إعلان

كم ينفق المصريون على رحلات "الحج " و"العمرة"؟ (1-3)

كم ينفق المصريون على رحلات "الحج " و"العمرة"؟ (1-3)

د. عبد الخالق فاروق
07:10 م الخميس 01 مارس 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

أثيرت في الأسابيع القليلة الماضية مسألة زيادة وزارة السياحة الرسوم المقررة على المسافرين لقضاء شعيرة العمرة للأراضي المقدسة.. والسؤال:

كم ينفق المصريون على رحلات "الحج " و"العمرة"؟ 

برغم قدسية ممارسة المسلمين فريضة "الحج"، ووجدانية الحدث، فإن الله سبحانه وتعالى، تخفيفاً على عباده، وضع شرط "الاستطاعة" كأساس لحساب المسلم على أدائه أو تقصيره في هذه الفريضة الدينية الأساسية. و"الاستطاعة" هنا تتخذ ركنين أساسيين هما: 

- ركن مالي 

- ركن مادي وجسدي. 

فتوافر هذين الركنين يلزم المسلم بأداء هذه الفريضة، وسنة نبيه في أداء شعيرة "العمـــــرة.

أولاً: المراحل التاريخية لأداء فريضة "الحج" و"العمرة": 

تاريخياً مر الحج والعمرة بأربع مراحل متمايزة ومتباينة، وهي: 

المرحلة الأولى: الممتدة منذ ظهور الدعوة المحمدية، حتى ما قبل عام 1911م. المرحلة الثانية: من عام 1918م حتى عام 1973م. 

المرحلة الثالثة: من عام 1974م حتى عام 1984م. 

المرحلة الرابعة: من عام 1985م حتى اليوم. 

ومعاييرنا في التمييز بين هذه المراحل المختلفة، أربعة عناصر متكاملة، هي: 

المعيار الأول: مدى توافر وتطور وسائل النقل والمواصلات. 

المعيار الثاني: مقدار التكاليف المالية والأعباء المادية لأداء الفريضة الدينية.

المعيار الثالث: مدى توافر الاستقرار السياسي في الأراضي الحجازية بما توفره من التجهيزات الإدارية والبنية اللوجستية في الأماكن المقدسة وخدمة زوار بيت الله الحرام. 

المعيار الرابع: نظم التسجيل ورسوم دخول الأماكن الحجازية من حيث الإقامة أو القيود الكمية والنوعية والمالية. 

فإذا تأملنا المرحلة الأولى: (منذ الدعوة المحمدية حتى عام 1910م): التي تميزت بتدني وسائل النقل والمواصلات، واعتماد أفواج "الحجيج" و"المعتمرين" على وسائل بدائية للسفر والترحال، كان أكثرها تقدماً حتى ذلك الحين، السفن التي تنقل الحجاج القادمين من مصر ومنطقة المغرب العربي من ميناء السويس وميناء سفاجا أو بعض الموانئ البسيطة على ساحل البحر الأحمر، اجتيازاً لهذا البحر وصولاً إلى موانئ الأراضي الحجازية خصوصاً في جدة.

أما قوافل الحجيج القادمين من الشام وبلاد الرافدين، فقد كانت تنتقل براً على ظهور الجمال وغيرها من الدواب لمدة شهور طويلة، قاطعة الصحراء الشمالية والشمالية الشرقية للأراضي الحجازية وصولاً إلى "مكة المكرمة" و"المدينة المنورة". 

ومن ثم فقد كان للأعباء الجسدية والمالية على هؤلاء الحجيج أثر في تواضع أعدادهم، ومن ثم تواضع حصيلة رسوم "الحج" و"العمرة" التي تحصل لصالح القائمين على هذه الأماكن المقدسة من القبائل الحجازية. 

كما أدت عمليات السلب والنهب التي كانت تتعرض لها بعض قوافل الحجيج في بعض السنوات التي تعرضت فيها البلاد لاضطرابات وصراعات بين القبائل (آل سعود– آل الرشيد– آل الحسين– آل غالب.. إلخ) إلى عدم انتظام مواسم الحج، وتقلب حصيلة رسوم " الحج "، وكذا تواضع كمية "الأضحية" وسوق التجارة الذي كان يعد المصدر الرئيسي لمعيشة القبائل الحجازية عموماً، والقبائل ذات الصلة المباشرة بالأماكن المقدسة "مكة" و"المدينة" خصوصاً. 

