إعلان

محاولة لمعرفة ما جرى في إيران (1-2) - قراءة استراتيجية

محاولة لمعرفة ما جرى في إيران (1-2) - قراءة استراتيجية

د. عبد الخالق فاروق
09:00 م الأحد 07 يناير 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

لم يرضَ عام 2017 أن يغادرنا دون أن يترك مزيدًا من الآلام والمصائب والتحديات أمام العرب والمسلمين، سواء كان ذلك بسبب الإرهاب فى مصر، أو ضم القدس إلى الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين، أو غيرها من بلدان الشرق الأوسط، وآخرها كانت الجمهورية الإسلامية في إيران.

هنا سوف نحاول التوقف والتأمل والتحليل لما حدث من انفجار الغضب الشعبي في إيران، خلال الأسبوع الأخير من شهر ديسمبر الماضي وأوائل شهر يناير من العام الجديد، للتعرف على ما حدث؟ وكيف حدث؟ وما الأطراف الفاعلة فيما حدث؟ وما دوافع وأهداف كل طرف من هذه الأطراف؟ وما التداعيات والنتائج المستقبلية لما حدث؟

أولًا: ماذا حدث؟ وكيف حدث؟ وما الأطراف الفاعلة فيما حدث؟

فجأة.. أو هكذا يبدو، انفجر غضب شعبي مهم وملحوظ في عدة مدن إيرانية في وقت متزامن، بدءًا من مدينتي مشهد وأصفهان في أقصى الشرق، وأخذ في الزحف السريع حتى طال بعض شوارع العاصمة الإيرانية "طهران".

وقد بدأت المظاهرات والاحتجاجات برفع شعارات حياتية ومعيشية، وانتقلت سريعا ودون مقدمات كبيرة إلى رفع شعارات سياسية، طالت النظام السياسي في الجمهورية الإسلامية في إيران، وعلى رأسه المرشد السيد على خامنئي، فكسرت ما بدا أنه من المحرمات لدى القطاع الأوسع من السكان في البلاد.

وإذا جاز لنا أن نحدد الأسباب والدوافع الكامنة وراء هذا الانفجار الشعبي الجديد، فإننا نشير إلى ستة دوافع وراء هذا التحرك الغاضب، وهي:

1- خلال السنوات الثلاث الماضية، تزايدت خسائر عشرات الآلاف من الإيرانيين الذين انخرطوا في عمليات توظيف أموال لدى مئات الشركات التى سمحت بها السلطات الإيرانية الرسمية، أو تغاضت عن أنشطتها في تجميع وتوظيف مدخرات أصحاب المدخرات والفوائض المالية الإيرانيين، دون رقابة صحيحة، ما أدى في النهاية إلى انهيار سريع ومفاجئ في هذه التجربة الاقتصادية والمالية غير المدروسة، والتي تنتمى بصورة أو بأخرى إلى النماذج الليبرالية البائسة، وتكررت الوقفات الاحتجاجية المحدودة الأعداد أمام بعض الأجهزة الرسمية، مثل البنك المركزي الإيراني، أو بعض المسؤولين في تلك المقاطعات والولايات، دون أن تجد صدًى أو استجابة من جانب تلك الجهات المسؤولة، مما فاقم من حالة الغضب الكامن المنتظر للحظة الانفجار .

2- وقد زاد عليها أن الموازنة الجديدة للدولة لعام 2018، والتي قدمها الرئيس المعاد انتخابه (د. حسن روحاني) جاءت مخيبة لآمال الكثيرين، سواء لمنحاها التقشفي، وضعف الاستثمارات الحكومية الجديدة، من أجل خلق فرص عمل جديدة للشباب، حيث يعانى الكثيرون منهم من حالة بطالة، تصل نسبتها في إيران حوالى 12%، في وقت كانت فيه الآمال قد انتعشت بتوقيع الاتفاق النووي مع الدول الغربية والولايات المتحدة، وأسهم الإعلام الحكومي الإيراني في تعزيز ذلك الشعور، فإذا بالموازنة الجديدة، والسياسات الاقتصادية المصاحبة لها تحمل الفقراء والطبقة الوسطى ضرائب جديدة، وزيادة أسعار المشتقات البترولية من البنزين والسولار وغيرهما.

