إعلان

خمسون يومًا على قرار ترامب بشأن القدس

محمد جمعة

خمسون يومًا على قرار ترامب بشأن القدس

محمد جمعة
09:01 م الخميس 25 يناير 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

 

رغم كل الجدل المثار بشأن سقف وطبيعة ردود الأفعال العربية والفلسطينية (الرسمية والشعبية) حتى الآن، على قرار ترامب، في السادس من ديسمبر الماضي، بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل. ففي تقديري أن ردود الأفعال هذه، وكان آخرها مؤتمر الأزهر بالقاهرة، واجتماعات المجلس المركزي الفلسطيني، بـ"رام الله" - تشير بوضوح إلى أن كل الرهانات على أن تجاوزاً لموضوع القدس، وتجاهلاً أو تغاضياً عن الموضوع الفلسطيني برمته، لصالح ترتيبات إقليمية يدعو لها البعض في واشنطن وتل أبيب (بذريعة وجود مصالح مشتركة إسرائيلية مع دول عربية) هي مجرد رهانات خاطئة وحسابات غير واقعية، وأنّ القضية الفلسطينية (رغم الحرائق المنتشرة في الإقليم) لا تزال في مركز السياسة الإقليمية.

لقد شكلت الخطوة الأمريكية الأخيرة بشأن القدس دليلاً على أمرين:

أولهما أنّ الحديث عن موافقة عربية على عدم الربط بين القضية الفلسطينية وباقي الملفات الإقليمية ومسألة الدور الإسرائيلي فيه الكثير من المبالغة والتسرع.

والأمر الثاني أنّ إدارة "دونالد ترامب" تفتقد لإستراتيجية أمريكية قومية في الشرق الأوسط، وهي ترهن كل شيء بالرغبات الإسرائيلية واللوبي الداعم لها.

فلو كان لدى إدارة ترامب وفريقه المقرب إستراتيجية حقيقية تخص المنطقة العربية، وتريد بناء تحالفات جديدة، وتريد مثلا إدخال الطرف الإسرائيلي للمشهد، ما تسرّعت بتنفيذ خطوة القدس. ولكن هذه الإدارة لا تستمع حتى للقيادات اليهودية التقليدية الأمريكية، وتخضع لتوجيهات وتأثيرات عدد من الأصوليين اليهود في الولايات المتحدة الأمريكية، الذين يصعب حتى رؤية وجود مكانة أو احترام حقيقي لهم داخل دوائر اليهود الأمريكيين.

لقد أثبتت خطوة ترامب المتسرعة بشأن القدس أن الهدف "الأمريكي– الإسرائيلي" هو الهروب من أي تسوية للقضية الفلسطينية، وليس ما جرى زعمه من وجود ملفات أخرى أهم.

واتضح أن تضخيم موضوع إيران التي تستفيد من السياسات الأمريكية في العراق وأفغانستان وسوريا هو فقط " توظيف" للرفض الخليجي (المبرر والمنطقي) للسياسات الإيرانية، ومحاولة لترويج أهمية تغيير الأولويات (ليس لوجود أولويات أخرى حقاً) ولكن هرباً من استحقاقات الملف الفلسطيني.. فإيران لا تبدو كأولوية أمريكية، بذات الدرجة التي يصورها لنا خطاب ترامب.

صحيح أن ترامب وفريقه حاولا ترويج أن "خطوة القدس" سيليها تحرك لعملية السلام. وجرت محاولة إقناع بعض القادة العرب، وحتى الرئيس الفلسطيني محمود عباس، ولكن بدون تقديم أي تفاصيل مقنعة.

ورغم أن هذه الفكرة (أي حسم ملف القدس لصالح إسرائيل، كمقدمة لتسوية سياسية) تفتقر أي منطق، فقد بات واضحا- بعد مرور خمسين يوما على قرار ترامب- أن كل ما قيل عن "اتفاق نهائي" أو "صفقة القرن" ليس أكثر من فقاعة، وأن أي تفاصيل سيتم اقتراحها لن تخرج عن روح الخطوة التي اتخذت بشأن القدس، بحيث تصبح الخطوات المقبلة، مجرد الاعتراف بالوقائع التي يسعى قادة إسرائيل لفرضها أو تكريسها على الأرض.

الآن، عندما نقيّم المردود العملي- على الأرض- لخطوة "ترامب" سنلاحظ أمرين مهمين:

-أولهما أن الإدارة الأمريكية الحالية ربما أثارت غريزة الهجوم- على الفلسطينيين- عند نواب الكنيست.

فقبل أن ينتهي ديسمبر الماضي، اتخذ الكنيست القرار اللازم لسن قانون يتطلب أغلبية الثلثين تصويتا لتغيير حدود القدس في إطار أي اتفاق سلام.

ويبدو أن هذا القانون يأتي ضمن موسم قطف ثمار تواجد إدارة ترامب، وموسم المزايدات السياسية والتسابق على إظهار العداء للفلسطينيين، بين السياسيين الإسرائيليين الذين لديهم حظوظ انتخابية، والملاحقين بقضايا فساد في الوقت ذاته.

وهنا علينا أيضا أن نقف عند دلالات توقيت اتخاذ "الليكود" الحزب الحاكم في إسرائيل، قراره بالموافقة على السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية.

-وثانيهما: على الجبهة الأخرى، حيث لم يتوقف التصعيد بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية في قطاع غزة. ولأكثر من شهر الآن لم يتوقف إطلاق الصواريخ باتجاه إسرائيل. بل إن الأوضاع اليوم تحاكي تلك الأجواء التي سادت قبل اندلاع المواجهات الثلاث السابقة، وخصوصا عملية "حد الدفاع" في صيف 2014. وبالتالي فالطريق نحو جولة مواجهة جديدة- بعد أكثر من ثلاث سنوات من الهدوء النسبي- يبدو أقصر.

والأرجح أنه ينتظرنا صيفٌ ساخنٌ في غزة. وحتى في حال نجحت مصر في الحفاظ على استمرار الهدوء، فالمؤكد أنه لا توجد "صفقة قرن" بعد أن تبين عدم إمكانية تجاوز ملف القدس.

إعلان