إعلان

جمعة مباركة و"سامو عليكو"

جمعة مباركة و"سامو عليكو"

أمينة خيري
09:01 م الإثنين 12 مارس 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

يوم وقف تديننا عند حدود "سلامو عليكو"، وأحيانًا "سامو عليكو"، جرى لنا ما جرى من مسخ وتشويه لكل مظاهر الحياة. والمسخ بالطبع لا يكمن في "السلام عليكم"، لكنه في اقتصار التزام الفرد وتمسكه بما يصح وما لا يصح عند حدود إلقاء التحية "الدينية" بديلاً عن التحية العلمانية سمة الكفار وأعداء الدين "صباح الخير".

الخير الوفير الذي حل على العباد وعم أرجاء البلاد بعد ما تمسكنا بتلابيب "سلامو عليكو" ونبذنا "صباح الخير" واضح وضوح الشمس في كل مكان. افتح شباك نافذتك وانظر نظرة متأملة إلى أحوال الشارع، وستجد التالي: أصوات الأذان تصدح من عشرات المساجد والزوايا المتلاصقة في الحي الواحد وقت الصلاة، ومعها يجلجل أصوات مؤذني الهواتف المحمولة المتداخلة من جيوب وحقائب آلاف المواطنين في ملحمة دينية جلية وبينة. وإن تجرأ أحدهم على هذا التداخل الرهيب الذي يجعل تفسير كلمات الأذان مستحيلة، فهو حتماً كاره للدين. وإن فكر أحدهم في انتقاد صوت مؤذن أجش قبيح ترك عمله كـ"سايس" أو "بواب" بحثًا عن حسنات الأذان، فهو دون شك شيطان رجيم.

وفي خضم ملحمة الأذانات المتداخلة تتشابك أصوات أبواق السيارات المنطلقة بكل عنف وصلف، ومعها تناحرات السائقين وتنافسهم المريع للسيطرة على الطريق حتى إن كان هذا يعني قتل من حوله، أو إصابته، أو إلحاق الضرر به أو بمركبته. وكم من سيارة في مصر مزدان زجاجها الخلفي بسيوف وعبارات الشهادة دلالة على الاستقامة وإشهار الديانة وتأكيد أنه داخل الجنة لا محالة.

وكنت أظن أن بقاء حال العباد على ما هو عليه من تهور وعنف كامن وقلة ذوق واضحة وضوح الشمس في التعامل وضرب بالقوانين عرض الحائط من المحال. لكن الأيام أثبتت أن المحال ما هو إلا حال عام لا يزعج السلطات، أو يؤرق ضمير الوزراء، أو يحرك ساكنًا لدى الأولياء. وظننت– بجملة السذاجة وقلة المعرفة- أن القائمين على أمور الدين سينتفضون انتفاضة لا رجعة فيها حزنًا على تشبث الملايين بـ"سلامو عليكو" وكأنها بديل عن انعدام بديهيات الأخلاق والسلوكيات الحميدة، أو ربما هي ضمادة مخدرة تجعل صاحبها يشعر بأنه "في السليم" حتى إن كان يسب ويشتم، ويغتاب وينم، ويبصق على الأرض ويبصبص لجميع الكائنات الأنثوية التي يجعلها حظها العثر تقع في محيطه المرئي، ويعطل مصالح المواطنين إن كان موظفًا عامًا، ويرتشي ويقصر ويهمل في عمله، ويتخذ من الدروس الخصوصية بديلاً للشرح المدرسي، ويسير عكس الاتجاه معتبرًا قواعد المرور اختيارًا، وتعريض حياة الآخرين للخطر قضاء وقدرًا، وهلم جرا.

وقد جرى العرف المصري بأن يسير الجميع في ركاب "الرايجة". فإن كانت "الرايجة" "سلامو عليكو"، فليكن. وإن كانت "جمعة مباركة"، فليكن، وإن كانت "جزاك الله خيرًا"، فليكن. وإن كانت تصنيف البشر على حسب معدل تفوههم بهذه العبارات الجميلة الملتزمة، فليكن. وإن كانت نبذ من يردد غيرها على اعتبار إنه ضال أو فاسد أو ناقص التدين، فليكن. وكان يمكن أن تمر صرعة تديين العبارات دون التصرفات، والمظهر بديلاً عن الجوهر، والغرق في أعماق "هسهس" الهالة الدينية التي تطفو على السطح تاركة العمق فريسة للفساد والتحرش والإهمال و"اللكلكة" والسب والتدخل في شئون الآخرين وإصدار الأحكام دون وجه حق، وتنصيب النفس في مكانة أعلى بناء على معايير شكلية ومقاييس مظهرية. لكنها لا تمر مرور الكرام، لماذا؟ لأن الصرعة أدت إلى تآكل بنيان المجتمع الأخلاقي والسلوكي، وزودت الملايين بأقراص الراحة النفسية، ومهدئات تأنيب الضمير، ومثبطات مراجعة النفس والأداء. فطالما نبذت مظاهر الكفر والانحلال المتمثلة في "صباح الخير" و"شكرًا"، واعتنقت عقيدة "سلام عليكو" و"جزاك الله خيرًا" فأنت مائة فل وعشرة، ولا غبار عليك، بل الغبار كل الغبار والعقاب كل العقاب والعذاب كل العذاب لتلك القلة المارقة المتمسكة بتلابيب السلوك وقواعد الأخلاق والضمير، والتي تجرؤ على التفوه بـ"صباح الخير" في مجتمع متدين بالفطرة كمجتمعنا الرائع.

إعلان