إعلان

مجدي الجلاد: رحلة في عقل "السيسي"..!

مجدي الجلاد

مجدي الجلاد: رحلة في عقل "السيسي"..!

مجدي الجلاد
11:00 م السبت 20 يناير 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

كان يومًا ملتهبًا، كتلك الأيام التي تلت ثورة يناير 2011 .. إنها المرة الأولى التي ألتقي فيها باللواء عبدالفتاح السيسي، مدير المخابرات الحربية.. قاعة أنيقة في وزارة الدفاع، بحضور عدد من قيادات وأعضاء المجلس العسكري الذى وجد "مصر" فوق أكتافه ذات لحظة.. مصر المثخنة بجراح الماضي المترهل، والخارجة لتوها من "أتون" ثورة بلا خبرة، ولا تجارب ثورية سابقة..!

رجل هادئ.. يفكر قبل أن يتحدث.. عسكريٌّ حتى النخاع.. يكفيك دقائق قليلة كي تكتشف اعتزازه الشديد بالمؤسسة العسكرية.. شرف العسكرية والأمانة الصحفية لا يسمحان لي بذكر ما دار يومها.. غير أنني غادرت الاجتماع معجبًا بتلك الشخصية.. وطوال 6 سنوات تقريبًا كنت وما زلت مهتمًا بتحليلها.. لماذا؟!.. لأن الأقدار وضعت " السيسي" في تحديات متلاحقة يصعب على الكثيرين تحملها..!

وفى الأيام الثلاثة الأخيرة.. كنت مهتمًا أكثر بتحليل شخصيته.. ربما لأن مؤتمر "حكاية وطن" كان الأكثر تعبيرًا ودلالة عن تركيبة إنسانية أثارت حيرة الكثيرين في الداخل والخارج.. فدقة الاختيارات والتنظيم وضعت الرئيس أمام الشعب 15 ساعة متواصلة على مدار ثلاثة أيام.. وهى جرعة مكثفة تكفى لتواصل حميم مع المواطنين..!

فهل يسمح لي القارئ الكريم والرئيس بمحاولة الغوص في "عقل" الرجل الذي يقود "وطني" في مرحلة شديدة الحساسية والخطورة..؟!

1- كسر التابوهات:

مبدئيًا .. التابو كلمة "بولينيزية" تنتمي للغة سكان جزر المحيط الهادئ.. وتعنى المحرم أو الممنوع أو المقدس لدى الأفراد والجماعات.. وببساطة أكثر هي تلك "الحواجز" التي نصنعها بأيدينا.. فنكبل بها أنفسنا، دون تفكير عميق ومنطقي وجريء حول جدواها..!

يؤمن "السيسي" بكسر التابوهات التي صنعها أسلافه.. لذا فهو يقتحم ملفات وأزمات "دفنها" رؤساء سابقون خشية غضب الرأي العام أو تداعيات لا طاقة لهم بها.. يقولها كما فعلها: "الإصلاح الاقتصادي خطوة تأخرت 40 عامًا، وإذا استمر الوضع كانت الأمور ستذهب إلى إسقاط الدولة".. وبصراحة ومباشرة أكثر يقول: "رفضت إرجاء خطوة الإصلاح الاقتصادي حفاظًا على شعبيتي التي أكتسبها في الشارع المصري، وفق ما نصحني البعض"، وهي إشارة واضحة إلى أن بعض مستشاريه نصحوه بتأجيل قرارات عدة، حتى لا تتأثر شعبيته في الشارع..!

ولكنه يعود لجرأة أكبر بقوله: "تأجيل قرار الإصلاح الاقتصادي إلى عهد الرئيس الجديد دي تبقى خيانة.. يعنى أنا أبقى عارف واسيبها للي بعدي تتخرب.. مش هسيب مصر خرابة للي بعدي"..!

