إعلان

" دولة غزة" مع "تقاسم وظيفي" في الضفة الغربية

" دولة غزة" مع "تقاسم وظيفي" في الضفة الغربية

محمد جمعة
09:00 م الجمعة 02 مارس 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

أول من أمس الثلاثاء شاركت في أعمال ملتقى الحوار الرابع لمؤسسة الشهيد ياسر عرفات، الذي تميز بحضور مصري وفلسطيني ودولي رفيع.

حيث أدار عمرو موسى، الأمين العام السابق للجامعة العربية، الحوار الذي امتد لأكثر من ساعتين.

الملتقى شهد مداخلتين عبرتا عن الاهتمام الدولي بتطورات القضية الفلسطينية. الأولى لـ"ميخائيل بوجدانوف"، ممثل الرئيس الروسي بوتين للشرق الأوسط. و"ميجيل موراتينوس"، المبعوث الخاص السابق للاتحاد الأوروبي إلى الشرق الأوسط، ووزير خارجية إسبانيا الأسبق.

لكن في الواقع، أكثر ما لفت نظري ضمن كل المداخلات المكثفة التي قيلت، كان مداخلة الأخ "محمد اشتيه"، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح. حيث لخص الطرح الإسرائيلي الخاص بالتسوية، مؤكداً أن المطروح يتمثل في: "دولة غزة مع تقاسم وظيفي في الضفة"... هذه الرؤية هي بالفعل التي نجد صداها في كل مراكز الأبحاث الإسرائيلية، وفي كل ما يتسرب إلينا من وسائل الإعلام الإسرائيلية، حول "الصفقة" القادمة.

إسرائيل الآن تجاهر برفض الركائز الأربع لعملية السلام التي تبنتها الإدارات العربية والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة حتى الرئيس كلينتون، وهي:

- يجب أن يكون حل الصراع محصوراً جغرافياً في الأراضي بين نهر الأردن والبحر المتوسط.

- الحل يتطلب تأسيس دولة فلسطينية ذات سيادة كاملة.

- يجب أن تكون الحدود بين إسرائيل وفلسطين مرتكزة على حدود 1967 مع أقل قدر ممكن من المراجعات.

- يجب أن تمثل الضفة الغربية وقطاع غزة كياناً سياسياً واحداً.

 

هذه الركائز الأربع هي- بحسب ادعاءات إسرائيل- التي أبقت الصندوق مغلقاً بإحكام، ولم تترك أية فرصة للمفاوضات، وإنما أفضت إلى طريق مسدود مرة تلو الأخرى!!

وتدعى إسرائيل أن هذه المواقف المبدئية (التي تسميها تل أبيب بالمواقف التقليدية) تضع "دولة إسرائيل" في مفترق طرق مفاهيمي بين احتمالين فقط:

-الحفاظ على الدولة اليهودية الديمقراطية بالانسحاب إلى حدود الرابع من يونيو مع تعديلات بسيطة (وهي الاحتفاظ بالكتل الاستيطانية).

- أو دولة ثنائية القومية تدفعها الصراعات، ستفضي بالضرورة إلى نظام فصل عنصري.

ولهذا تطالب "تل أبيب" بأن يتبنى الجميع صيغًا من " التفكير الخلاق" تكون قادرة على إنقاذ إسرائيل من فخ الاختيار بين هذين "الخيارين المستحيلين"، على حد قول "جيرشون هاكوهين" في تحليل له خاص بـ"مركز بيجين السادات للدراسات الإستراتيجية". حيث طلب "هاكوهين" من جميع المعنيين بعملية السلام، ضرورة التسليم بعدم إمكانية تقسيم تلك المساحة الضيقة بين البحر المتوسط ونهر الأردن، إلى دولتين بالمعنى الحرفي للدولة.

