إعلان

المونديال.. وأبطال العرض!

المونديال.. وأبطال العرض!

د. ياسر ثابت
09:00 م الأربعاء 06 يونيو 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

أيام، وينطلق مونديال روسيا 2018، الذي يتنافس فيه 32 منتخبًا على الكأس، وسط وعود بالإثارة ومتعة الفرجة على أداء كروي لافت.
وعلى العشب الأخضر، تنمو حكايات الدهشة عن الأداء، وتلك العلاقة الخفية بين اللعبة والدراما التمثيلية.

يكون كل شيء مُعَدًا. المدرجات المنحدرة إلى الخضرة كمسرحٍ روماني. الأضواء التي تسطع تدريجيًا فتخاصم المزيد من العيون. الأشخاص الذين يرابطون خلف الكاميرات متماهين مع عدساتها. كتل البشر الملونة، الكائن البشري الواحد الخرافي الأسطوري، ملوحًا بآلاف الأذرع، هادرًا بصوتٍ واحد.

يكون كل شيء جاهزًا، فيما تتسلل عدسات الكاميرا إلى مسارات تحرك اللاعبين من غرف الملابس المغلقة إلى الملعب المفتوح، حيث الجمهور والإضاءة الموزعة بعناية تتناسب مع تجهيزات التصوير.

يدخل أبطال العرض وقد رسم كلٌ منهم تعبيرًا مختلفـًا على وجهه، من الجدية إلى المرح، ومن التفاؤل إلى الرهبة. بدخول اللاعبين تكتمل عناصر العرض الكروي. تتعلق العيون بما يجري على "المسرح الأخضر"، بما يكشفه الضوء وتشي به الحركات المجنونة، غير المتوقعة، للكرة المطاطية البيضاء.
على المستطيل الأخضر، ليس هناك نصٌ مكتوب، فالارتجال والأداء الفطري يفتحان المجال أمام الخيال ويحرران "الأبطال" من القيود، اللهم تعليمات المدربين وتوجيهاتهم قبل المباراة وخلالها.

هؤلاء اللاعبون يقدمون "عرضًا" لم يدربهم على أدائه المخرج الروسي قسطنطين ستانيسلافسكي، لكنهم يتحولون بشكل أو بآخر- إلى ممثلين، يعرفون نظرياته حول أهمية "الأداء الصادق بفضل دراسة الممثلين الحياة الداخلية للشخوص، كما لو كانوا أناسـًا حقيقيين".

ونظرًا لأن مباريات كرة القدم مشاهد يتم تصويرها مرة واحدة بدون إعادات، فسنجد أن أبطال المباراة من اللاعبين والنجوم تُخصصُ لهم أكثر من كاميرا لرصد انفعالاتهم وتعبيرات وجوههم من مختلف الزوايا وبكل الأحجام. لغة الجسد هنا نصٌ مفتوحٌ قابلٌ للقراءة والتأويل.

للجمهور تأثيرٌ كبير على حرارة الأداء ومصداقيته، ليس فقط بالتشجيع، ولكن أيضـًا بالاقتراب والتحديق، أو إنابة الكاميرات لتسليط النظر، ليشعر اللاعبون بأهمية العرض والأداء- ليس فقط بالكرة بل بدونها أيضًا- ودلالة الانفعال، والأداء الاستعراضي، والحركات البهلوانية، والاحتفال بتسجيل الأهداف، أو الحسرة على هدفٍ ضائع.

رقصات الاحتفال بإحراز هدف لها أشكالها المختلفة، لكن الذاكرة تحفظ رقصة بيبيتو "الاحتفال بالمولود الجديد" عقب إحرازه هدفًا أمام منتخب هولندا في مونديال 1994، وقفزة بيليه الشهيرة رافعًا يده اليمنى لأعلى ضاربًا الهواء بلكمة قوية، ورقصة الكاميروني روجيه ميلا مع الراية الركنية وهو يضع يده اليسرى على خصره ويرفع يده اليمنى، وحركة النيجيري رشيدي يكيني الذي كان يدخل شباك الفريق المناسب ويمسك بالشباك بقوة ويضعها بين أسنانه كما لو أنه يمزقها.

هناك أيضـًا حركة المصري محمد زيدان في كأس الأمم الإفريقية 2008 في أنجولا، حين خلع حذاءه وبدأ يدفعه في الهواء لأعلى ويلتقطه مرة أخرى. أما حارس المرمى المصري عصام الحضري، فقد برزت رقصته عقب الفوز في المباريات المهمة، حيث يتسلق العارضة ويجلس فوقها، وقد يمسك بعلم مصر للاحتفال مع الجماهير.

ورغم أن الجمهور قد يعشق اللاعب المنضبط مثل بيليه وكاكا ومحمود الخطيب ومحمد أبوتريكة ومحمد صلاح، فإنه قد يقع أيضًا في غرام اللاعب المنفلت، مثل دييجو مارادونا وبول جاسكوين وإيريك كانتونا وباولو روسي. المعيار الوحيد هنا هو الموهبة في صورتها الأولية؛ إذ تسحر القلوب وتخطف الأبصار.
نحن في انتظار وليمة المتعة الكروية، ونأمل أن يكون لمنتخبنا فيها نصيب.

إعلان