إعلان

بأمارة إيه "عمل عربي مشترك"؟!

بأمارة إيه "عمل عربي مشترك"؟!

أمينة خيري
09:00 م الإثنين 16 أبريل 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

كم من إجراء نتخذه، وكلام نتفوه به، ومشاعر نلتحف بها، وهي ونحن ومن حولنا نعلم علم اليقين أنها هراء!

يقترب منك أحدهم في الشارع وهو يتعمد أن ينظر إليك نظرات هي خليط من تهديد بالحسد وتنديد بمستواك الذي هو أفضل منه، ويقول لك بلهجة آمرة إنه أبٌ لسبعة عيال، ويبتغي مساعدة، محلفًا إياك بالله ورسوله (ص) والمؤمنين.

تمتثل لهذا الابتزاز المعنوي والديني ويعتريك شعور قوامه هراء ومحتواه وهم أنك مسؤول بصفة شخصية عن قراره بإنجاب سبعة عيال، ومن ثم المساهمة في إطعامهم.

الوضع نفسه ينطبق على كلمات جرى عرفنا على أن نتفوه بها دون تفكير. فمثلاً تقابلك صديقة أقدمت على ارتداء ملابس عجيبة غريبة مريبة لا تثير إلا الضحك، فتبادرها بعبارات الاستحسان وجمل الإطراء، وأنت على يقين بهراء ما تقول.

وفي كل مرة يتعرض فيها شعب عربي لمجزرة، أو تقع فيها دولة عربية أسيرة لمؤامرة، أو تتبدد حقوق بديهية أو تنتهك قواعد رئيسية لعرب هنا أو هناك نسارع إلى فتح درج الشجب والتنديد لمشاعر النخوة وأحاسيس اللحمة ومقومات الوحدة وتاريخ "الانكسارات" المشترك وجغرافيا الأرض المتلاحمة إلى آخر القائمة العربية المعتادة. وتنزل اتهامات هذا الشعب العربي ضد ذاك، أو تلك الشعوب العربية ضد هذه منددة بالتجاهل وشاجبة للطناش.

وفي مواسم القمم ومناسبات الاجتماعات الرسمية الدورية تتفاقم مشاعر التنديد هذه وتتضخم توجهات إلقاء اللوم وتوزيع اتهامات العمالة والخيانة تارة، والبيع والتفريط تارة أخرى مرة من هذا الفريق ضد ذاك، ومرة من ذاك في مواجهة هذا، وهلم جرا.

وجرى العرف أن تلملم القمم أوراقها، وتنهي الاجتماعات فعالياتها وتتبخر الكلمات والمشاعر والاتهامات في هواء الكوكب. ويا سلام لو تواكبت الفعالية العربية الكبيرة وكارثة كتلك التي حلت بسوريا أخيرًا، فإن حجم التنديد بالتهاون العربي يكون مضاعفًا وكم الشجب بما فعله الحكام يكون مفرطًا.

الإفراط في انتظار عمل عربي مشترك، أو موقف شرق أوسطي محترم أمر مثير للعجب. فبأمارة إيه يتعجب المتعجبون من عدم وجود موقف موحد للعرب تجاه ما يحدث في سوريا مثلاً؟ وإذا كان المتحاربون في سوريا والذين يدعمونهم ويمولونهم في حرب مستعرة تارة ضد النظام، وأخرى ضد بعضهم، وثالثة كوسيلة لكسر شوكة أنظمة أخرى مجاورة هم أنفسهم العرب، فكيف يُنتظر أن يتخذوا موقفًا مشتركًا؟!

هم أنفسهم يجابهون بعضهم، ويصارعون ويعاركون ويصطدمون من أجل ترجيح كفات على حساب أخرى. صحيح أن المؤتمرات الكبرى والفعاليات العظمى تستدعي عبارات شجب كبرى وعبارات تنديد عظمى، لكنها استدعاءات في أغلبها – إلا فيما ندر- بروتوكولية.

اسأل أي مواطن عربي عادي عن توقعاته من قمة هنا أو مؤتمر عام هناك، سيرد عليك بأنه لا ينتظر شيئًا. فلا عملة عربية موحدة واردة، أو إلغاء لتأشيرات الدخول والخروج منتظر، أو تبادل بينيّ في الخبرات والأيدي العاملة بغرض التكامل الاقتصادي مدرج.

صحيح أن مناهج التعليم مازالت تتغنى بالجغرافيا المتقاربة، والتاريخ المشترك، واللغة الواحدة، والثقافة المتطابقة، لكن التاريخ الحديث يحدثنا عن فتن ذاتية المنشأ، ونعرات متأججة الصدى (والصدأ أيضًا)، واقتتالات بعضها عابر للحدود العربية والبعض الآخر مكتفٍ بالاندلاع داخليًا.

ويكفي أن عداد القتلى المتفجر في وجوهنا هو عداد عربي مشترك. فالقاتل منا، والمقتول منا، والحانوتي منا أيضًا.

وأدعو الناقمين والمشمئنطين من أمام شاشات هواتفهم أو من داخل مقاهيهم أو من أعلى كنباتهم ممن يصبون اللعنات العنكبوتية على عدم وجود عمل عربي مشترك... إلخ- للبحث في عناوين كل ما سبق من قمم كبرى وفعاليات عظمى.

يظل التنديد سيدًا والشجب واردًا والدعوة إلى شحذ الهمم وحشد الطاقات قائمًة، وذلك لحين الفعالية القادمة.

وتظل كلمة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي هي الأكثر صدقًا والأعمق معنى، وتكاد تكون الوحيدة التي ألمحت إلى خيانات هنا وعمالات هناك وطعن عربي مشترك في الظهر.

إعلان