وأشار إلى أن "المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية ليست فقط هي التي تجعل من الصعب تقسيم تلك المساحة إلى دولتين. بل الصعوبة نتيجة عدد من العوامل الجيوطبيعية: مجتمعية، بيئية، عوامل مرتبطة بالنقل والمواصلات، اقتصادية، وتلك التي تشمل البنى التحتية للمياه، الصرف الصحي والكهرباء". ناهيك عن تذرع إسرائيل أيضا بالاعتبارات الأمنية لتقسيم الأرض.

باختصار الطرح الإسرائيلي الراهن فيما يتعلق بالتسوية يتلخص في ضرورة البناء على هذين النموذجين الأمنيين اللذين تكرسا في الضفة وغزة منذ أوسلو 1993 حتى الآن..

في الضفة الغربية حيث تم تقسيمها إلى مناطق (أ) و(ب) و(ج)، وتحول هذا بمرور الوقت إلى تعايش من نوع ما بين الإسرائيليين والفلسطينيين، لكن اليد العليا لسلطات الاحتلال بالتأكيد.

أما النموذج الثاني، فيقع في قطاع غزة، ويشمل تقسيماً ثنائياً: "هم هناك، ونحن هنا"، بحدود صلبة وغير قابلة للتغيير بين إسرائيل والأرض الخاضعة لسيطرة حماس.

- في نموذج الانفصال الكامل لغزة، تستخدم إسرائيل قوة عسكرية تتطلب موارد كبيرة: دبابات، طائرات حربية، ومن آن لآخر، عمليات عسكرية عالية الكثافة، إلى جانب استثمارات ضخمة لمكافحة شبكة الأنفاق الممتدة.

-بينما في نموذج الضفة الغربية، تُدار المسألة الأمنية وفق توازن مكاني هجين، مع نقاط التقاء يومية بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وديناميكية للتعاون الاقتصادي تشمل وجوداً مدنياً إسرائيلياً، الأمر الذي يجعل من استخدام القوة العسكرية أمراً غير ضروري. وبالنظر إلى مستوى المعيشة، تدعي تل أبيب أن نموذج الضفة الغربية مفيد للطرفين.

وبالتالي، فإن حلاً خلاقاً– بحسب الرؤية الإسرائيلية- للصراع يجب أن يبدأ بتقدير– ما تراه إسرائيل- مزايا النموذج المكاني الهجين الذي ظهر في الضفة الغربية، وأبرزها السلطات الحكومية الممنوحة للسلطة الفلسطينية، والتي تعود إلى يناير 1996 في منطقتي (أ) و(ب)، والتخلص من نموذج الانفصال الكامل الميت، على حد قول "جيرشون هاكوهين" في المصدر الذي سبقت الإشارة إليه.

*إذن، جملة كل تلك الأفكار تتلخص في أن الدولة الفلسطينية– وفقاً لإسرائيل– سيكون مركز ثقلها في غزة، مع ذلك التعايش المشترك في الضفة الغربية، على أرضية السيطرة الإسرائيلية، والتمييز الواضح بين المستوطنين في الضفة، وبقية السكان الفلسطينيين. علما بأن هؤلاء المستوطنين في الضفة أصبحوا يشكلون الآن 24% من سكان إسرائيل.

*إسرائيل تتسلح اليوم لفرض هذه الرؤية بمواقف أكثر الإدارات الأمريكية تطرفاً، حيث ينوي "ترامب" نقل سفارة بلاده إلى أحد مباني القنصلية الأمريكية في القدس الشرقية. وقد اختار ذكرى النكبة كتاريخ لتنفيذ ذلك إمعاناً في امتهان العرب والفلسطينيين. فضلاً عن إغلاقه مكتب منظمة التحرير في الولايات المتحدة، والهجوم الشرس الذي يشنه على وكالة غوث وتشغيل اللاجئين" الأونروا". ناهيك عن وجود 27 مشروع قرار في الكونجرس الأمريكي للنيل من الحقوق الفلسطينية وتكريس الأمر الواقع .

باختصار علينا أن نستعد لـ"دولة غزة" مع ذلك "التقاسم الوظيفي" في الضفة الغربية بين سلطة الاحتلال والجانب الفلسطيني.

إعلان