إعلان

شعب –لا مؤاخذة-  مش نضيف

شعب –لا مؤاخذة- مش نضيف

د. جمال عبد الجواد
09:00 م الجمعة 04 مايو 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

هذه هى العبارة التي تقفز إلى ذهني كلما رأيت أكواما من القمامة بجانب سور المدرسة، وكلما رأيت الورق وأكياس البلاستيك محمولة على جناح الريح النشطة هذه الأيام، وكلما رأيت التراب المتراكم بجانب وبطول الأرصفة في كل شوارعنا، باستثناء شوارع المناطق القليلة المحظوظة التي يعتبرونها، واجهة مصر.

أسمعك تعترض قائلا بأن المشكلة في الحكومة والإدارات المحلية الفاسدة محدودة الكفاءة، التي فشلت في تنظيف شوارعنا.

أوافق تماما، لكنني أرفض الوقوف عند هذا الحد، والاكتفاء برفع أصبع الاتهام في وجه الحكومة والإدارة.

ما هى علاقة الحكومة ببقايا الطعام والعلب الفارغة التي يتم إلقاؤها من شبابيك سيارات فارهة تنهب الشوارع والطرق؟ ما هى علاقة الحكومة بأكوام مخلفات البناء التي تلقيها على جوانب الطرق سيارات نقل لا يريد سائقوها تحمل مشقة القيادة كيلومترات إضافية ليصلوا إلى المقالب العمومية التي حددتها الحكومة؟

هل شاهدت هذا على الطريق الدائري وطرق الخدمات الموازية له؟ وهل شاهدته في مناطق جديدة في زهراء المعادي والشروق والعبور والتجمعات؟
تمهد الحكومة الطريق، لكن السائق إياه يرى الطريق أوسع مما ينبغي، فيقرر تضييقه علينا، بكل ما في هذا من هدر، ومن قذارة أيضا.

لماذا نعتقد أن أشهى الأطعمة يتم تقديمها على الرصيف في أماكن لا يمكن اعتبارها نظيفة، وعلى موائد تشربت الزيوت، وتجمع في أركانها مزيج الشحوم والتراب؟
تعطل الإحساس بالنظافة لدينا إلى الحد الذي يسمح لنا بالاستمتاع حتى الثمالة بأطعمة يتم تقديمها في ظروف غاية في انعدام النظافة.

هل لفت نظرك المطاعم التي تطلق على نفسها أسماء شاذة، مثل "نتانة" و"وساخة"، و"تلوث"؟

إنها حيلة دعائية لمطاعم تريد التأكيد على جودة الطعام الذي تقدمه، فيما تستدعي الفولكلور الشعبي الذي يربط بين القذارة والطعام الشهي، وتبرهن على أصالتها، وتمسكها بتقاليد عدم النظافة المميزة للمطعم الشعبي.

لاحظ الأرصفة، وخاصة الجزيرة الوسطى، في شوارع تجارية كبرى في أحياء الطبقة الوسطى المزدهرة في مدينة نصر والمعادي والمهندسين. لاحظ كمية المخلفات التي أخرجتها مطاعم الوجبات السريعة الشهيرة الموجودة في هذه الشوارع انتظارا للتخلص منها؛ ولاحظ البقايا التي يتم تركها على الرصيف بعد رفع أكياس المخلفات هائلة الحجم؛ ولاحظ الرصيف تحت هذه المخلفات وقد تلون بالسواد بسبب كميات الدهون والزيوت المتسربة من أكياس المهملات وبقايا الطعام؛ ولاحظ أعداد الذباب المتجمعة على هذا الوسخ خاصة في فصل الصيف.

لاحظ كل هذا، ولاحظ أيضا الزبائن وهم يدخلون للاستمتاع بالطعام دون أي شعور بالقرف.
لاحظ عامل النظافة وهو يجمع التراب المتراكم جانب الرصيف في أكوام، ثم يقوم ببعثرة ونشر هذا التراب فوق الرصيف مرة أخرى، وبهذا أصبح الشارع بالنسبة له نظيفا. عامل النظافة هذا هو واحد منا، والملاحظ الذي يراقبه هو أيضا واحد منا؛ وبالنسبة لكليهما فإن ما فعلاه هو تنظيف للشارع.
معايير النظافة المنخفضة عند هؤلاء هي انعكاس لمعايير النظافة المنخفضة في ثقافتنا، ولفشل الحكومة في ترسيخ معايير أرقى، وإقناعنا بضرورة الالتزام بها.
لا أعفى الحكومة من المسئولية عن قذارة المدن المصرية، بل أقول إن الحكومة فشلت عدة مرات: مرة في جمع القمامة وكنس الشوارع، ومرة في ترسيخ وفرض معايير مقبولة للنظافة العامة، ومرة ثالثة في إقناع الناس بالسلوك النظيف، أو إجبارهم عليه، بعد أن ثبت أن النظافة ليست من بين الشيم الوطنية الأصيلة التي نعتز بها.

إعلان

إعلان

إعلان