبل عليها الأطفال، وكيف أن أحدهم لم يهتم بارتداء زيٍ للخروج وجاءها بجلباب البيت متلهفا على مواصلة سماع دروسها وتعليمها، وقتها تذكرت نفسي عندما كنت صبية تسمع عن مكتبة الأسرة المتنقلة - في سيارة - التي تجوب المحافظات وقري ونجوع مصر، في تلك السنوات لم أكف عن الحلم، يوما، بتلك اللحظة التي ستهبط فيها تلك السيارة - المكتبة المتنقلة - في قريتنا لأقرأ وأنال حظي، لكن الحلم لم يتحقق أبداً. أتذكر كيف وإلى أي حد يتعلق الطفل المعدم بالقرية بمثل تلك الأوهام، ذلك الطفل المجرد من أي وسائل ترفيه ثقافي والمتشبث بأمل أو بحلم، خصوصا لو كان لديه الطموح بأن يخطو علي طريق العلم والفن، لذلك من وحي تجربتي وشعوري والافتقاد الذي عانيته في قريتي أعرف جيداً ماذا تُمثل هذه الورش لأطفال وأبناء الأقصر، ربما لن نري نتيجتها الآن، ولكن في المستقبل، فسنوات الطفولة هى التي تصنعنا وتشكل سلوك حياتنا، وتحكم اختيارات في الحياة إلي حد كبير.

منظمو المهرجان أيضاً واظبوا على شيء ثقافي مهم وهو إصدار الكتب السينمائية سواء المؤلفة خصيصاً، أو كتب الحوارات، أو الكتب المترجمة. صحيح أن بعض هذه الكتب التكريمية كان ضعيفاً في المستوي، ولا يليق بالشخصية المكرمة كما حدث مع كتاب خالد صالح الذي استخف صاحبه بمثل هذا التكريم فاكتفي بجمع المقالات التي كتبها عن الأفلام التي شارك بها خالد صالح، حتي أن بعض هذه المقالات يكتفى بالإشارة لاسم خالد صالح في سطر ونصف السطر فقط، وهناك مقالات لم تذكر في متنها اسم خالد صالح من الأساس، والمثير للدهشة أن صاحب الكتاب نفسه لم يكلف نفسه بإعادة قراءة مقالاته ليُضيف شيئا عن خالد، أو حتي يُعيد مشاهدة تلك الأفلام ليكتب عن ذلك الممثل برؤية جديدة، والحقيقة أن الجزء المهم الوحيد بالكتاب هو نصفه الثاني الذي جمع فيه مقالات الآخرين في وداع الراحل خالد صالح. والحقيقة أيضاً أن مثل هذه النوعية من الكتب لا تسيء فقط لأصحابها، ولكنها تُسيء لمؤلفي الكتب السينمائية الذين يبذلون جهداً حقيقياً، وبسببها صارت هناك سمعة بين الكثير من العرب والأفارقة والأجانب -عاصرتها بنفسي خلال مهرجان كان السينمائي - أن كل الصحفيين والنقاد في مصر يؤلفون كتباً، وهي كتب بلا قيمة وغير موثوق فيها.

رغم ما سبق، أعتقد أن الإصدارات الأخرى لمهرجان الأقصر للسينما الأفريقية جاءت مختلفة، وعدد كبير منها علي أهمية بالغة - خصوصا ما حصلت عليه وطالعته منها - ويُعتبر إضافة حقيقية للمكتبة السينمائية العربية وأخص بالذكر منها ما يتعلق بترجمة عدد من أهم المؤلفات عن سينما تلك اللؤلؤة السوداء ومنها مثلاً؛ "السينما في جنوب أفريقيا" لمارتن بوثا، ترجمة محمود علي والذي يتناول بدايات السينما في جنوب أفريقيا، والأصوات الحرة بها، ونماذج من الخمسينيات والستينيات، ثم سينما الثمانينيات والأصوات المعارضة بها، ومحاولات إيجاد لجنة قومية للسينما، وتيمة أخرى شديدة الأهمية وهى سينما ما بعد "الأبراثيد". كذلك إصدار "السينما الأفريقية في الألفية الثالثة" تأليف أوليفيه بارليه، ترجمة فرح سوميس، وحورية بو يحي. إلى جانب "الفيسباكو حالة إفريقية" عن المهرجان البانافريقي للسينما والتليفزيون واجادوجو ١٩٦٩ - ٢٠٠٩. هذا إضافة إلي كتاب له أهمية كبيرة لكل المهتمين بالسينما الوثائقية بعنوان "التنوع الإبداعي في السينما التسجيلية الإفريقية" والذي يستحق مقالاً مفصلا لطرح أفكاره الثرية والعميقة.

