إعلان

تحولات خيارات ومصير طايع

تحولات خيارات ومصير طايع

د. أحمد عبدالعال عمر
09:00 م الثلاثاء 05 يونيو 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

أخطأت الدراما الرمضانية، هذا العام، خطأ كبيراً في قراءة واقع الصعيد ومتغيرات الحياة فيه، وخصوصية ثقافته وقِيمه وعلاقاته، وخصوصاً "مسلسل طايع" الذي تكلم عن صعيد لا مكان له إلا في خيال "الإخوة دياب" مؤلفي المسلسل، الذين جسدوا قمة النظرة (الاستشراقية والإجرامية للصعيد)، وهي تلك النظرة الفوقية التي تجعل صاحبها عندما يكتب دراما تليفزيونية أو أدبًا روائيًا أو قصصيًا، يتكلم عن صعيد مُتخيل، أبطاله نماذج بشرية صعيدية غير واقعية، وتنتشر فيه جرائم القتل والثأر، وتجارة السلاح والآثار، وسيطرة أصحاب الثروة والنفوذ والقوة، في غياب تام لسلطة الدولة.

ولكن رغم جوانب القصور التي يراها بوضوح أبناء الصعيد في هذا المسلسل، فلم يمنع أغلبهم من استكمال مشاهدته ومتابعة تطور أحداثه، ورصد تحولات ومصائر أبطاله، وبخاصة بطله الطبيب المثقف "طايع"؛ لأنه ظهر منذ بداية المسلسل كطاقة محبة وعقلانية منفردة في سياق من الكراهية والجهل وتجارة الآثار، والثأر والعداء المتبادل؛ ولهذا كان الأمل معقوداً عليه لخوض معركة تغيير المفاهيم والعادات والتقاليد، بما يُطور ويُحدث من وضعية تلك القرية الظالمة لنفسها وأهلها، ويغير وجه الحياة فيها للأفضل.

ولكن للأسف الشديد، هُزم طايع الطبيب المثقف في تلك المعركة، وبعد أن كان يرفض عمل أبيه دلّال الآثار، ويرفض أخذ ثأر أبيه بعد مقتله، لأن الدم مش هيجيب غير دم، ليتعرض لتوبيخ مستمر من أمه، نجده هو ذاته يعمل دلالاً عند "المعلم حربي"، لكي يحمي أخاه الصغير وأمه وأخته، ويترك مهنة الطب، ويغلق عيادته الخاصة رغم أن أهل قريته في أشد الحاجة لخدماته.

وتلك الخطوة، في ظني، كانت بداية التحول التراجيدي في شخصية وخيارات ومصير "طايع"؛ فالتنازل الأول لابد أن يعقبه تنازلات أخرى، حتى يغترب البطل عن ذاته وقيميه ومبادئه، ويصبح "بطلاً ضداً مهزوماً" وضحية لظروفه وسياقه الأسري والمجتمعي، ليقوم بعد ذلك بكل ما كان يرفض فعله.

ولهذا أجد أن مأساة طايع الحقيقية، لم تبدأ مع مقتل شقيقه فواز، ولا زوجته الحامل مهجة، ولا في اضطراره لقتل صابر، الذي كان يريد قتله ثأرا لأبيه، ولا في قتله لزوج شقيقته ضاحي بن حربي، الذي وشى به لصابر صاحب الثأر، وكان يريد منع شقيقته من الرحيل معه؛ مأساة "طايع" الحقيقية بدأت عندما خان مبادئه وقيمه وخياراته الإصلاحية في قريته، وعندما هزم من الداخل وشعر بالعجز عن المقاومة والتغيير، لينتهي به الحال في الحلقة التاسعة عشرة من المسلسل إلى أن يصبح هو ذاته قاتلاً، حتى لو كان قتلهم دفاعاً عن النفس.

وبالنسبة لي، فقد انتهت الدراما هنا، واتضحت "رسالتها الضمينية"؛ وهي هزيمة العقل أمام الجهل، والحب أمام الكراهية، وهزيمة ما ينبغي أن يكون أمام ما هو كائن وظالم وقبيح؛ وبالتالي لا يعنيني المتبقي من مصير وتحولات طايع وباقي سكان وشخصيات القرية في الحلقات القادمة، وأي نهاية سعيدة للمصائر سوف تكون مبتذلة وغير درامية بعد كل هذا الدم والموت، وبعد أن صار "طايع" قاتلاً.

وأظن أن طوفان الخراب الذي يجتاح ميراث الماضي وهزائم طايع وانتصارات المعلم حربي، ويعطي الفرصة لأهل القرية للبدء من جديد بعد استيعاب درس الماضي ومآسيه هو الخيار الأمثل لمصير تلك القرية الظالمة لنفسها وأهلها، بعد هزيمة الأحلام والقيم الإنسانية والعقلانية، وسيطرة الجهل وشريعة الغاب والدم.

إعلان