إعلان

بهاء طاهر يهفو إلى رقصة زوربا

بهاء طاهر يهفو إلى رقصة زوربا

د. أحمد عبدالعال عمر
09:54 م الأحد 28 يناير 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

يسكن هاجس البحث عن "الفرح الشخصي" عالم الأستاذ بهاء طاهر الأدبي، وتتردد في أجواء معظم أعماله أصداء التساؤلات المضنية التي عذبت أبطال روايته "الحب في المنفى"، وهم يبحثون عن "الفرح المفقود"، ولخصها "إبراهيم" أحد أبطال الرواية، عندما قال مخاطبًا صديقه: "هل تعرف كيف صدر الأمر بحرماننا من السعادة؟ وما الفائدة أن يجد الإنسان ما ظل يبحث عنه طول عمره ولكن بعد فوات الوقت؟"

غير أننا نجد الأستاذ بهاء طاهر، الذي احتفلنا في الثالث عشر من هذا الشهر، بعيد ميلاده الرابع والثمانين، يبشر في قصته القصيرة "الجارة" المنشورة ضمن مجموعته القصصية الأخيرة "لم أعرف أن الطواويس تطير"، بفلسفة جديدة في الحياة، قوامها جعل السعادة غاية وجودية، والبحث عن رقصة "زوربا"، تلك الرقصة التي مثلت للأديب والشاعر اليوناني "كازانتزاكس" حب الحياة وعشق الفرح.

وأول ما سنتوقف عنده في محاولتنا عرض قصة "الجارة"، والفلسفة الجديدة المتضمنة فيها، هو اسم بطلها المصري "عويس". وعلينا هنا أن نلاحظ "التشابه اللفظي" بين "عويس" وبطل رائعة جيمس جويس "عوليس"، ذلك البطل المتجول الأبدي، الذي يعاني عذاباً شديداً، ويجتاز المهالك، حتى يصل إلى هدفه. وإذ يحقق هدفه، يعود من جديد خطوة خطوة إلى حيث بدأ، إلى موطنه بمدينة "إيثكا"، وإلى زوجته الحبيبة الوفية "بينلوبي"، وابنه "تيليماخوس".

أما "عويس" المصري في قصة "الجارة"، فهو مهاجر إلى فرنسا، كان عمله كمراجع حسابات يحتاج إلى تركيز، ولا يسمح له بأن يترك نفسه للعواطف. وقد ضاع عمره وانقضى دون أن يعرف معنى الفرح الحقيقي. وما أشبه عمل "عويس" هنا بعمل المفكر والمبدع مرهف الشعور، الذي يسعى لفهم وتفسير حكمة الحياة، والكشف عن الخفايا المكتومة في الأحداث والناس، فيفوته أن يعيش حياته ويستمتع بها.

وملهمة "عويس" التي تعلم منها حب الحياة والعيش بفرح في قصة "الجارة"، كما تعلم كازانتزاكس من "زوربا" الحقيقي، الذي التقاه في السواحل الجنوبية لليونان، هي مدام "سوروندون بيويل" الأرملة العجوز التي قاربت الثمانين، وهي جارته التي تسكن معه هو وزوجته الفرنسية "روزالين" في المبنى ذاته بإحدى المدن الفرنسية.

يصفها عويس فيقول عنها: "في عينيها برغم سنها التي قدرت أنها تقارب الثمانين نظرة مرحة، تكاد تكون نظرة شقاوة طفولية". وهي على قناعة تامة بأن "الحياة هي مرة ويجب ألا نضيع الوقت... يجب أن نستمتع فيها بكل لحظة". ولهذا ترغب في أن تعيش ألف عام، وأن تستمتع بكل لحظة من عمرها كما دعاها لذلك زوجها الراحل الذي عاش ومات بفرح.

ومعنى أن نعيش لألف عام عندها هو: "أن نفرح بكل دقيقة في هذه الدنيا قبل أن نودعها".

وعندما تمرض مدام "سوروندون بيويل"، يجد "عويس" في هذا مصابه الشخصي، ويخاطبها قائلًا: "لا تخذليني يا جارتي الشجاعة، أنا ألتمس من شجاعتك الأمل الذي ضاع مع عمر انقضى دون معنى ولا فرح؛ فلا تتركيني وحيدًا، هيا عيشي ألف عام كما وعدت زوجك".

لذلك يخاطبها في نهاية القصة، وبعد شفائها وخروجها من المستشفى، قائلًا: "أبقي معنا أرجوك، أبقي معنا دائمًا، فأنا أيضا أريد أن أعيش ألف عام".

إذن الرسالة التي يريد بهاء طاهر إيصالها إلينا في قصته الأخيرة "الجارة" هي: عيشوا الحياة بفرح، ولا تجعلوا الأحلام ولا الأيام تهزمكم، ولا تثقلوا قلوبكم بالأحزان. وربما أصبح "فارس الحزن النبيل الأستاذ بهاء طاهر" في هذه المرحلة من حياته يعتقد ويبشر برأي الفيلسوف الهولندي "إسبينوزا"، الذي يتلخص في "أن الفرح معادل للفضيلة، والحزن معادل للرذيلة".

 

إعلان

إعلان

إعلان