وهكذا.. يمكنك قياس وتحليل قرارات وخطوات "السيسي" استنادًا إلى تلك "السمة".. بدءًا بمقاومة الفساد، باعتباره أحد "مراكز القوة" في الدولة.. إذ لم يعد أحدٌ كبيرًا على الحساب.. وزيرًا أو محافظًا.. مرورًا باستبعاد أي مسؤول يخطئ في عمله، أو يغرد خارج السرب، أو يثبت عدم كفاءته، مهما كان حجمه.. وانتهاءً بكسر "الحاجز الوهمي" التاريخي بين الرئيس والشعب.. وهو ما يفسر إصرار "السيسي" على التحدث بتلقائية وارتجال بلغة بسيطة.. من لسانه وقلبه إلى آذان وقلوب المواطنين مباشرة..!

2 – المحاسبة.. حق وليست هبة:

"السيسي" لا يريد نفسه "زعيمًا" ينطق بالوحي.. هو مواطن وضعته الأقدار في موقع خطير ومسؤولية جسيمة.. وربما كان هذا الفهم وراء عرضه كشف حساب لفترته الرئاسية الأولى أمام المواطنين.. فهو بذلك يقول لهم: "لست فوق المحاسبة.. من حقكم تقييمي ومحاسبتي".. غير أن الرسالة الأعمق موجهة لباقي المسؤولين: "أنا أقف أمام الناس لعرض نتائج عملي.. وأنتم لستم فوق الحساب"..!

ولأنه " إنسان".. لا يتبرم، ولا "يتكبر" على الاعتراف بوجود أخطاء: "والله يومي بيبدأ الساعة 5، وما بقدرش أنام تاني، وأنا في حالة تفكر وتدبر طول الوقت، و100 مليون أجرهم عظيم- لو أحسنت- لما أروح عند ربنا، وأنا يا رب أكون أحسنت، وأحياناً ببقى متحرج أكلم الناس الساعة 6 الصبح.. صحيح ما همّا بيبقوا نايمين، أنا بكره العجز والظلم، أرجو أن تتقبلوا اعتذاري، إذا رأيتم أن هناك أخطاء.. وأنا أخدت قرارات بعض الناس ممكن تراها خطأ زي التعويم، وإن شاء الله ما كانشِ فيه أخطاء، في ظل الظروف اللي إحنا كنا موجودين فيها"..!

3- زرع الأمل:

شخصيًا.. أهوى النظر بتركيز شديد إلى "عيني" السيسي، حين يتحدث عن المستقبل.. إذ تبدو نظراته واثبة بثقة وقوة إلى الأمام.. ومنذ توليه الرئاسة وهو يسعى بإصرار إلى زرع الأمل في النفوس.. وربما كان ذلك أكثر وضوحًا في مؤتمر "حكاية وطن".. فالرجل- وفقاً لتحليلي- يدرك أن مصر عانت طويلًا من الإهمال والعشوائية في التخطيط والتنفيذ والإنجاز.. ثم واجهت "ثورتين متتاليتين" أرهقتاها إلى أقصى حد.. لذا فهو يؤمن أن الأعباء والأزمات ينبغي أن نقتحمها بـ"الأمل".. الأمل بالعمل: "ما تخافوش إنكم تفشلوا وتتنازعوا وتتصارعوا وتذهب ريحكم، وواجهوا التحديات بالأمل والعمل".. ثم يقول: "في 30 يونيو 2018 هتلاقوا حاجة مختلفة تماماً ".. و"بمفردي لا أستطيع عمل شيء، لكن معاً نستطيع أن نقهر أعتى التحديات".. ثم يعود مرة أخرى لموقع المواطن الذي يؤكد أنه لم يكن طالبًا للسلطة بقولة: "مؤسسات الدولة أصبحت مستقرة وعميقة في أرض الدولة، وبالتالي لا يوجد أى مشكلة في أن يتغير الرئيس أو الحكومة"..!

"السيسي" يريد أن يقول إن "السلطة" في ظروفنا وحالتنا ليست "جاهًا" ولا مغنمًا.. وإنما أمانة اختارته فحملها.. وإن جاء من يمنحه الشعب ثقته.. فسيجد دولة.. كانت "شبه دولة"..!

وللرحلة في "عقل الرئيس".. بقية، إن كان في العمر بقية..!

إعلان