إعلان

رسائل السيسي في الندوة التثقيفية

د. إيمان رجب

رسائل السيسي في الندوة التثقيفية

د. إيمان رجب

* زميل أبحاث مقيم بكلية الدفاع التابعة لحلف الناتو بروما

ورئيس الوحدة الأمنية والعسكرية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

09:00 م الإثنين 15 أكتوبر 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

تُعد الندوة التثقيفية التي عقدت، منذ أيام، من أهم الندوات التي عقدت منذ تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي السلطة في 2014، لأنها تساعد على فهم توجه الرئيس خلال فترة الولاية الثانية في التعامل مع عدد من القضايا التي دار حولها جدل في الفترة الماضية.

حيث تضمنت الكلمة التي ألقاها الرئيس في هذه الندوة التي تعد هي الأولى بعد إعادة انتخابه خمسَ رسائل رئيسية، تدور في أغلبها حول قضايا داخلية تؤثر بطبيعتها على عملية "تثبيت" الدولة المستمرة حتى 30 يونيو 2022، والتي ستجعل مصر "دولة تانية" وفق تعبير الرئيس السيسي.

تتمثل الرسالة الأولى في وجود فجوة معرفية لدى فئات الشعب المختلفة حول قدرة الجيش المصري على مواجهة المخاطر؛ حفاظًا على كرامة الدولة، فهناك جيل عاش ظروف الهزيمة في 1967، وتحمل أعباء خوض حرب 1973، ومن ذلك الجيل من شارك في الحرب تطوعًا أو تلبية لنداء الواجب.

وأذكر حكايات والدي معنا وهو يروي لنا تفاصيل تلكم الحربين، وكذلك روايات قادة الجيش في حرب أكتوبر والذين شرفت بلقائهم أثناء دراستي في كلية الدفاع الوطني بأكاديمية ناصر العسكرية العليا، وهي روايات مليئة بتفاصيل كأنها كانت أمس.

وهناك أجيال تالية عديدة نشأت على أوضاع أخرى. ولكل من هذه الأجيال تصوره وإدراكه لتاريخ بلدنا ولدور قواتنا المسلحة في الحفاظ عليها.

وجزء من الإدراك المشوه لدى بعض الأجيال والذي نسمعه في مناسبات متعددة، مرتبط بأحاديث كثيرين حول جدوى التوسع في شراء الأسلحة، خلال المرحلة الحالية، ويلاحظ أن من لا يعي التاريخ يتبنى مواقف سلبية من هذا التطور، ويعقد مقارنات تكشف عن سطحية الوعي بما يجري حولنا.

وربما يكون حرص الرئيس السيسي، منذ كان وزيرا للدفاع ثم رئيسا للدولة، على الانعقاد المنتظم لهذه الندوات، هو لكونها منصة مختلفة للتواصل مع الأجيال المختلفة من النخبة المثقفة والقائمين على الإعلام والصحافة، وربما الأهم بعض ممثلي الشباب وطلبة الجامعات، وهي تسهم في توعيتهم بالدور التاريخي للجيش في حماية الدولة.

وتتعلق الرسالة الثانية بالإرهاب الذي أكد الرئيس أن المعركة معه لا تزال مستمرة، رغم مرور ست سنوات، وهذه الرسالة تقدم ردًا على كل من يسارعون بالحديث عن "نهاية" الإرهاب أو "نهاية" عشماوي أو "نهاية" أنصار الإسلام في أعقاب أي تطور إيجابي تحققه قوات إنفاذ القانون، وهو تسرع ناتج عن تصدر غير المتخصصين للمشهد، فضلا عن أنه يهز ثقة الناس فيما يبذل من جهود لمكافحة الإرهاب.

كما أن المقارنة التي تحدث عنها الرئيس بين الشهيد أحمد المنسي وهشام عشماوي، وتأكيده على ضرورة محاسبة الأخير على ما ارتكبه من إرهاب، تفيد بأن التركيز على تصحيح الفهم الخاطئ للدين، بهدف مكافحة الأفكار الراديكالية والمتطرفة التي تؤدي للإرهاب ليست كافية، فمن المهم أن تتحرك الجهات المعنية لمعالجة الأسباب الأخرى غير الدينية، والتي لم تلقَ اهتماما كبيرًا من تلك الجهات طوال الفترة الماضية.

وتنصرف الرسالة الثالثة إلى مشكلة الوعي بالتحديات التي تواجهها الدولة والبرامج التي يتم العمل على تنفيذها، من أجل تحسين حياة الناس، فمرة أخرى يؤكد الرئيس على دور الشائعات في خلق "وعي زائف"، وكيف أنه من المهم أن تكون هناك كتلة تؤمن بمتطلبات عملية تثبيت الدولة، وتسهم في تلك العملية ليس في الجيش والشرطة فقط، وإنما في أجهزة الدولة الأخرى وفي الجامعات وغيرها.

وتتعلق الرسالة الرابعة بمن سماهم الرئيس أصحاب "الكلام المترتب"، ومن يتطوعون لتشخيص التحديات التي تواجهنا، ولكنهم لا يدركون حقيقتها، ومن يسعون لتقديم توصيات غير قابلة للتنفيذ أو قد تؤدي لنتائج سلبية.

وهذه الرسالة تمثل- في جوهرها- دعوة لإعادة النظر في أسلوب اختيار من يقدمون النصح والاستشارة لدوائر صنع السياسات في بلدنا، وضرورة تطوير معايير واضحة تسمح باختيار الأكثر كفاءة، خاصة أن هؤلاء كثر، ونجحوا في أن يثبتوا وجودهم على أكثر من مستوى، ولكن لم تنجح الدولة في الاستفادة منهم بعد.

وركزت الرسالة الخامسة على أن مصالح الدولة أولوية وفوق المصالح الشخصية، والتي تمثل السبب في معظم القضايا التي عالجتها الرسائل السابقة، خاصة أن تضخم المصالح الشخصية كما يعلمنا التاريخ كان سببا في كثير من المشاكل التي تعرضت لها بلدنا، وسببا في إقصاء الكفاءات والاستعانة بمن هم أقل كفاءة، وسببا في انتشار الفساد، دون حساب أو عقاب، وكذلك كان سببا في تسليط الضوء على شخصيات لا تملك ما يمكن أن تسهم به في عملية تثبيت الدولة.

إعلان