وبرغم هذه الظروف غير المستقرة، فقد ظل الحجيج المصريون والأتراك هم الأكثر عدداً من ناحية، والأكثر إنفاقاً في مواسم "الحج" طوال هذه المرحلة، لأسباب موضوعية بعضها يعود لطبيعة الحجاج المصريين والأتراك الذين كان معظمهم ينتمي إلى أبناء الطبقات الوسطى وكبار ملاك الأراضي والأعيان الذين تتوافر لديهم فوائض مالية تمكنهم من أداء هذه الفريضة الإسلامية من ناحية، وبعضها الآخر بسبب تقدم مصر وتركيا نسبياً مقارنة لبقية شعوب العالم الإسلامي امتدادًا من إندونيسيا والهند شرقاً، وانتهاءً بمراكش غرباً والسودان وبعض الجماعات الإسلامية في إفريقيا جنوباً. 

أما المرحلة الثانية (1910م– 1973م): فقد تميزت بعدة تطورات إيجابية في هذا المجال، لعل أولها، ذلك التطور السريع في وسائل النقل والمواصلات، حيث بدأ المهندس الألمانى "ميسنر" منذ عام 1905م، تحت تصور استراتيجي للإمبراطورية الألمانية الصاعدة – بالحضور إلى هذه المنطقة لبناء ومد أول خط سكة حديد يمتد من دمشق شمالاً مروراً بفلسطين انتهاءً بـ"مكة المكرمة"، وانتهى من بناء هذا الخط الاستراتيجي عام 1910م، وأطلق عليه "خط سكة حديد الحجاز"، ولم يتوقف الرجل وطموحاته عند هذا الحد، بل إنه شرع في مد خط سكة حديد جديد يمتد من بغداد وبلاد ما بين النهرين شرقاً انتهاءً بـ"مكة المكرمة" غرباً، وسعى بعدها إلى مد خط "الحجاز" الأول إلى حلب، وإلى عاصمة الخلافة العثمانية "القسطنطينية"، الذي لم يمهله اندلاع نيران الحرب العالمية الأولى (1914م – 1918م) لاستكماله، فتعرضت هذه الخطوط الحيوية للتدمير من جانب بعض القبائل العربية الموالية والمتعاونة مع بريطانيا بقيادة ضابط الاستخبارات "إدوارد لورنس"، وللتدمير قطعة بعد قطعة بحجة إضعاف المجهود الحربي العثماني، والحقيقة أن وراء هذا التدمير هدفًا آخر أكثر خبثاً يتعلق بانفراد بريطانيا بهذه المنطقة الواعدة بكنز من النفط الأسود، وتقطيع أواصر الاتصال بين شعوب هذه المنطقة العربية (اتفاقية سايكس– بيكو السرية عام 1916م).

كما شهدت هذه المرحلة تطور وسائل المواصلات الحديثة، مثل السيارات والطائرات، وبداية استخدام بعضها (خاصة الحافلات لنقل الحجيج) في مواسم "الحج" و"العمرة". 

وبعد أن وضعت الحرب أوزارها، واستتب الأمر لقبيلة "آل سعود" في السيطرة وحكم البلاد الحجازية منذ عام 1926م، وأعلنت قيام "المملكة العربية السعودية" عام 1933، واستقر الأمن إلى حد كبير في طرق قوافل الحجيج، سواء أكان للقادمين من مصر، أم من الشام، أم من بلاد ما بين النهرين، وتشير بعض المصادر التاريخية إلى أن دخل الحكومة السعودية * من الضرائب والرسوم على الحجاج المصريين عام 1938م بلغ نحو 5 ملايين جنيه مصري، (1)، وهو مبلغ ضخم في ذلك الزمان، هذا علاوة على النفقات المباشرة التي ينفقها الحجاج في الأراضي المقدسة (المأكل والمشرب والسكن والأضحية وشراء الهدايا للأقرباء.. إلخ)، والتي تزيد بدورها على ثلاثة أو خمسة أضعاف هذا المبلغ أي نحو ما بين 15 مليونًا و20 مليون جنيه بأسعار ذلك الزمان. 

وهذه الضرائب والرسوم على الحجاج المصريين تعني أن عدد هؤلاء الحجاج ذلك العام (1938م) يزيد على 50 ألف حاج مصري (بمتوسط 100 جنيه للحاج الواحد)، أي أن نفقات الحجاج المصريين سنوياً كانت تتراوح بين 20 مليون جنيه و25 مليون جنيه (بما يعادل من 60 مليون دولار إلى 75 مليون دولار وفقاً لسعر الصرف السائد وقتئذِ). 

ولعل التطور الأبرز في هذه المرحلة، اكتشاف آبار النفط في شبه الجزيرة العربية بكميات هائلة بعد عام 1913م، وبداية الحفر المكثف في المملكة السعودية منذ عام 1933، ما أدى لتراجع مداخيل مواسم "الحج" و"العمرة" إلى المرتبة الثانية في الاقتصاد السعودي، خاصة منذ عام 1973، وعلى إثر اندلاع حرب أكتوبر بين مصر وسوريا من جهة، والكيان الصهيوني من جهة أخرى. 

