إعلان

ثقافة إدارة الشارع المصري

ثقافة إدارة الشارع المصري

د. غادة موسى

أستاذ مساعد - كلية الاقتصاد والعلوم السياسية - جامعة القاهرة 

09:00 م السبت 21 يوليو 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

عادة ما ننظر للشارع بشكل عام على أنه فضاء نستخدمه لتحقيق أهدافنا والوصول لغاياتنا، ثم نبرحه عند العودة للمنزل. وأحيانا نعتبره جزءا من البنية التحتية كمواسير المياه والصرف الصحي وكابلات الكهرباء. والحقيقة أن الشارع هو أحد أهم الأصول التي نمتلكها جميعًا. وبالتالي هو نفع عام.

فماذا حدث للنفع العام على مدى خمسين عامًا؟
نلاحظ فكرة أن الشارع هو أصل ونفع عام لم تعد موجودة، بل أصبح الشارع جزءا من المنفعة الخاصة. فالشارع يدار لتحقيق منافع خاصة، أي أن فلسفة النفع العام والشارع كملكية عامة شبه منعدمة.
...
فعلى سبيل المثال نجد كل مبنى سكني أو تجاري قد خصص مساحة للشارع لمنفعته الخاصة. وتتباين تلك المساحة، وفقا لنفوذ صاحب المبنى وقدرته على اللحاق بفرصة وضع يده على مساحة من الشارع. ولم يقتصر الأمر على المالك أو المدير، بل إن حارس المبنى- وبصفة خاصة حراس المباني السكنية- منحوا أنفسهم سلطات اقتطاع أجزاء من الشارع لصالحهم الشخصية، وكوسيلة لزيادة مواردهم المالية. فمن منا لا يضطر لاستئذان حارس عقار من أجل إيقاف سيارته؟ وقد يُسمح أو لا يُسمح لك.

والمثال الثاني يتمثل في الحواجز الخرسانية التي تحيط بالعديد من المباني كالسفارات والوزارات. وتقتطع أيضا مساحات معقولة من الشارع المخصص للجميع. وجميعنا زار العديد من دول العالم، وسار في شوارعها، ولا أتذكر أنني رأيت حواجز خرسانية تحيط بالمباني والمنشآت الرسمية. وكثيراً أتساءل حول فائدة تلك الحواجز في تأمين المنشآت؟ وهل تمثل قيمة مضافة في عملية تأمينها؟ الإجابة تحتاج متخصصين في منظومات التأمين، خاصة أنه مع التطور التكنولوجي الهائل والسريع أصبحت هناك بدائل أكثر كفاءة وأقل تكلفة وأكثر جمالا، لأننا لا يجب أن ننكر أن هذه الكتل الخرسانية تشوه منظر الشارع المصري.

المثال الثالث هو غلق شوارع ومحيط تلك الشوارع. فلا يلبث المشاة أن يتعثروا في المزيد من الكتل الخرسانية والحواجز، بل توجد شوارع في بلدنا لا بد من إبراز تحقيق الشخصية لدخولها، رغم أنها نفع عام وأصل مملوك للدولة بمن عليها من مواطنين.
المثال الرابع يتمثل في إلقاء المخلفات والقمامة على الأرصفة أمام المنشآت والمحال التجارية أو على الأرصفة التي تتوسط الشارع، بما لا يترك مجالا ولا مساحة للمشاة. وهو وإن كان بالأساس سلوكا غير حضاري، فهو يشوه الشارع ويعرض المشاة للخطر؛ إذ يضطرون للسير في نهر الطريق جنبا إلى جنب مع السيارات.
المثال الخامس هو الرصيف. أينما تَسِر في شوارع مصر تجد أشكالا متباينة من الأرصفة وارتفاعات متباينة.. معظمها شاهق، وتتطلب لياقة جسمانية من نوع خاص للقفز إليها ومنها.. رغم أن لدينا مواصفات قياسية لشكل وارتفاع الأرصفة. ولكن تترك الأمور لاجتهادات الأحياء والمدن.
...
إن إدارة الشارع المصري القائمة على ثقافة وضع الحواجز وإلقاء المخلفات، غالبا ما ترسل رسالة للداخل قبل الخارج بأن أوضاعنا ليست على ما يرام، وأننا نواجه مشكلات بيئية وسلوكية وأمنية، كما أنها تخيف المارة من دخول تلك الشوارع أو محيطها. ولي أن أتساءل عن وجود بدائل أخرى يمكن أو تحل محل الحواجز الخرسانية وتلك السلوكيات وغيرها من أدوات تحويل الشارع المصري من نفع عام لنفع خاص.
مما لا شك فيه أن الحواجز الخرسانية مكلفة كمادة وكنقل. وألف باء الإدارة هي إدارة الأصول التي تمتلكها بدون إضافة تكاليف لإدارتها. وإدارة الشارع المصري أمنيا واقتصاديا من الأهمية بمكان أن تكون إدارة رشيدة، لا تكلفنا مالا ولا وقتا ولا ضياع فرص استثمارية. فلنتخيل على سبيل المثال فداحة الخسارة التي تقع على أصحاب المحال والمتاجر بسبب غلق الشوارع وإقامة حواجز خرسانية حولها.

هناك.. لا يغلقون الشوارع بالحواجز الخرسانية والمتاريس من أجلنا ومن أجل حماية منشآتنا، سواء كانت سفارات أو شركات. وأتذكر أنه عندما تعرضت السفارة المصرية في بيروت للرشق بالحجارة في ٢٠٠٦ تم وضع بعض الحواجز والحراسات بشكل مؤقت.
ومن الأهمية بمكان البحث عن حلول أخرى أكثر كفاءة كشبكات مراقبة إلكترونية داخلية وخارجية للمنشأة سواء كانت حكومية أو أجنبية أو سكنية. كما يجب الاهتمام بالقضاء على تشوهات الشارع المصري التي تسببت فيها تلك الكتل الخرسانية، فضلا عن حرمان المشاة من مساحات طبيعية للمشي.
...
الشارع منفعة عامة وملكية عامة للشعب. وأي خطوات لإغلاق شوارع أو أحياء أو اقتطاع مساحات من الشارع لصالح منشآت عامة أو خاصة لابد أن تتم بتصريح وبمقابل مادي مسجل ولفترة زمنية محددة. كما لابد من توقيع غرامات فورية ومعلومة للجميع على إلقاء القمامة أمام المحال وعلى الأرصفة التي تتوسط نهر الطريق. وإن لم يستدل على فاعلها تطال الغرامات كافة المحال في الشارع، على أن تستخدم محصلة الغرامات والرسوم لتطوير وتجميل الشارع المصري.
وقد تكون المحليات والمجالس الشعبية المحلية أحد هذه الحلول، ولكن ليست كلها.
نحن في انتظار قرارات صارمة في هذا الشأن تعيد للشارع المصري هيبته ورونقه وحضارته من جهة، وتؤمن المشاة وكل مستخدمي الشارع على أرواحهم وصحتهم.

إعلان