أستعيد هنا الحديث عن مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية بسبب أمرين قرأتهما في جريدة القاهرة؛ الأول بالعدد ٩٤٠، بتاريخ ٢٤ يوليو ٢٠١٨، ويتعلق بتأثير القوة الناعمة ودورها في تحقيق النفوذ المصري في القارة السمراء، وهو مقال للكاتب سمير أمير يستعرض فيه أهم الأفكار بكتاب "الاستفراق.. دعوة إلى التأسيس" لمؤلفه محمد ناجي المنشاوي، والصادر عن مؤسسة المعبر الثقافي ٢٠١٨، كمحاولة للفت انتباه صانع القرار المصري لأهمية استعادة الدور المصري في أفريقيا، إذ لم تكن السياسة المصرية في الخمسينيات والستينيات غافلة عن مدى فاعلية وتأثير القوة الناعمة في دعم العلاقات مع دول القارة، وقد جنت مصر نتيجة هذا الدور دعماً أفريقيا في معاركها. ويختتم المنشاوي دراسته بفصل عن "توظيف القوى الناعمة المصرية." ويقترح أطرًا للتفاعل الثقافي مع القارة. وهنا تذكرت مهرجان الأقصر للسينما لأفريقية والدور الذي يقدمه في هذا المجال.
الأمر الثاني ما قرأته في العدد ٩٣٩ بتاريخ ١٧ يوليو ٢٠١٨؛ من جريدة القاهرة - أيضاً - عن قرار رئيس الوزراء بتنظيم الاحتفاليات والمهرجانات - الذي نشرته القاهرة في صدر صفحتها الأولي ويتحدث عن أن "وزارة الثقافة ستتولى وضع أجندة رسمية للتنسيق بين الجهات المختلفة لتحقيق العدالة الثقافية في جميع محافظات مصر.".. هل التصريح حقيقي؟! يعني وزارة الثقافة هتقدر تحقق العدالة الثقافية بين جميع محافظات مصر؟! طيب شيء عظيم. يعني محافظة بورسعيد مثلاً، أو دمياط، أو الشرقية، أو المنوفية، أو مطروح هيُقام فيها مهرجان للسينما بنفس ميزانية مهرجان القاهرة؟! يعني مثلاً مهرجان سينما المرأة في أسوان هينال نفس حصة مهرجان القاهرة السينمائي؟! طيب محافظة القاهرة الكبرى يُقام فيها العديد من المهرجانات والتظاهرات الفنية، وعدد مش قليل منها بيحصل على دعم من جهات مختلفة من بينها الوزارة، فهل هيتم نقل بعض هذه التظاهرات إلى المحافظات الأخرى لتحقيق العدالة الثقافية؟ وهل لو فيه مهرجان معين بيكتفي بعرض الأفلام سينال حصة معادلة لمهرجان يعرض الأفلام ومناقشتها وإصدار كتب سينمائية، وإقامة ورشات عمل تخدم أبناء المحافظة التي يُقام فيها؟!
الحقيقة تعبير "العدالة الثقافية" هذا تعبير مطاطي، مخادع، يُوحي لي شخصياً بأنه تعبير ترويجي أكثر منه تعبير يهدف إلي الخدمة الحقيقية أو التأثير الحقيقي في المجتمع المصري، فيا ريت رئيس الوزراء ووزيرة الثقافة الدكتورة إيناس عبدالدايم يشرحوا لنا يقصدوا إيه بالضبط من "العدالة الثقافية"؟!
الأمر الأخير؛ ما قرأته في نفس التقرير السابق عن تشكيل "اللجنة العليا الدائمة لتنظيم المهرجانات والفعاليات الثقافية" برئاسة وزير الثقافة، وعدد من الخبراء في المجالات الثقافية والفنية المختلفة، وسؤالي؛ هل اللجنة دي بأجور برضه؟ ولا العمل تطوعي؟! يعني لو العمل بأجور ومكافآت فمعني هذا أن جزءًا آخر من ميزانية الوزارة - واللي المفروض يروح لخدمة ودعم الأنشطة والمهرجانات - هيروح لأفراد هذه اللجنة الجديدة. بصراحة ومن الآخر، اللي عاوز يخدم الثقافة يخدم من غير فلوس، أقصد إنها تبقي لجان تطوعية، وبعدين مش كفاية لجان؟! تعبنا من كتر اللجان في بلدنا. لو فعلا عاوزين خدمة المواطن المصري اصرفوا فلوس اللجان على الثقافة نفسها.

إعلان