إعلان

زوجة حسن البنا.. هل كانت تعارضه؟

د. عمار علي حسن

زوجة حسن البنا.. هل كانت تعارضه؟

د. عمار علي حسن
09:00 م الأربعاء 18 أبريل 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

في الوقت الذي نعرف فيه تماما أسماء زوجات النبي (صلى الله عليه وسلم) وأدوارهن العامة في صدر الإسلام، لا يعرف إلا قلة من أفراد جماعة الإخوان اسم زوجة مؤسسها ومرشدها الأول حسن البنا؟ بينما لم يرَ أحد صورتها! فزوجة المرشد لا أخبار عنها إلا بسيطة معزولة نادرة، وفي بيتها فقط. ربما كانت زوجة البنا صامتة مستسلمة للدور الذي حدده لها زوجها، وربما كانت تعاتبه على قوله بأن المرأة لا يجب أن تتعلم اللغات، ولا تدرس الحقوق، ولا تزاحم الرجال في سوق العمل، أو اعتقاده في أن الاختلاط بين الجنسين في أماكن التعليم والعمل يصيب الرجال بالرخاوة، ويجعل المرأة تسرف في زينة تورث زوجها الإفلاس، وربما لم يعجبها تصوره بأن إعطاء المرأة حق الانتخاب يعد ثورة على الإسلام، لكننا لم نسمع أسئلتها، فصوتها ظل مخنوقا تحت سطوة صراخ من يعتقدون أن صوت المرأة عورة، وجسدها فتنة، وهي صاحبة الخطيئة الكبرى في حياة البشر، وأنها بالضرورة ناقصة علم ودين.

وإذا كانت "الضرورات التي تبيح المحظورات" قد جعلت الإخوان يعتمدون على النساء في عمليات التجنيد والتعبئة والحشد، ولا سيما أيام الانتخابات، وأثناء المراوغة من أجهزة الأمن، فإن هذا لم يجعلهم يقرون بإنهاء كل تمييز ضد المرأة، أو يتفاعلون بشكل إيجابي مع الدعوات والرؤى المستنيرة التي سعت إلى إخراج المرأة المسلمة من زمن "الحرملك" إلى آفاق الدنيا الجديدة، وليس أدل على هذا من أن مكتب الإرشاد خلا طيلة عمر الجماعة من أن تحظى- ولو امرأة واحدة- بعضويته، وأن قسم الأخوات بالجماعة ينتهي في تسلسله القيادي بيد رجل، وأن البنا نفسه يناقض نفسه قولا وفعلا، فيقر في رسائله بمكانة المرأة في الإسلام، لكنه سرعان ما يفرغ الأمر من مضمونه، حين أباح للمرأة تعلم أعمال المنزل فقط، ومنع عنها باقي العلوم إلا من شذرات منها تفيدها في دورها المنزلي.

وفي كتابها "مذكرات أخت سابقة: حكايتي مع الإخوان" تقول الكاتبة المنشقة عن الجماعة انتصار عبدالمنعم في معرض روايتها لتجربتها المريرة معها: "غيبوا المرأة طويلاً، وعندما فكوا الحصار الذي أحكموه حولها سمحوا لها بفرجة لا تتعدى إلقاء دروس عن الطاعة لكل ما يمت للرجل بصلة".

ولم يكن الإخوان وحدهم الذين ينظرون بدونية إلى المرأة، ويتعاملون معها على أنها موضوع للجنس، ومنبع للغواية، بل إن الجماعات والتنظيمات التي توظف الإسلام في تحصيل السلطة السياسية وحيازة الثروة الاقتصادية سارت على الدرب نفسه، فرأينا "حزب النور" في مصر يضع وردة بدلا من صور مرشحاته على لافتات دعائية بالشوارع، وقبلها كان تنظيم "التكفير والهجرة" يقنع الفتيات المنضمات إليه بأنهن لسن سوى سلعة للمتعة، ويستعملهن في إغراء فتية بالانضمام إليه.

وإذا ذهبنا إلى أحدث التنظيمات وأشد أطوارها توحشا وهو "داعش" نجد أنه لم يرق له في أولى مراحله أن يضم نساء بين صفوفه، وإن كان قد طلب من كل متعاطفة معه أن تجلس أمام حاسوبها، وتتصفح مواقع التواصل الاجتماعي، وتنقر على "الكيبورد" ما أمكنها كي تجذب للتنظيم زبائن جدد، أو تنخرط في عملية جمع تبرعات لـ "المجاهدين"، وحض الرجال، بل تحريضهم، على الانضمام إلى صفوفهم.

وكان داعش يرى، في البداية أن النساء لا قبل لهن بالحرب، لكنه سرعان ما غير رأيه هذا، حين تمكن من أرض شاسعة وفرض عليها سلطانه، فأطلق دعوات لاستقطاب طبيبات وممرضات ومهندسات ومدرسات، ثم مقاتلات، لهن وظيفة في القتال والعمليات الإرهابية قد لا يقوم بها رجال بالإتقان نفسه.

ومع توالي الأيام صار وجود النساء في صفوف داعش لافتا، وفتح بابا عريضا لتساؤلات حول البلاد التي انحدرن منها، وخلفياتهن الطبقية والثقافية والدينية، والأسباب التي جعلتهن يتركن بلادهن، ويحزمن أمتعتهن ذاهبات إلى أرض داعش التي يسكن الخطر كل شبر فيها.

في هذه الأرض يعيش النساء حياة مختلفة عن تلك التي يعيشها غيرهن في بلاد أخرى، ولعل ما ورد في وثيقة "المرأة في ظل الدولة الإسلامية: بيان ودراسة حالة" التي عثرت عليها القوات المدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية في المناطق التي يسيطر عليها التنظيم في العراق وسوريا توضح بجلاء كيف تعيش الداعشيات. ويُعتقد أن هذه الوثيقة من إعداد القسم الإعلامي في "كتيبة الخنساء"، وهي فصيل عسكري نسوي في التنظيم، ومن ثم فهي الأكثر تعبيرا عن حال النساء تحت ظل حكم داعش.

وقد هاجمت الوثيقة المفاهيم الخاصة بحقوق الإنسان عامة، وحقوق المرأة خاصة، لاسيما تلك المتعلقة بالمساواة بين الجنسين، واعتبرتها مفاهيم أنتجها الغرب، ولا تتماشى مع شرع الإسلام ونهجه، وأقرت بإمكانية زواج البنت وهي في التاسعة من عمرها، ورأت أن عمل المرأة "مفسدة" إلا لضرورة قصوى وفي ظروف استثنائية، كما أقرت عددا مما يحظر على النساء فعله، كعمليات التجميل، والثقب أو وضع القرط، وقص الشعر، ولذا تعتبر الوثيقة صالونات التجميل من "الأعمال الشيطانية"، التي يجب إدانتها، ومحاكمة القائمين عليها.

إعلان