إعلان

الحب في زمن الهزيمة

الحب في زمن الهزيمة

د. أحمد عبدالعال عمر
09:00 م الأحد 08 أبريل 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

"عزيزي أحمد، اختزنت الحكاية لأرويها لك، ولكنك غافلتني ومت... ليلى"، تلك هي العتبة الثانية لدخولنا عالم رواية "أهداني حبًا" للأديبة والكاتبة الصحفية الأستاذة زينب عفيفي، بعد العتبة الأولى التي تمثلت في عنوان الرواية شديد التميز.

ويُجسد هذا الإهداء صوتًا حنونًا وصادقًا يخترق روح القارئ، ويمس أوتار قلبه، ويجعله أسيرًا للحكاية قبل أن يبدأ في قراءتها ومتابعة تفاصيلها.

أما العتبة الثالثة، التي نجدها في صفحة لاحقة، فهي اقتباس من متن الرواية، يُعطي القارئ مفتاحًا لعوالمها، وملامح مصائر أبطالها، ويزيده شغفًا وشوقًا لمتابعة الحكاية، وقد جاء الاقتباس على لسان "ليلى" بطلة الرواية، عندما قالت تخاطب حبيبها الراحل: "فقداني لك يُشعرني بالحرمان الأبدي من الحب، وبأن كل ما سيأتي من بعدك سيكون مجرد تعويض، والتعويض في الحب عذاب لا يُطاق، ولذة مفقودة ... عشت عمري أحلم بأن تكون أنت الرجل الوحيد في حياتي".

بعد تلك العتبات الثلاث، نحلق في آفاق الرواية، ونتابع تفاصيل حياة أبطالها؛ مثل حزنهم الكثير، وسعادتهم النادرة، هزائمهم التي طبعت حياتهم، وانتصاراتهم العابرة، فندرك أن ليس كل النساء والرجال سواء، وليست كل الأحلام وقصص الحب قابلة للموت والنسيان، وأن الفيصل بين ما يبقى منها وما يفنى، هو سمو روح ومعدن أصحابها، وصدق مشاعرهم، وخصوصية رؤيتهم لدور وحضور الطرف الآخر في حياتهم.

وكل هذا يجعلني أقول إن رواية "أهداني حبًا" الصادرة عام 2017 عن الدار المصرية اللبنانية، رواية كُتبت من منطقة روحية وإنسانية ولغوية نفتقد حضورها في واقعنا وحياتنا، وهي منطقة متخمة بالكثير من المشاعر النبيلة، وهي رواية تسعى لصنع أسطورة أدبية جديدة للإخلاص والعشق في زمن التحولات السريعة والجفاف العاطفي، وهشاشة الرجال والنساء، الذي نعيش فيه.

وقد نسجت الروائية الأستاذة زينب عفيفي ملامح تلك الأسطورة عبر سرد أحداث واقعية عشناها جميعاً في مصر في العقود الأربعة الأخيرة، ورسم حياة أبطالها من خلال تفاعلهم معها؛ ففيها نجد شخصية البطلة الساردة "ليلى" الطالبة الجامعية الشابة المحبة المخلصة، كما لم تخلص امرأة قبلها، والتي عاشت على ذكريات وأطلال قصة حبها "الفريدة" بقية حياتها.

أما حبيب "ليلى" في الرواية فهو "أحمد خالد"، الشاب المناضل المهموم بقضية واحدة، هي تخليص البلد من الفساد وتحقيق العدل الاجتماعي.

وبحب ليلى له ناضلت "هي" في اتجاه آخر، عندما جعلت قضيتها الكبرى هي محبة ورعاية "أحمد خالد"، رغم أنها لم تجرؤ أبدًا على البوح بمكنون نفسها وحبها لأحد، وبعد رحيل حبيبها المفاجئ عن الحياة، قررت أن تكتب قصته، وقصتها معه، وقصة أحلامهما المُجهضة.

أما بطل الرواية "أحمد خالد" فهو المعادل الموضوعي المعاصر لشخصية "علي طه" بطل رواية الأستاذ "نجيب محفوظ" الشهيرة "القاهرة الجديدة أو القاهرة 30". "على طه" البطل التراجيدي المهزوم في الحب والسياسة، رغم نبل شخصيته، وعدالة قضيته.

ورغم رحيل "أحمد خالد" بطل رواية "أهداني حبًا" شبه مهزوم، وبدون تحقيق أحلامه لوطنه وناسه في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، فقد كان أكثر حظًا من "علي طه" بطل رواية "القاهرة 30" للراحل نجيب محفوظ؛ لأن القدر وضع أمامه امرأةً أحبته "في زمن الهزيمة" بصدق، وقررت أن تكتب قصته وترويها للناس من بعده.

وإن كان البطل في الرواية "أحمد خالد" قد أهدى حبيبته "ليلي" حبًا، فقد أعادته هي للحياة بعد رحيله، وأهدته حبًا مماثلًا وخلودًا أدبيًا يستحقه، من خلال هذا العمل الروائي الجدير بالقراءة.

إعلان