إعلان

إنقاذًا للوزير والنظام

إنقاذًا للوزير والنظام

خليل العوامي
09:00 م الإثنين 14 مايو 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

لا أخفي حماستي الزائدة لنظام التعليم الجديد الذي طرحه وزير التربية والتعليم الدكتور طارق شوقي، كما لا أخفي ثقتي بقدرات الوزير نفسه وإعجابي بإصراره على التحليق بعيدا في الفضاء.. الوثبات الكبرى تخلق الفارق، شريطة أن تكون محسوبة، فكل الإنجازات العظمى في تاريخ البشرية كانت في بدايتها مجرد فكرة حالمة.

ورغم تحذيري في هذه الزاوية، الأسبوع الماضي، من محاولات إجهاض النظام الجديد تحت ضغوط مراكز القوى، وأصحاب المصالح، والقوى المجتمعية المحافظة، إلا أن مجريات الأسبوع الأخير دفعتني لإعادة التفكير مرة أخرى، كما جاء تراجع وزير التعليم خطوة للوراء في مسألة تطبيق النظام على المدراس التجريبية، والصمت المطبق للدولة في مواجهة الانتقادات الموجهة له، محفزا لإعادة طرح عدة أسئلة مشروعة، من ناحية، والنظر إلى الأمور بصورة أشمل، لطرح اقتراح قد يكون قابلا للتنفيذ، من ناحية أخرى.

أما ما نعتبره أسئلة مشروعة، وهي للحقيقة كثيرة جدا، فتتعلق بمجلس الوزراء، ورئيس الجمهورية، ولجنة التعليم في البرلمان.

وفيما يتعلق بالحكومة فلا أعرف أين هي؟ ولماذا تترك الوزير يقترح ويناقش ويتلقى الضربات منفردا، وكأن المسألة برمتها أمر خاص به، أو أنه يعمل في جزيرة منفصلة عن جزر الحكومة؟ ألم يناقش مجلس الوزراء النظام التعليمي المقترح ويقره؟ إذا كان قد فعل، فلماذا لم يخرج بيانا واحدا مدافعا عنه؟ وإذا لم يكن قد ناقشه فهذه كارثة تقال فيها الحكومة.

أما فيما يتعلق برئيس الجمهورية فعلى مدار السنوات الأربع الماضية عقد الرئيس مئات الاجتماعات مع الوزراء، وناقش فيها التفاصيل الدقيقة حول كل ما تنفذه وزاراتهم من مشروعات أو برامج، للدرجة التي أشفقنا فيها عليه من قيامه بدور رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء معا، وفي كل المناسبات العلنية كان الرئيس يتحدث عن مشروعات الدولة بما يؤكد إلمامه بأدق التفاصيل، والحقيقة أن هذا أمر محير.. لماذا لم يتحدث الرئيس عن نظام التعليم الجديد؟ لماذا لم يعلن دعمه له؟ هل لم يدرسه بصورة كافية؟ هل ليس مقتنعا به كمشروع دولة؟

وأخيرا، ما تفعله لجنة التعليم في البرلمان، فمتى تتوقف اللجنة عن المراهقة النيابية؟ متى تنتهي الاجتماعات عديمة الجدوى التي يخرج بعدها الوزير ورئيس اللجنة بتصريحات متناقضة لا طائل منها غير مزيد من العبث والتشتيت؟ لماذا لا تطلب اللجنة من الوزير أن يذهب، ولا يعود إلا ببرنامج كامل من الألف إلى الياء، مصحوبا بخطة تنفيذية متكاملة، لتدرسه اللجنة منفردة، ثم تستدعي الوزير لمناقشته وإما أن تقر المشروع وتدعمه أو ترفضه معلنة أسباب الرفض؟

لا أعرف ماذا يجري على سبيل القطع، ولكن لديّ شعور كبير بأن الدولة كاملة تتعمد ترك وزير التعليم يغرد منفردا، فإن مر ونظامه فخير، وإن سقطا يتم التضحية به في أقرب منعطف.

المشروعات المرتبطة بمصائر الأمم، المتوقف عليها مستقبل أجيال، وآمال شعوب في التقدم، لا تترك لوزير منفردا مهما كانت كفاءته، ولا يجب أن تنفرد بها وزارة ولو عظمت قدراتها، لذا فقد يكون من المناسب طرح مقترح، يتضن مجموعة من الخطوات المتتالية، عله يساعد على الحل.

أولى هذه الخطوات أن يعلن رئيس الجمهورية تأجيل تنفيذ النظام التعليمي الجديد لمدة عام، أو عامين إذا تطلب الأمر، نظرا لضيق الوقت حيث لم يتبقَّ على بدء العام الدراسي سوى أربعة شهور، وهي فترة لا تكفي لاطمئنان الجميع لجدوى النظام الجديد.

الخطوة التالية أن يكلف الرئيس لجنة وطنية برئاسته، تضم متخصصين في كافة المناحي العلمية والتربوية، لدراسة النظام المقترح من الوزير دراسة علمية وافية، ثم اقراره إن كان يستحق، أو صرف النظر عنه تماما.

إن أقرت اللجنة الوطنية النظام، فتأتي الخطوة الثالثة بأن تعرضه الحكومة على البرلمان، وتدافع عنه اللجنة بكامل أعضائها ومعهم وزير التعليم في المناقشات حتى يحصل على الموافقة النيابية.

وفي النهاية تعقد اللجنة جلسات حوار مجتمعي حول إقناع المهتمين والمتخصصين بالنظام وجدواه، ليبدأ تطبيقه باعتباره مشروعا قوميا تلتف حوله كافة مؤسسات الدولة وتدعمه، وتسخر له كافة الإمكانيات التي تضمن نجاحه.

هذا هو الحل، من وجهة نظري، لإنقاذ وزير التعليم والنظام التعليمي الجديد، والأهم إنقاذ مستقبل هذا البلد الذي لم يعد يحتمل المقامرة.

إعلان