إعلان

سر أم محمد صلاح

سر أم محمد صلاح

د. براءة جاسم
09:09 م الأحد 29 أبريل 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

"دا أمه داعية له"، "يا بركة دعاء الوالدين"، وغيرُها الكثيرُ من الجُمل المتداولةِ في مجتمعاتِنا التي تعكسُ غِبطةَ أو حسدَ أو استغرابَ أحدِهم من وصولِ شخصٍ لشيءٍ ما يصعبُ الوصولُ إليه لولا دعاءُ والدته الذي حقّق له ما لم يكن يومًا في خياله.

أكادُ أجزمُ بأن معظمنا سمع أو قرأ أو رأى صورةً عبر مواقع التواصلِ الاجتماعي عن السيدة الفاضلة والدة اللاعب محمد صلاح وعن سرِّ دعائها المستجابِ وقوّته، والأمثلةُ كثيرةٌ لا حصر لها، فمثلًا نجد من يقول: "يعني يا أمي مش عارفة تركزي في الدعاء زي أم محمد صلاح كدا؟ اتعلمي بقى"، أو "أنا مش عايزة دعوة أم محمد صلاح أنا عايزة دعوة أم مرات محمد صلاح"، و"بقترح على أمهاتنا يروحوا ياخدو كورس دعوات عند أم محمد صلاح"، و"إيه يا جدعان ما حد يشوف لنا أم محمد صلاح بتدعي له بإيه"، وغير ذلك الكثير جدًا من التعليقات التي يصعُبُ حصرُها.

لا أستطيعُ كمتخصصةٍ إلا أنْ أقرأ ما بين سطورِ هذه الظاهرة التي من الصعبِ أن تراها عند الشعوبِ "الغربية"، فلن تجدَ أمريكياً أو أوروبياً أو لاتينياً يكتبُ تعليقًا كهذا عن والدة ليونيل ميسي أو كريستيانو رونالدو مثلًا، وغالبًا لن يتطرَّقَ إلى دورِ والدةِ مَن نجحَ إلا فيما ندر، بل على العكس تمامًا، ستجدُ آلاف الفيديوهات المتعلقةِ بالتنميةِ البشرية أو التحفيزية، أو الأفلام الوثائقية التي يتركز حديثُها ورسالتُها على أشخاصٍ نجحوا في مجالاتٍ عدّة، وحققوا نجاحاً عظيماً على الرغم من صعوبةِ حياتِهِم الأسرية أو نشأتِهم في أسرٍ مفككة، وكيف استطاعَ بعضُ هؤلاء الأبناءِ تخطي هذه الصعابِ والوصولِ إلى مفهوم النجاحِ الذي يأتي من تحدي العقباتِ مهما كثُرت، ومن القوةِ الداخلية التي تنهضُ بك من تحت الأنقاض لتصنعَ شخصًا ناجحًا سعى وآمنَ وصدَّقَ حلمَهُ.

أما عن التعليقات السالفِ ذِكرُها وغيرِها الكثير من التي تتناقلها الشعوبُ الشرقية عامةً والعربية منها خاصةً، فهي تعكسُ إيمانَنا كشعوبٍ بأهميةِ وقوةِ دعاء الأمِّ ورضاها دون غيرِه، فهو التميمةُ التي لها مفعولُ السحر، والبركةُ التي يحتاجُها المقبلُ على أيّ خطوة يُقدِمُ عليها كالامتحانِ أو طلبِ العمل أو الزواجِ أو النجاةِ من مأزق يمرُّ به أو همٍّ يصيبُه، فيطلبُ دعاءَ والدتِه وكأنه المفتاحُ السحري الذي سيفتحُ له كل أبواب الخير، ويغلقُ دونه كل أبواب الشر، وينتشلُه من الهمّ والحزنِ إن وقع فيه. ونجدُ أن الحبيبةَ أو الزوجةَ أو الأختَ تحاولُ تقمُّصَ هذا الدور وتتدرب عليه مبكرًا، قبل أن تصبحَ أمًّا، فتسمعُ إحداهُنَّ إذا ما فشَل شيءٌ أو لم يتمّ على الوجهِ المطلوب، تقول: "أنا مكنتش راضية عنها" والعكس بالعكس، فإذا نجح شيء تقول: "شفت/ي قيمة دعواتي".

من الرائعِ أن نؤمنَ بعظمةِ وقيمةِ الدعاءِ في حياتنا، ومن الرائع أيضًا أن نتيمَّنَ به، وسوفَ أتحدثُ لاحقًا عن سرّ إيماننا بالدعاء من وجهةِ نظر علم النفس البحت، لكنّي أودُّ أيضاً تأكيدَ أننا أُمِرنا في الحديثِ الشريفِ بأن "نعقلَها ونتوكَّل"، وفي القرآن حيثُ قال تعالى: "وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ..." إلى آخر الآية، فالسرُّ في نجاحِ محمد صلاح ليس فقط دعاءَ والدته له ورضاها عنه، بل هي كأمٍّ شأنها شأنُ الكثيرات غيرِها من السيدات اللاتي أنجبنَ وتعِبنَ وحاولنَ قدرَ الإمكانِ أن يقُمنَ بواجبهِنّ، السرُّ هو مزيجٌ من التربيةِ الصالحة وتضحيات الأسرة، بالإضافة إلى جهدٍ جبارٍ وتصميمٍ من الشخصِ نفسهِ على النهوضِ بعد أيّ سقوط، والسعيِ رغمًا عن صعوبةِ الظروف -أيًّا كانت- وقلبٍ لا يتخلى عن الإيمانِ بقدراتِه وبأنَّه سيصل، أضِفْ إلى ذلك إيمان من حوله بقدراتِه، ثم يأتي دعاءُ الأمِّ والأحبّةِ ليغلِّفَ كل هذا ويبرزَهُ في أبهى صورة.

محمد صلاح، واحدٌ من الذين اختاروا أن يتحدوا الصعابَ، ويصنعوا الفرصةَ بدلًا من انتظارها، حتى أصبحوا قادةً يُحتَذى بهم، لا عبئًا يُحمّلُ على مجتمعاتهم، هؤلاءِ همُ الذين اختاروا أن يغيروا الظروفَ لا أن تغيِّرَهُمُ الظروف.

تحيةً لملايينِ الأمهاتِ والآباءِ الذين عرفوا قيمةَ أدوارِهِم وقاموا بها على أكملِ وجه، وتحيةً أخرى لكثيرينَ يسعونَ لتحقيقِ أحلامِهِم والوصولِ بها إلى نجاحٍ يتعدَّى الأهدافَ الشخصيةَ ليصلَ إلى دورٍ أكثر فاعليةً وأثرًا في المجتمع.

إعلان