إعلان

مكتبة الإسكندرية ومكافحة التطرف

مكتبة الإسكندرية ومكافحة التطرف

د. إيمان رجب

* زميل أبحاث مقيم بكلية الدفاع التابعة لحلف الناتو بروما

ورئيس الوحدة الأمنية والعسكرية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

09:00 م الإثنين 05 فبراير 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

خصص مؤتمر مكتبة الاسكندرية السنوي الذي اهتم بقضية الفن والأدب في مواجهة التطرف، إحدى ورش عمله لتحمل عنوان "التطرف: رؤى سياسية"، وشرفت بأن أكون متحدثاً رئيسياً في هذه الورشة إلى جوار الأستاذ الدكتور أحمد يوسف أحمد، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، والدكتورة أم العز الفارسي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة بنغازي، والدكتور توريستون بوتزبرونستين من ألمانيا، وريكاردو ريديالي من الجامعة الكاثوليكية في إيطاليا، والدكتور لؤي عبدالباري من جامعة عدن في اليمن. وقد أدار هذه الورشة الدكتور أسامة الغزالي حرب.

وكان اهتمام الدكتور مصطفى الفقي، مدير المكتبة، والفريق القائم على تنظيم المؤتمر، وعلى رأسه الدكتور خالد عزب، والدكتور سامح فوزي، بتخصيص ورشة لمناقشة الرؤى السياسية للتطرف من قبل متحدثين من خمس دول، له منطقه، حيث إن الأدب والفن والفكر كأدوات لمكافحة التطرف يتأثر كل منها بالرؤية السياسية السائدة في الدولة عما يعد تطرفًا من عدمه، فهذه الورشة وفرت الإطار العام الذي يفسر لماذا تلجأ بعض الدول لتبني سياسات ثقافية فعالة في التعامل مع التطرف، ولماذا تغيب تلك السياسات في دول أخرى.

خصصت كلمتي في هذه الورشة للحديث عن السياسات المتبعة في مكافحة التطرف في مصر، وبدأت الحديث بتأكيد أن التطرف والإرهاب في مصر ظاهرة قديمة، وهي نتاج جانبي لعملية التطور السياسي التي يمر بها المجتمع، وخلال المراحل المختلفة لتطور المجتمع المصري عادة ما تتجه الجماعات المتطرفة لطرح ثقافة وهوية ذات طبيعة سياسية مختلفة عن تلك القائمة والمترسخة في المجتمع، وهي ثقافة تقوم على رفض التنوع، وتقوض شرعية النظم القائمة فعلاً، وتستخدم أدوات مختلفة بحسب مستوى التطور التكنولوجي السائد في المجتمع، ففي فترات سابقة كان شريط الكاسيت هو الوسيلة المثلى لنشر الأفكار المتطرفة، أما الآن فأصبحت وسائل التواصل الاجتماعي تلعب الدور الأكبر في انتشار هذه الأفكار.

وأوضحت أنه عند محاولة تقييم التطرف في مصر بعد ثورتي 2011 و2013، يتضح أنه يستهدف بصورة رئيسية فئتين تعانيان أشكالًا مختلفة من الحرمان النسبي الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، وهما الشباب الذين تتراوح أعمارهم وفق ما توصلت إليه في بحث ميداني أعمل عليه خلال المرحلة الحالية بين 16و35 سنة، والمرأة التي يزداد في شمال سيناء توظيفها من أجل توفير الدعم اللوجستي للعناصر المتطرفة، وتستغل الجماعات المتطرفة الثقافة السياسية المأزومة في المجتمع من أجل استقطاب هاتين الفئتين.

وفيما يتعلق بالسياسات المتبعة في التعامل مع التطرف، تحدثت عن أن الخطاب الرسمي للدولة يؤكد من ناحية على أن التطرف والإرهاب يمثلان التهديد الرئيسي للأمن القومي، وذلك استناداً إلى إجمالي عدد العمليات التي تقع في مصر طوال السنوات الأربع الماضية.

ومن ناحية ثانية فإن الإطار الحاكم للسياسات المتبعة في مكافحة التطرف والإرهاب من قبل الدولة يستند إلى بيان الحكومة في سبتمبر 2015 الذي دعا للتوازن بين حقوق الإنسان واستخدام القوة، والاستراتيجية المعلنة من المخابرات الحربية في الندوة التثقيفية في فبراير 2017 التي تقوم على محورين: التنمية الاقتصادية ومحاصرة الإرهابيين.

