إعلان

لماذا تقدموا وتأخرنا؟

لماذا تقدموا وتأخرنا؟

د. أحمد عبدالعال عمر
09:00 م الأحد 18 مارس 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

هل أتى على البشرية حين من الدهر لم تشهد فيه المجتمعات الإنسانية صراعًا طبقيًّا، وصراعًا على الثروة والنفوذ والسلطة، هذا الصراع الذي تحرك بدوافع دينية حينًا، ودوافع سياسية حينا آخر، ودوافع وطنية أو قومية حينًا ثالثًا؟

ربما لم يعرف تاريخ البشرية تلك اللحظة النادرة، سوى في المجتمعات البدائية الأولى، التي ساد فيها نظام المشاعية، والمشاركة في ملكية مصادر المياه والغذاء، وكان فيها زعيم القبيلة حاكمًا بحكمته، وليس حاكمًا بسلطة وقوة عاتية، وبالتالي خضع الجميع لسلطته المعنوية، وشرعيته الأخلاقية، والتزموا بقواعد السلوك والعلاقات الاقتصادية التي وضعها، ورأى هو بدوره جميع أفراد القبيلة على درجة واحدة؛ فكلهم أبناؤه لا فارق بينهم في النوع أو المكانة.

ثم تحول الزعماء إلى أنصاف آلهة، وظهرت أسر حاكمة، ومؤسسات سلطة تدعمها وتحافظ على ملكها ونفوذها وممتلكاتها وثرواتها بالقوة، وأصبح الفارق بين الحكام وأعوانهم، وبين باقي سكان البلاد، يكاد يكون فارقاً في النوع والدرجة، فكأنهم هم أشباه الآلهة والبشر بامتياز، والباقي في أدنى درجات الإنسانية، ومن هنا ربما نشأت فكرة ووظيفة العبودية، والاستغلال الطبقي.

وسادت تلك الرؤية منذ البدايات الأولى لنشأة المجتمعات البشرية الكبيرة والمستقرة، وعبر قرون طويلة، حتى في ظل أنظمة حاكمة وممالك قامت على مرجعية الديانات السماوية.

وبعد حروب وصراعات طال أمدها بين الطبقات، وثورات الغربيين على الكنيسة والإقطاع، ونشأة الطبقة الوسطى المثقفة، وتكوين الوعي الغربي العقلاني والإنساني مع قيام الثورة الفرنسية، والدعوة لقيم الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية، وتكريس حضور قيم الليبرالية والديمقراطية وتداول السلطة في المجتمعات الغربية، استطاعت تلك المجتمعات أن تقلل من حدة الصراع على السلطة، ويسرت تداولها عبر صندوق الانتخابات.

كما قضت هذه المجتمعات على الصراع بين الطبقات داخل المجتمع، وسهلت لجميع أفراده فرصة الصعود الطبقي على معيار الكفاءة والجدارة، وأصبح الفارق بين الحاكم والمحكوم، وبين من يملك المال ومن لا يملكه، وبين من هو في أعلى درجات السلطة ومن هو في أدنى درجات السلم الاجتماعي، فارقًا في الدرجة فقط وليس فارقًا في النوع؛ فكل منهم على مستوى واحد في الإنسانية، وفي الحقوق والمساواة أمام القانون، بصرف النظر عن مكانة كل منهم وثروته ودينه.

وهكذا اقتربت المجتمعات الغربية المتقدمة من حالة الفطرة الإنسانية البدائية الأولى، فاستقرت وحفزت إنسانها على تفعيل إمكانياته ومواهبه، وعلى الإبداع الخلاق لخدمة ذاته ومجتمعه ووطنه، فتقدمت.

وبالعكس ساد الصراع في بلادنا بين محتكري السلطة والثروة بالقوة حيناً وباسم الدين حيناً آخر، وبين المتطلعين إليهما بدوافع اقتصادية ودينية واجتماعية، فتوترت الحياة في مجتمعاتنا، وساد الحقد والصراع بين الطبقات، وتراجع دور العلم والعلماء، ولم تعرف مجتمعاتنا أي عصر تنوير حقيقي، وسيطرت فيها قيم المجاملة والمحسوبية والفهلوة والانتهازية، وتراجعت قيمة العمل والتفكير والإبداع، فتأخرنا.

ولهذا فإننا في بلادنا اليوم في حاجة شديدة إلى عصر تنوير حقيقي، وإلى عقد اجتماعي جديد، يخرجاننا من أزمتنا المجتمعية والسياسية والحضارية التي صار بعضنا يعتقد أنها قدرنا ولا مهرب منها.

إعلان