إعلان

"الكورة" والسياسة

د. جمال عبدالجواد

"الكورة" والسياسة

د. جمال عبد الجواد
09:00 م الجمعة 02 مارس 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

هناك ثمانية عشر نادياً تلعب في الدوري الممتاز لكرة القدم. لو تفحصت قائمة هذه الأندية للاحظت أنها تتوزع بين عدد من الفئات. هناك أولاً فئة الأندية الشعبية، وهي الأندية ذات الشعبية الكبيرة، إما بسبب تاريخها العريق، مثل الأهلي والزمالك، أو لأنها تمثل مدينة أو محافظة من محافظات البلاد، مثل أندية الإسماعيلي، والمصري، واتحاد الإسكندرية، وطنطا، وأخيراً نادي الرجاء الذي يلتف حوله جمهور الكرة في محافظة مطروح التي يوجد النادي على أرضها في مدينة الضبعة. فئة الأندية الشعبية تضم هذه الأندية السبعة، وتمثل ما يقل عن أربعين بالمائة من أندية الدوري المصري الممتاز.

هناك فئة ثانية من الأندية، هي فئة هيئات الدولة، وتضم أندية الإنتاج الحربي، وطلائع الجيش، والداخلية. أما الفئة الثالثة فتضم أندية الشركات والهيئات الاقتصادية التابعة للدولة أيضاً، وفيها تجد ناديين تابعين لشركتي بترول مملوكتين للدولة، هما ناديا إنبي وبتروجت؛ وتجد فيها أيضا ناديي المقاولون ومصر للمقاصة. سبعة أندية تمثل هيئات متنوعة من هيئات الدولة، متساوية في عددها مع عدد الأندية الشعبية.

وهناك فئة رابعة تضم أندية غير شعبية، ولا تمثل فرق الكرة التي تلعب باسمها سوى الأعضاء القليلين في هذه الأندية، وتضم هذه الفئة ناديي سموحة في الإسكندرية، والنصر في مصر الجديدة. فنادي سموحة السكندري، الذي تأسس عام 1949، لم يستطع التحول إلى نادٍ شعبي ينافس نادي الاتحاد، أو نادي الأوليمبي الذي انزوى مع الزمن. وكذلك، فإن نادي النصر، الذي تأسس عام 1958، لم يستطع أن يصبح النادي الكروي الممثل لجماهير الكرة في مصر الجديدة، مثلما يمثل نادي تشيلسي الإنجليزي جمهور الكرة في ضاحية فولهام وكل منطقة غرب لندن، فيما يميل جماهير الكرة في وسط لندن لتشجيع نادي الأرسنال، بسبب وجود ملعب الأرسنال في هذه المنطقة.

الفئة الخامسة والأخيرة هي فئة أندية الاستثمار، وهي أندية أسسها رجال أعمال بغرض الربح أولاً، وحباً في كرة القدم ثانياً. وتضم هذه الفئة نادي وادي دجلة، وهو قصة نجاح كبيرة لنادٍ استطاع الوصول للدوري الممتاز بعد سنوات قليلة من تأسيسه. الأمر نفسه ينطبق على نادي الأسيوطي، وهو في الحقيقة اسم على غير مسمى، فليس للنادي أي صلة بمحافظة أسيوط سوى اسم مؤسس النادي رجل الأعمال محمود الأسيوطي، أما النادي نفسه فيوجد في محافظة بني سويف، دون أن يوجد ما يشير إلى أن أهل بني سويف يعتبرونه النادي الممثل لهم في دوري الكرة المصرية.

هذه هي الثمانية عشر نادياً في الدوري الممتاز المصري. توزيع هذه الأندية بين الفئات المختلفة يشبه كثيراً ما نجده في كثير من البلاد النامية في أفريقيا والشرق الأوسط. لكن هذا الحال يختلف تماماً عما هو سائد في البلاد العريقة في التقدم والديمقراطية. فأندية الكرة في هذه البلاد إما أنها مؤسسات عريقة، اكتسبت شعبيتها مع الوقت، أو أنها تلعب باسم مدن ومقاطعات، فتحول أهل هذه المدن والمقاطعات تلقائياً إلى جمهور لها.

البلاد المتقدمة لا تعرف معنى أن يكون هناك نادٍ غير شعبي، أي أنه بلا جماهير، فالغرض من اللعب هو إسعاد الجماهير، ومكاسب النادي تأتي من الأموال التي تدفعها الجماهير لحضور المباريات، وشراء الملابس والمواد التذكارية. انتشار الجماهير وتوزعها بين أندية شعبية متعددة هو أحد مظاهر التعددية التي تعرفها هذه البلاد، وهو أيضاً مظهر لأهمية اللامركزية السياسية في الحكم والإدارة، ولأهمية الجماهير المحلية المنتشرة في طول البلاد وعرضها. وعلى العكس من ذلك، فإن أندية الكرة عندنا تعكس الأهمية المحدودة للجماهير المحلية، كما تعكس الدور الكبير للدولة سياسياً واقتصادياً، وتعكس أيضاً المركزية الشديدة، بالإضافة إلى ما يظهر من دور متزايد لرجال الأعمال والاستثمار.

 

إعلان