ويكشف تحليل ما نفذ من سياسات خلال السنوات الأربع الماضية في إطار الرؤية المتضمنة في هاتين الوثيقتين، عن أربعة تحديات رئيسية خاصة بمكافحة التطرف والإرهاب في مصر. التحدي الأول هو ضعف أدوار الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني في مجال مكافحة التطرف والإرهاب، وتعد الجبهة الوطنية لمكافحة الإرهاب التي دعا إليها حزب الوفد بعد اغتيال النائب العام هشام بركات مثالًا على ذلك، فضلاً عن محدودية عدد الجمعيات الأهلية التي تمارس نشاطاً مرتبطاً بمكافحة التطرف، مقارنة بإجمالي عدد الجمعيات المسجلة والنشطة فعلاً، حيث لا يتعدى عددها الخمس جمعيات.

التحدي الثاني هو منح الأولوية للبعد الديني للتطرف، وما يرتبط بذلك من مطالب خاصة بتجديد الخطاب الديني، وهو ما يمثل تكرارًا لمقولات كانت تتردد خلال فترة التسعينات من القرن العشرين، ولم تنتج تغييراً فعلياً في الخطاب الديني، أو في المناهج أو في ممارسات الأئمة والدعاة، على نحو يبرر إعادة طرح هذه المقولات خلال المرحلة الحالية، ونتج عن ذلك تصدر المؤسسات الدينية الأزهر والأوقاف ودار الافتاء جهود مكافحة التطرف والإرهاب مع تهميش أدوار مؤسسات أخرى يمكن أن تلعب دوراً فاعلاً في ذلك.

 

التحدي الثالث خاص بعدم وجود إطار قانوني يحدد من هم ضحايا التطرف والإرهاب، وتقنين عملية الدعم الاجتماعي والاقتصادي لهم، وهي خطوة مهمة في إطار تحصين المجتمع في مواجهة التطرف، بما في ذلك قانون مكافحة الإرهاب 2015، الذي لم يقدم تعريفًا منضبطًا لمن يعد ضحية، كما أن مشروع القانون الذي يعنى بهذه القضية لا يزال لم يقر من قبل مجلس النواب. وينصرف التحدي الأخير إلى صعوبة تحقيق التوازن بين حقوق الإنسان، ومكافحة التطرف والإرهاب، وهو تحدٍ يوجد في العديد من المجتمعات.

واقترحت في ختام الكلمة عددًا من التوصيات التي هي مهمة من أجل تطوير الرؤية السياسية الخاصة بمكافحة التطرف والإرهاب خلال الفترة المقبلة، أولها ضرورة إصدار وثيقة تحدد الاستراتيجية الوطنية لمكافحة التطرف والإرهاب، وتقوم على الشراكة بين الدولة والمجتمع المدني والمواطن، وذلك لضمان استمرارية ومأسسة الجهود التي تبذل من الجهات المختلفة على نحو لا يجعلها مرتبطة بأشخاص، كما في حالة الجهود التي بذلها الدكتور جابر نصار في جامعة القاهرة طوال فترة رئاسته لها، والتي توقفت بخروجه من المنصب.

ثانياً أهمية تطوير مشروع سياسي خاص بالمرحلة المقبلة يعبر عن التيار الرئيسي في المجتمعmainstream ، ويضع توصيفاً محدداً لما يعد تطرفًا، قد يتحول إلى فعل إرهابي، ويمثل خروجًا عن التيار الرئيسي، وثالثاً الإسراع في إقرار مشروع القانون الخاص بمجلس النواب، والمتعلق بضحايا التطرف والإرهاب، ورابعاً إيجاد منصة للحوار من أجل التفاعل مع المقولات التي ترددها الجماعات المتطرفة، ولا يجد الشباب منبراً يناقشها بموضوعية، وكانت مكتبة الإسكندرية قد أطلقت في يوليو الماضي صالون المكتبة، ولم يتكرر انعقاده، ومن الممكن أن يكون هو هذه المنصة في حال تفعيله.

 

 

 

إعلان