إعلان

صورتنا أمام العالم

صورتنا أمام العالم

عمرو الشوبكي
09:13 م الخميس 05 أبريل 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

الحديث عن "صورتنا أمام العالم" حديث متكرر لا يخلو من تناقضات كثيرة، منها مطالبة الناخبين بالمشاركة في الانتخابات الرئاسية حتى نقدم رسالة للعالم بأننا ملتفون حول رئيسينا وبلدنا، لتحسين صورة مصر في العالم الخارجي.

وفي نفس الوقت رفضت الدولة ومؤسساتها الرسمية والإعلامية ما وصفته بتحيزات الصحافة العالمية ضدنا، واعتبرت أن العالم الخارجي منحاز ضد مصر ونظامها السياسي ويتدخل في شئوننا الداخلية، رغم أننا استدعيناه في الصورة الأولى.

والسؤال البديهي الذي يجب طرحه أولاً: هل العالم الخارجي مهم؟ وإذا كانت الإجابة كما هو واضح بنعم، فكيف نتعامل معه ونؤثر فيه؟

يقيناً المعضلة الرئيسية في تعاملنا مع العالم الخارجي هي إننا نتعامل معه باعتباره لقطةً أو صورةً للتصدير، في حين أن تأثيرنا في العالم الخارجي سيبدأ حين نتعامل أولاً مع "عالمنا الداخلي"، ونصحح كثيراً من السلبيات الموجودة فيه حتى نستطيع أن نواجه تحيزات العالم الخارجي، ونصحح صورتنا أمام أنفسنا أولاً قبل العالم الخارجي.

والحقيقة أن العالم الخارجي مهم بالنسبة لأي دولة، وخبرة مصر مع هذا العالم مليئة بسلبيات كثيرة، فهي من جانب واجهت دعايته وحربه الإعلامية والعسكرية في عصر الاستعمار حين كانت تخوض معارك التحرر الوطني، ونجحت في أن تعبر عن ضمير العالم الثالث، وصمدت أمام تحيزات الإعلام الغربي وهجومه الضاري على قيادتها السياسية منذ تأميم قناة السويس حتى انتصار أكتوبر 73.

لقد واجهت مصر الاستعمار وتحررت واستقلت رغم أنفه، وكان هناك مائة سبب يدعو الإعلام الغربي لتشويه صورة مصر في العالم وتصوير عبدالناصر ونظامه بالديكتاتوري والعسكري، رغم أن الرجل امتلك خبرة سياسية واسعة قبل وصوله للسلطة، وأسس تنظيماً سياسياً داخل الجيش، وتواصل مع القوى السياسية المختلفة، وكان أقرب في ثقافته للسياسي الثوري أكثر من العسكري المنضبط.

ورغم أن أمريكا خلقت ودعمت ديكتاتوريات عسكرية في أمريكا الجنوبية، وحاولت أن تبيض صورتها أمام العالم إلا أنها مع مصر فعلت العكس، وشوهت صورة قيادتها، ووصفتها بأنها نظام عسكري استبدادي.

صحيح لقد تغيرت صورة مصر في العالم الخارجي عقب إقدام الرئيس السادات على خطوته الجريئة بزيارة القدس عام 1977، ثم توقيعه اتفاقية السلام، وانتشرت صوره على أغلفة كبرى الصحف العالمية، وأصبحت صورة مصر في الإعلام الغربي إيجابية طوال تلك الفترة.

وعادت مرة أخرى وتباينت تلك الصورة في صحافة العالم طوال عصر مبارك، فمن حياد نسبي إلى انتقادات واسعة زادت حدتها مع المشاريع الأمريكية في المنطقة التي بدأت بغزو العراق وتفكيك دولته الوطنية، وانتهت حين ربطت نشر الديمقراطية في المنطقة بمشاريع الفوضى الخلاقة (مشروع معلن وليس مؤامرة سرية)، التي عملت على تفكيك الدول الوطنية العربية التي تأسست في عصر التحرر الوطني على اعتبار أنها دول استبدادية، وأن هذا الاستبداد هو سبب ظهور الإرهاب الذي ضرب أمريكا في 11 سبتمبر.

ورغم سطحية هذا التحليل لكنه لاقى رواجاً لدى إدارة الرئيس بوش، وضغط على الحكومة المصرية من أجل القيام بإصلاحات سياسية تتواءم مع الاستراتيجية الأمريكية الجديدة.

وهنا بدأت معضلة خطاب "صورتنا أمام العالم"، وقامت الحكومة المصرية بالتمييز بين ما يقدم للشعب المصري أي "الصناعة المحلية"، وما يقدم للعالم الخارجي أي لـ"التصدير"، فقام نظام مبارك بإجراء رتوش تجميلية وسمح بهامش من حرية الرأي والتعبير لتخفيف الضغوط الخارجية، وتحسين صورتنا أمام العالم دون أن يطرح نفس السؤال البديهي: هل يستحق الشعب المصري الديمقراطية أم لا، وهل يجب البدء في إصلاحات سياسية تدريجية لصالح البلد والشعب أولاً قبل الصورة الخارجية أم لا؟.

الحقيقة أن هذه المعضلة استمرت معنا حتى الآن، فلا يزال بعضنا حريصاً على إبراز تصريحات متناثرة لمؤسسات اقتصادية دولية تشيد بإصلاحات مصر الاقتصادية، وفي نفس الوقت يعتبر أي نقد يأتي من هذه المؤسسات لنظامنا السياسي جزءاً من مؤامرة خارجية لتشويه سمعة مصر.

يقينا لقد طوت مصر صفحة التحرر الوطني، وأصبحت دولة مستقلة منذ عقود، وهي اقتصادياً جزءٌ من النظام العالمي، فهي ليست دولة اشتراكية تناطح البنك الدولي والمؤسسات المالية الكبرى، إنما تسعى للاقتراض منه، وأن تكون منطقة جذب للاستثمار العالمي.

وحتى نظامنا الرأسمالي بدا أكثر قسوة من نظم رأسمالية كثيرة في العالم، وأصبح التناقض بين التوجهات الاقتصادية المنفتحة على المؤسسات العالمية، والتوجهات السياسية الرافضة للقيم المصاحبة لهذه التوجهات من ديمقراطية واحترام حقوق الإنسان لافتاً.

صورتنا أمام العالم لا ينبغي أن تحكمها رسائل للتصدير ولا معارك مفتوحة مع الإعلام الدولي، إنما يجب أن تبدأ بقناعة تقول: إن إصلاح أوضاعنا السياسية هو أمر في صالح البلد ككل، بصرف النظر عن موقف العالم الخارجي منه، وأن مشهد الانتخابات الأخيرة بكل عيوبه وسلبياته لا ينبغي أن نرد فيه فقط على الإعلام الخارجي، إنما نواجه أولاً أوجه القصور الشديدة التي صاحبت العملية السياسية والانتخابية، وعندها يمكن أن نواجه أي تحيزات عالمية في الإعلام الغربي والدولي على أرضية صلبة واثقة بالنفس.

إعلان