إعلان

بين الدعاية والتجسس ... لونان من التحايل السياسي

د. عمار علي حسن

بين الدعاية والتجسس ... لونان من التحايل السياسي

د. عمار علي حسن
09:00 م الأربعاء 31 أكتوبر 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

تطفح أساليب المواجهة الحذرة أو التحايل بشكل ظاهر من عملية الدعاية، التي تعتمد طرق المراوغة والتلاعب والمخاتلة والتدليس والكذب إلى أقصى حد. فمنذ المنشأ تتطابق الدعاية مع ما سبق ذكره من قواعد التحايل وأسسه، إذ إنها تطلب من القائم بالدعاية أن يقف وقوفا جليا على قوة عقل الشخص المستهدف، ودرجة تحمله، والعادات الراسخة لديه، ورغباته وحاجاته، وأفضلياته مرتبة تنازليا، ومدى إمكانية تغييره جذريا، وأقرب الطرق لكسبه، والفترة اللازمة لإخضاعه لتأثير الدعاية.

فالدعاية ترمي بالأساس إلى السيطرة على فرد أو جماعة أو شعب معين، ولذا فإنها مجبولة على استخدام المراوغة إلى أقصى حد، لأن هذه الطريقة بوسعها أن تقنع الفرد بالدخول في حيز الدعاية، والتهيؤ النفسي والعقلي لتقبلها، بمنحه بعض المبررات والأسباب التي تجذبه إلى الامتثال للقائمين بالدعاية، أو الذين يستهدفونه، ما يعزز احتمالات الحصول على ولاء من تستهدفه الدعاية، أو دفعه إلى تبني الخطاب الذي يبثه القائم بالدعاية. ويصل نجاح الدعاية إلى ذروته حين يردد أفراد المجتمع المستهدف الأقاويل نفسها التي يطلقها من يستهدفونه، وكأنها أفكارهم الذاتية، التي تنبع من عقولهم الخالصة، وإراداتهم الحرة.

إن القائم بالدعاية يشبه الساحر أو الحاوي الذي يجذب انتباه المتفرجين إلى شيء ليعميهم عن شيء آخر يقصده ويرعاه ويتبناه ويقيم عليه أهدافه. وهذا السحر يتبع طريقتين رئيسيتين:

الأولى هي "التكثيف" الذي ينطوي على إظهار الجوانب الإيجابية في المسألة محل الدعاية سواء تعلقت بشخص أم بفكرة، عبر أساليب فنية عدة منها استخدام الصور الذهنية، واستبدال الأسماء والمصطلحات، والانتقائية، والكذب المستمر، والتكرار، والتأكيد، ومعرفة العدو وتحديده، والاستناد إلى السلطة والقوة، والارتباط الكاذب، وتزكية غريزة اتباع الغير، والتماثل أو التشبيه بالغير.

والطريقة الثانية هي "التقليل" حيث يسعى القائم بالدعاية إلى الحط من شأن أشياء وأفكار وأشخاص محددين، عبر الحذف، وتحويل الانتباه، والالتباس أو خلق حالة من الارتباك والاضطراب في عقل الفرد أو الجماعة التي تستهدفها الدعاية.

على الجانب الآخر، لا تتوانى أجهزة الاستخبارات في توظيف كل ما تملكه من وسائل ضد خصومها، ولا يمكن لمعاركها أن تحقق ما تصبو إليه دون اللجوء إلى أساليب خفية، أو حتى غير أخلاقية، مستغلة كافة مواهبها العقلية والروحية والمادية والتقنية في صناعة الحيل والخداع والمناورة والمفاجأة. ويتم هذا سواء في أعمال التجسس أو الاطلاع على الأسرار الحيوية التي تملكها دولة أجنبية، أو الأعمال الرامية إلى مكافحة التجسس، وحماية هذه الأسرار، وتحصينها ضد عمليات الاختراق، بكشف الجواسيس وشل حركتهم.

وتنطوي عمليات التجسس على العديد من الحيل، منها "دس الطُعم الجذاب" في طريق العميل الأجنبي، ثم تحريكه بصورة مغرية، حتى يبتلعه هذا العميل، فيقع في الفخ المنصوب له، ومنها "دس المبلغين المزيفين" لاكتشاف حقيقة شخصية العملاء الأجانب ومن يقابلهم، وتضليل صانعي السياسة في الدول الأخرى بتقديم معلومات مضللة، واعتقال العملاء الأجانب ومحاكمتهم بعد البحث والتحري الدقيق. وتوجد طريقة "الإيقاع في الشرك" التي تستخدمها أجهزة المخابرات والأمن للإيقاع ببعض الضحايا، وإجبارهم على التعاون معها، مستغلة في ذلك نقاط ضعف هؤلاء، مثل اشتهاء المال، والولع بالنساء، وإدمان الخمر أو المخدرات، والشذوذ الجنسي.

كما توجد حيلة "التهديد" مثل محاولة الاستخبارات الإسرائيلية تهديد الطلبة العرب الذين يدرسون في بعض دول أوروبا بتعذيب أقاربهم في الأراضي المحتلة بعد هزيمة يونيو 1967، إن لم يتعاونوا مع الموساد. وقد استخدم الشيوعيون الأسلوب نفسه مع المهاجرين أو المستوطنين الذين لهم أقارب يعيشون في الاتحاد السوفيتي ودول أوروبا الشرقية. وتوجد أيضا حيلة "استغلال عقدة الذنب"، فقد عزفت الدول الغربية على وتر هذه العقدة عند العديد من النازيين السابقين، وجندتهم لصالحها، لا سيما أن بعضهم كان ضمن قائمة الأشخاص المطلوب القبض عليهم لسجنهم أو إعدامهم. وهناك من يستخدم الخداع السياسي القائم على التزييف والتضليل، اللذين يدخلان ضمن أساليب الحرب النفسية، في أعمال التجسس، لا سيما في إيصال معلومات خاطئة إلى العدو، تؤدي إلى تشتيت انتباهه وإرباكه ودفعه إلى تبني خطط وتكتيكات هزيلة ومفضوحة.

إعلان