إعلان

الرئيس والنخبة وحزب الكنبة

الرئيس والنخبة وحزب الكنبة

د. أحمد عبدالعال عمر
09:01 م الخميس 22 فبراير 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

من أهم حصاد ثورة يناير أنها أعادت الروح لمصر، دون أن تُعيد إليها وعيها، وعلمتنا أن التحمس دون تفكير لا يخدم المطالب والقضايا العادلة، وأن التفكير النظري المجرد من البرج العاجي دون تحمس، ودون الحركة على الأرض لجعل ما ينبغي أن يكون كائنًا بالفعل، هو غفلة عن الواقع وجهد ضائع بلا جدوى.

وبالتالي، فمصرنا الحبيبة لن تتغير نحو الأفضل، دون أن يعود إليها الوعي مع الروح؛ الوعي بثقل وقيمة التاريخ الذي يحمله المصريون على ظهورهم، وبسمات وخصائص ومشكلات الواقع والإقليم والعالم الذي يعيشون فيه، وبقيمة وأهمية وثوابت الدولة الوطنية المدنية، وبأهمية التفكير العقلاني النقدي الذي يمكنهم من كشف أنبياء الوطنية والتدين الزائفين، ومعرفة الصادقين من المدلسين، ومن يقول لهم الحقيقة، ومن يبيع لهم الوهم.

وهذا الوعي بتجلياته المختلفة، يُحتم علينا السعي لاستيعاب وفهم موقف وأداء كل من الرئيس والنخبة وحزب الكنبة، وطبيعة العلاقة بينهم.

ولنبدأ بالرئيس عبدالفتاح السيسي، وهو عندي رجل وطني ونزيه ونظيف اليد، ولا ينكر ذلك إلا غافل أو مُغرض. وقد تحمل مسئولية رئاسة الجمهورية في مرحلة من أخطر مراحل تاريخ مصر المعاصر، ورغم ذلك نجح في تثبيت أركان الدولة وتقوية مؤسساتها. كما أخذ بشجاعة -لم يقدر عليها غيره من الرؤساء- قرارات اقتصادية قاسية، وانتهج سياسات جريئة، تسعى لتأسيس مرحلة جديدة في تاريخ مصر، وتتجاوز كل سياسات وأخطاء الماضي، التي وصلت بنا إلى هذا التدهور والخراب في مؤسسات الدولة المصرية، وجعلتها كما قال الرئيس "شبه دولة".

ومع ذلك، فإن سوء إدارة وتسويق بعض تلك القرارات والسياسات، وشرح دوافعها وأبعادها والمستهدف إيجابيًّا منها، وفشل "وسائل الرئيس الإعلامية" في توصيل "رسائله" على نحو صحيح، خلق حالة من سوء الفهم وعدم الرضا لدى قطاع غير قليل من المصريين، وصدع جدار الثقة بينهم وبين الرئيس.

أما النخبة المصرية، السياسية والثقافية والإعلامية، فقد بلغ التردي فيها اليوم مداه، ويتضح ذلك من ضعف تكوينها العلمي والمهني، وحجم تناحر أفرادها وصراعاتهم على المصالح الشخصية، ومن عزلتهم عن المجتمع الذي يعيشون فيه، وهموم الناس الحقيقية، بما أدى إلى ضعف تأثيرهم في المجتمع، وتضاؤل ثقلهم في ميزان السلطة وصانعي القرار، وواضعي السياسات العامة للدولة.

وكذلك يظهر لنا تردي النخبة المصرية من خلال موقفها المؤيد أو المعارض لنظام الرئيس السيسي؛ فبعض المؤيدين له بالمطلق، "كذابو زفة" ورجال لكل العصور والأنظمة، وهم يسحبون من رصيد الرئيس والنظام الحاكم عند الناس، دون أن يمتلكوا من الإخلاص والمصداقية والمقومات الفكرية، ما يمكنهم من التأثير في الناس، وإقناعهم بأي رأي.

أما المعارضون، فبعضهم يعارض لمجرد المعارضة، لأنه خلق –كما يدعي- لكي يقول "لا" لكل أشكال السلطة. وبعضهم يعارض ارتزاقًا، وهو يعرف ثمن شرائه وصمته، وبعضهم يعارض عن حماقة وسوء تقدير وشخصنة مقيتة، تجعلهم يكرهون الرئيس كراهية التحريم، ويرفضون كل سياساته وقراراته دون تفكير وتدبير، وأقل القليل من يعارض لوجه الله والوطن والحقيقة.

وإذا انتقلنا للحديث عن حزب الكنبة فيمكن القول، إنه أكبر حزب في مصر، والحزب الوحيد الفاعل والمؤثر في المشهد السياسي المصري. وهو يضم أبناء الطبقة الدنيا من البسطاء والمهنيين، وكل أبناء الطبقة الوسطى الدنيا، وبعض أبناء الطبقة الوسطى العليا. وهو حزب غير مؤدلج أو منظم، وأعضاؤه مصريون أصلاء، لا يرغبون إلا في الأمن والاستقرار والستر والحياة الكريمة، وقد كانوا الأكثر حضورًا وتأثيرًا في ثورتي 25 يناير و30 يونيو، وهم الذين دعم الجيش مطالبهم في الثورتين، ودعموا هم الرئيس السيسي وانتخبوه عن ثقة كاملة بخلفيته العسكرية، رئيسًا للجمهورية.

والمفارقة العجيبة، أن أعضاء حزب الكنبة هم الأكثر تأثرًا بالأعراض الجانبية السلبية لقرارات الرئيس وإجراءاته الاقتصادية القاسية؛ ولهذا عادوا إلى بياتهم الشتوي، وابتعدوا عن السياسة، منشغلين بتدبير شئون حياتهم المادية.

والآن يحملون في قلوبهم وعقولهم إحساسًا عميقًا بالمرارة والحيرة تجاه الرئيس والدولة؛ فهم يرون الرئيس صادقًا ونزيهًا ونظيف اليد، ويدركون حجم المسئوليات الملقاة عليه، ومقدار العمل الذي يقوم به، ولكن الحياة صارت صعبة، والمسئول عن ذلك في تصورهم، هو سياسات الرئيس والدولة.

وهؤلاء لابد من أن ينظر الرئيس والدولة إليهم بعين الرحمة، وأن تتغير أساليب ووسائط توجيه الخطاب السياسي والإعلامي إليهم، وتبصيرهم بحقائق الواقع من أجل استعادة إيجابياتهم وفاعليتهم، حتى لا نتركهم فريسة سهلة لقنوات الإخوان المسلمين، التي صارت بارعة في استمالتهم، وإشاعة مناخ سلبي تشاؤمي بينهم، وجعلهم يكرهون الدولة.

 

إعلان