إعلان

"لايصين كومبليتلي"

"لايصين كومبليتلي"

أمينة خيري
09:01 م الإثنين 29 يناير 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

المعارضة مقموصة، والسلطة مزنوقة، والملايين في الشارع "لايصين كومبليتلي" على رأي الدكتور محمد البرادعي. الأحداث والحوادث المتواترة على مدار الأسبوعين الماضيين كفيلة بأن تُفقد العاقل عقله والصابر صبره، فما بالك بمن فقد عقله قبل سنوات وشحّ صبره على مدى عقود؟!

عقود التجريف الماضية تطل علينا هذه الآونة وهي تضحك ملء شدقيها، وهي تنفي مسؤوليتها عن هذا الكم من الهزل الذي نعيشه، وتدعي أنها جرفت وقحطت وقحلت ولكن ليس لهذه الدرجة.

الدرجة التي وصلت إليها الحياة السياسية في مصر من هزل غير مسبوق، وعلى الرغم من لوم مستحق على السلطة لعدم اهتمامها بإنعاش الميت وإيقاظ النائم، وربما عتاب رقيق- خوفًا مما هو غليظ- على روائح تضييق وأمارات تخويف، إلا أن مهمة الحكم ليست المعارضة وتحفيزها على المشاركة وإرغامها على عمل الـ Homework المتقاعسة عنه. صديق نقل عن صديقة دعابة فيسبوكية تصور الرئيس السيسي سائلاً رئيس الهيئة الهندسية للقوات المسلحة اللواء كامل الوزير كعادته: "يا كامل! تأخذ وقت قد إيه وتسلم البلد معارضة محترمة قوية؟" فيرد كامل (الوزير): "استقالتي هتكون عندك الصبح ياريس".

وقد أنعم الله- سبحانه وتعالى- على مصر بقوة بشرية هادرة وقدرة لا تتوقف أو تكل أو تمل على الإنجاب. ومن بين الملايين التي أتمت عامها الأربعين وترى في نفسها القدرة والرغبة على الترشح لمنصب الرئاسة، أو اصطفت من قبل لتؤسس وتشن وتعمل عملاً يسمونه "عملاً حزبيًا" في أحزاب قديمة يراها البعض عريقة، أو جديدة ينعتها البعض بأنها خرجت من رحم الثورة، أو حتى أحزاب سد الخانات وملء الفراغات والتي ركزت جهودها على تأييد الرئيس وتشويه كل ما أو مَن مِن شأنه أن يشوّه أو ينتقد أو يعارض، ألم يتنبه أحد إلى أن العام 2018 هو عام الانتخابات الرئاسية المصرية؟

الانتخابات المصرية الرئاسية التي أعيت من يتابعها، و"عيت" من يحللها، ووعت من يتجنبها، هي حلقة من حلقات مسلسل الكشف وإزاحة النقاب والستار والحجاب عن عورات التركيبة السياسية التي لا يمكن فصلها عن التركيبة الثقافية. وعلى رأي الراحل الجميل علاء ولي الدين "أنا في الشدة شديد وفي القوة قوي قوي قوي"، تهب علينا المعارضة والمعارضون في مواسم الاستحقاقات وأيام الانتخابات ليصوروا لنا جهودهم العاتية وتحركاتهم الهادرة من أجل إثراء الحياة السياسية والتعجيل بتنمية الديمقراطية والتأكيد على التعددية وممارسة الحقوق السياسية، ثم يختفون وكأن شيئًا لم يكن.

وكان المواطنون- أو بعضهم- يتفاعل ويتعاطف ويتضامن مع المعارضة في عقود مضت. ورغم كرتونية أو رومانسية بعضهم، إلا أنهم كانوا قادرين على إشعار الناخب أنهم على قيد الحياة. لكن هذا التضامن والتعاطف لم يعد له مجال على الرغم من "وثيقة الإدانة" الخماسية، وحديث المظلومية السياسية، وقصص التضييقات والتلفيقات. في الوقت نفسه، لا يمكن اعتبار انعدام التضامن سمة من سمات تأييد الحكم بالضرورة.

فالناس "لايصة كومبليتلي"! وفي ضوء السدة السياسية الحالية وموت المعارضة السريري، يشار إلى أن هناك حاجة ماسة إلى طاقم من المستشارين السياسيين المحنكين (وليس محللين استراتيجيين وعسكريين) لتقديم المشورة والرأي لتحريك المياه السياسية المتجمدة. جمود المنصة السياسية لا يضر المعارضة وحدها، ولا يؤثر سلبًا على المشاهد الانتخابية فقط، لكنه يضرب الحياة كلها في مقتل.

وللعلم، فإن الحراك السياسي العنكبوتي الزاعق على أثير العنكبوت ليس حياة سياسية. سمّه تعبيرًا أو نقاشًا أو سجالاً، وفي أغلب الأحوال يتحول سبًا وشتمًا وتشويهًا وتحقيرًا، لكنه ليس حياة سياسية. والنقاشات الشارعية العنترية، حيث سائق التاكسي يفضي إليك بمعلومات خطيرة عن مرشح رئاسي، أو أسرار رهيبة عن وضع مصر الاقتصادي، أو جارك على مقعد المترو يؤكد أن مصر في طريقها إلى الإفلاس أو على وشك الانطلاق كنمر أفريقي- ليست إلا نتاجًا طبيعياً لشحّ المعلومات. وإطلاق ملوك وأباطرة التوك شو علينا بنظريات وأقاويل سياسية ما أنزل الله بها من سلطان، أو حملات تعبوية وأخرى توجيهية لن تكون بديلاً لساحة سياسية حقيقية يمكنها أن تبدأ بعد إغلاق ملف انتخابات الرئاسة لعام 2018.

إعلان