3- ومن الأمور المسكوت عنها في البنية الاجتماعية والسياسية في إيران التأثيرات السلبية والتداعيات المصاحبة لبنية العمل السياسي في الدولة الإسلامية، منذ منتصف الثمانينيات، وهي التي ترتب عليها إقصاء سياسي قسري لغير المؤمنين بولاية الفقيه، وعبر مرشحات مثل مؤسسة صيانة الدستور أو تشخيص مصلحة النظام، يجري استبعاد كل من يُشك في ولائه للدولة الإسلامية ومبدأ ولاية الفقيه من الترشح في الانتخابات العامة، بدءا من المجالس البلدية، مرورا بالانتخابات التشريعية (مجلس الشورى)، وانتهاءً بالانتخابات الرئاسية.

فظل النظام مغلقا على تيارات سياسية مرتبطة بالنظام الإسلامي، سواء في صورة من يسمون "الإصلاحيون" أو "الأصوليون المحافظون"، وهي بالمناسبة تعبيرات أطلقتها وسائل الإعلام الغربية، وتماهت معها السلطات والإعلام الإيراني. وكان لهؤلاء المستبعدين قسرا دورٌ كبيرٌ في كل الاحتجاجات والتظاهرات المعادية للنظام الإسلامي في إيران، سواء عام 2009 أو 2017، خاصة أنهم يشكلون شريحة واسعة من السكان تمتد من بقايا صفوف اليسار الإيراني، مرورا إلى الليبراليين، انتهاءً ببقايا أنصار نظام الشاه السابق.

4- يضاف إلى هؤلاء وأولئك المتظلمون من الإثنيات غير الفارسية، الذين يشكلون نسبة ليست قليلة من المجتمع الإيراني (حوالى 35%)، والذين تنشط بينهم أجهزة الاستخبارات العربية والغربية، لتقليب المواجع، وتسليط الأضواء المصحوبة بمبالغات شديدة بشأن الظلم الاجتماعي والسياسي، الذى يتعرضون له، وخصوصا البلوش والعرب الأحوازيين، والأكراد، وبعض هؤلاء يتحركون في أوقات الأزمات السياسية، ومن هنا يمكن فهم بداية التحركات الاحتجاجية الخيّرة من مواطن تلك الأقليات الإثنية في الأحواز، ومشهد، وأصفهان، والمناطق الكردية.

5- ومن بين تلك التيارات الشوفينية، من كل الإثنيات والجماعات السياسية (فرس – بلوش – عرب – كرد) الذين يرفعون شعار "إيران أولا"، تماما كما كان في مصر في مطلع حكم الرئيس السادات، ومن بعدها انتشر الشعار ومصاحباته فى كافة البلدان العربية، وهذا التيار المعادي لدعم إيران لحركات المقاومة في فلسطين ولبنان وسوريا والعراق واليمن، بمبالغ قد تزيد سنويا على 100 مليار دولار، تتغذى على الدعاية الغربية، وبعض الدول العربية المجاورة التي تتلاقى مصالحها في اللحظة الراهنة مع إسرائيل والولايات المتحدة، وهؤلاء برغم أنهم لا يجمعهم رؤية أو تنظيم واحد، فإنهم موجودون في كافة قطاعات المجتمع الإيراني، حتى لو كان حجمهم أقل عددا، وأقل تأثيرا، ويمتد وجودهم، بدءا من تنظيم مجاهدي خلق، وانتهاءً بأنصار النظام الملكي الشاهي.

6- وأخيرا نأتي إلى دور عناصر أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية والغربية والعربية، التي تلاقت مصالحها على هدم وتقويض النظام الإسلامي في إيران، بسبب دعمه لحركات المقاومة العربية، وهذه الأجهزة التي نشطت في قتل علماء الذرة الإيرانيين– تماما كما فعلوا من قبل مع علماء الذرة العراقيين والمصريين– تتولى دعم ومساندة هذه التحركات الاحتجاجية بكافة الوسائل المتاحة لديها، بدءا من نشر الإشاعات، مرورا بتوفير شبكات الإعلام المعادية، وانتهاءً بتوفير الأموال والأسلحة.

 

هكذا تدخلت الخطوط والألوان في الساحة الإيرانية في الأسبوع الأخير من شهر ديسمبر، من عام 2017، وتماهى أصحاب الحقوق المشروعة المطالبون بالإصلاح الاقتصادي، بهؤلاء المغرضين والمدفوعين من قوى وأطراف خارجية معادية. ولكن يظل السؤال قائما: ما أهداف تلك الأطراف؟ وهو أفق المستقبل أمام إيران ونظامها الإسلامي.

إعلان