إعلان

لماذا يكره المتطرفون دينيًّا الفنون والآداب؟

د. عمار علي حسن

لماذا يكره المتطرفون دينيًّا الفنون والآداب؟

د. عمار علي حسن
09:00 م الأربعاء 11 أبريل 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

تُخاصم الجماعات والتنظيمات الدينية المتطرفة الفنون بشتى ألوانها، وإن سمحت بها ففي نطاق ضيق يفرّغها من الجمال، ويحولها إلى أشبه بمنشور سياسي بائس، أو خطبة وعظية جوفاء، رغم أن تاريخ الحضارة الإسلامية زخر اهتماما بالفنون، ومنها الخط والرسم والزخرفة الهندسية والتوريقية والمنمنمات والعمارة والموسيقى وبعض فنون القص والملاحم، وقبل كل هذا، الشعر الذي كان ديوان العرب.

نسي المتطرفون كل هذا، وراحوا يحرمون الفنون مستندين إلى نصوص غير مقطوع بها، وتأويلات فاسدة، فوجدناهم يدمرون المناطق الأثرية العريقة والمتاحف، ويحرقون دور السينما، ويمنعون الغناء والموسيقى، ووصل بهم الأمر إلى تفجير مسجد النوري الكبير في الموصل، وكذلك مئذنة الحدباء- أقدم مئذنة في المنطقة؛ يعود تاريخها إلى 9 قرون مضت، وهي لا مثيل لها في العالم الإسلامي قاطبة.

قبل هذا، دمرت حركة "طالبان" تماثيل بوذا في أفغانستان (2011)، ودمرت حركة "أنصار الدين" أضرحة في تمبكتو (2012)، ودمر تنظيم "داعش" آثار تدمر في سورية، وهدم المتطرفون أضرحة عريقة في بلدان إسلامية عدة، وهاجموا بالأسلحة البيضاء والرصاص حفلات للموسيقى، وحرقوا محلات بيع "فيديو" في مصر خلال تسعينيات القرن الماضي.

وطالما طاردت هذه الجماعات أدباء، فرأينا تكفير نجيب محفوظ، ومحاولة قتله بدعوى أن روايته "أولاد حارتنا" تنطوي على تجديف بالدين، والمطالبة بحرق كتاب" مقدمة في فقه اللغة العربية" للويس عوض، ومسرحية "الحسين ثائرا وشهيدا" لعبدالرحمن الشرقاوي، واتهم الروائي محمد عبدالسلام العمري بالتعدي على الإسلام، وهوجم الشاعر حسن طلب على ديوانه "آل جيم"، وحرّض الإخوانُ طلابَ الأزهر ليخرجوا في مظاهرات احتجاجية على رواية الكاتب السوري حيدر حيدر "وليمة لأعشاب البحر" بعد نشرها في القاهرة عام 2000، ثم افتعلوا بعد شهور قلائل ما عرفت بـ"أزمة الروايات الثلاثة"، التي صدرت عن هيئة قصور الثقافة المصرية، لتوفيق عبدالرحمن، ومحمود حامد، وياسر إبراهيم.

وقتلت الجماعات الإرهابية المسلحة في الجزائر الكاتب والروائي الطاهر جاووت عام 1993، والكاتب والمسرحي عبدالقادر علولة عام 1994، وطاردت كُتابا وفنانين آخرين حتى اضطرتهم إلى مغادرة البلاد.

وفي عام 2014 قتل إرهابي من حركة الشباب النائبة الصومالية والمغنية الشهيرة "سادو على ورسام"، في مقديشو مع سائقها. وفي عام 2017 أطلق متطرف ثلاث رصاصات على الكاتب ورسام الكاريكايتر الأردني ناهض حتر بسبب كاريكاتير نشره للسخرية من داعش، واتهم فيه ظلما بأنه أساء إلى الذات الإلهية.

وبالطبع فإن المتطرفين يأنفون من النزعة الإنسانية وإعلاء قيمة الحرية والعمل على مخاطبة الوجدان التي تقوم بها الفنون والآداب، لأنهم يعتقدون أن كل هذا يعمل في غير صالحهم، إذ من الصعب أن يتطرف دينيا من في نفسه حظ من فن، وبالتالي يكون عصيا على الاستقطاب والتجنيد في صفوف هذه الجماعات المتطرفة.

ويعتقد هؤلاء أن كراهية الفن تجعل منهم أشخاصا أتقياء، وأنهم بهذا يطبقون تعاليم الإسلام الصحيحة، دون أن يدروا أن متشددي الأديان الأخرى يشاطرونهم الموقف نفسه، فالمسيحية في بداياتها كانت خالية من التصوير، ورفضت الكنيسة لقرون تقبُّل الفن التشكيلي، وحين تصالحت معه فإن هذا تم على أساس أن الفن خادم للدين وأداة من أدوات الدعاية الكهنوتية، لكن الفنانين تمردوا على هذا الوضع، وقادوا حركة النهضة قبل الأدباء والفلاسفة والمصلحين الاجتماعين والمنظرين السياسيين، بينما دخلت الموسيقى إلى الطقوس الكنيسة، ولا سيما في الترانيم.

وكانت المسيحية في موقفها هذا متأثرة باليهودية، حيث جاء في العهد القديم إصحاح 20: "ملعون الإنسان الذي يصنع تمثالاً منحوتاً أو مسبوكاً". وفى الاتجاه اليهودي تقف جماعة "شهود يهوه" موقفا متشددا من الفن، حيث تقول: "اعلم أن كل الجمال الأرضي من رقص ومسارح وفنون تشكيلية كلها عبارة عن أصباغ تجميلية لقذارات الدنيا، وغوص حقير في مستنقع الدنيا الآسن، ولقد علّم هؤلاء العفاريت (أي الفنانون) الناس نحت الأصنام من الأشجار والأحجار والمعادن بغية الافتتان والإعجاب بها".

وكان من الطبيعي نظرا لهذه الأفكار التي تتوهم أن المقدس يخاصم الجمال ألا تفرز الجماعات التي توظف الدين في تحصيل السلطة منذ ظهور الإخوان وحتى داعش فنانا أو أديبا متميزا، وأي من المنخرطين في صفوفها غلبته النزعة الفنية فإنه لا يطيق البقاء معها، ويخرج منها غير آسف عليها.

إعلان