ويشير أحد الباحثين السعوديين إلى هذه الحقيقة بقوله "إنه بعد أن كان الاعتماد يقوم على رسوم الحجيج، وما ينفقونه أثناء مواسم "الحج" و"العمرة" أصبح النفط أهم مصدر للدخل خاصة بعد عام 1973 (2) ". 

ومع زيادة الثروة النفطية، بدأ التنظيم الإداري الحديث للمملكة السعودية، ويشير الباحث السعودي إلى أن هذه البلاد لم تعرف أي نظام للإدارة حتى عام 1952 (1374 هـ) حينما أنشئ أول مجلس للوزراء (3)، وأن ظل "للملك عبدالعزيز بن سعود" ومن بعده ابنــــه "الملك سعود" السلطة المطلقة في الشئون المالية والسياسية في المملكة، حتى تعرضت البلاد إلى أزمة مالية عاصفة خلال أعوام (1956م– 1960م) كادت تدفع بها إلى حافة الإفلاس ما اضطر الأسرة السعودية إلى عزل "الملك سعود"، وتنصيب شقيقه "فيصل" ملكاً على البلاد لما عرف عنه من حزم وقوة في أحيان كثيرة (4). 

وعلى الفور استخدم الملك "فيصل" بعثتين متخصصتين إحداهما من صندوق النقد الدولي، والأخرى من البنك الدولي أوصتا بضرورة إنشاء مجلس أعلى للتخطيط، تابع لرئاسة مجلس الوزراء، توكل إليه مهمة وضع الخطط الشاملة للمملكة، وفى عام 1963م عقدت الحكومة السعودية اتفاقية مع مؤسسة فورد الأمريكية Ford foundation، تقوم بمقتضاه الأخيرة بتنظيم الجهاز الإداري للمملكة (5). 

أما المرحلة الثالثة (1974م – 1984م): فقد حدثت بها أربعة تحولات اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية كبرى، عكست نفسها على حركة "الحج" و"العمرة"، ليس في مصر وحدها وإنما في ربوع العالم الإسلامي كله، وقد تمثلت هذه التحولات الكبرى في الآتي 

الأول: التطور السريع والمذهل ليس في استحداث وسائل النقل والمواصلات فحسب، وإنما في امتلاك الدول العربية والإسلامية (خاصة المملكة السعودية وبقية دول الخليج) أساطيل بحرية للنقل، وكذا أساطيل من طائرات الركاب الحديثة. 

الثانى: تحركات العمال العرب عموماً والمصريين خصوصاً بأكثر من 20 مليون عامل ومهنى من كل المستويات العلمية والمهنية خلال هذه الحقبة النفطية (1974م – 1991م) من بلدانهم إلى مراكز "علاء الدين النفطي العربي"، ومعهم تحركت مليارات الدولارات في صورة تحويلات نقدية أو عينية من هؤلاء العمال والمهنيين إلى بلدانهم وإلى أسرهم، ما جعل مئات الآلاف من الفقراء ومتوسطي الحال قادرين على أداء فريضة "الحج" (6)، وتكرار رحلات " الاعتمار". 

الثالث: تنامى النفوذ الفكري والثقافي والسياسي للتيارات الدينية عموماً في المنطقة العربية والإسلام السني خصوصاً بدءاً من إندونيسيا والباكستان، وانتهاءً بمصر والجزائر وبلاد المغرب العربى، وصعود ما يسمى " الصحوة الإسلامية " وانتقال هذا النفوذ الفكرى والثقافى من إطاره العقائدى والوجدانى إلى الإطار السياسي الحركى (الجماعات الإسلامية بكافة أنواعها) ومنها تأججت مشاعر دينية تعرضت للقنص من جانب جماعات وجمعيات مصالح وجدت في هذه المشاعر الدينية فرصة سانحة للكسب، فتشكلت آلاف الجمعيات التي جعلت من تنظيم رحلات "الحج" و"العمرة" سوقاً للكسب والتربح. 

الرابع: اكتساح رياح العولمة الرأسمالية وآليات السوق بكل وحشيتها لكل الأنشطة والمجالات، ونزولها العاصف إلى حركة "الحج " و"الاعتمار"، فحولتها إلى سوق بكل ما تحمله الكلمة من معنى.

أما المرحلة الرابعة (1985م حتى اليوم): فقد اتسمت بانفلات العقال من كل قيد وتسابق كل الأطراف الرسمية (الأجهزة المصرية والأجهزة السعودية) وغير الرسمية (الجمعيات– الوكلاء– شركات السياحة– السماسرة.. إلخ) لتحقيق الأرباح الهائلة دون حسيب أو رقيب.

إعلان