إعلان

حول إرهاب "داعش" في مصر مع بداية عام جديد

حول إرهاب "داعش" في مصر مع بداية عام جديد

محمد جمعة
09:00 م الثلاثاء 02 يناير 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

دائمًا مع انتهاء عام، وبداية عام جديد، تبرز الحاجة إلى تقييم مسيرة الوطن، ورصد التحديات التى تجابهه وتحاول تعطيل تلك المسيرة، بل وغالبًا تفرض جدول أعمال غير مرغوب فيه.

وقد أبت قوى الشر إلا أن تمتد أياديها بالغدر، لتسفك المزيد من دماء المدنيين الأبرياء، مع الساعات الأولى من أول أيام العام الميلادي الجديد. تجلى ذلك في الهجوم الإرهابى بمنطقة العمرانية بالجيزة .... فالرسالة هنا واضحة، أن الإرهاب بالفعل ودون مبالغة، يشكل في هذه الآونة أحد أهم التحديات التي تجابه وطننا الغالي.

مصر بالفعل تجابه نشاطًا إرهابيًا يرتكز إلى أذرع إرهابية ثلاثة، تتمثل في:

- داعش وخلاياها وفروعها في مصر.

- الجماعات الأقرب إلى تنظيم القاعدة، والتي نشطت في مصر خلال العام 2017.

- الجماعات المنبثقة عن الإخوان المسلمين في طبعتها الثالثة، أي حركتا "حسم" و"لواء الثورة"، اللتان وضعتهما بريطانيا في قوائم الإرهاب.

ولأن داعش لا تزال تمثل الذراع الأنشط والأخطر والأكثر دموية، فقد رأينا أهمية في أن نتذكر مع العام الجديد ما يلي:

- تمارس داعش وفروعها في مصر عمليات تشير إلى مستوى من الكفاءة غير مسبوق في تاريخ حركات الإرهاب في مصر، بما فيها الموجة التي استمرت خلال الفترة من 1992 وحتى 1997 في صعيد مصر.

- وتوظف ما يسمى بـ"ولاية سيناء" بشكل رئيسي لنمطين من التكتيكات:

- الأول: هو تكتيك "الإرهاب الحضري"، ويشمل هجمات في داخل المدن، عبر مزيج من السيارات المفخخة، الهجمات الانتحارية، والاغتيالات المستهدفة.

- النمط الثاني: هو حرب العصابات. بمعنى قيام وحدات صغيرة متحركة بهجمات على طريقة "اضرب واجري"، تستهدف أهدافًا أمنية وعسكرية. وغالبًا ما تكون هذه الوحدات مسلحة تسليحًا خفيفًا، بما يوائم فكرة تجنب الانخراط في مواجهة مباشرة ممتدة مع قوات الجيش أو الشرطة.

صحيح أن نمط "حرب العصابات" ليس جديدًا على مصر، ولكن الجديد يتمثل في كفاءة التكتيكات الموظفة من قِبَل إرهابيي داعش. إذ إنهم يقاتلون بأسلوب مماثل للقوات الخاصة النظامية. والشاهد هنا أن "ولاية سيناء" استخدمت مزيجًا من القذائف المتوسطة (120م)، والخفيفة (60م)، وقذائف "أرض – أرض" موجهة وغير موجهة، وقذائف "أرض – جو" موجهة، ومدافع "آر بي جى" وقناصة لتغطية مساحة التقدم والانسحاب لتشكيلات المشاة التي تتألف من عشرات أو مئات المسلحين (بحسب العملية).

كما تتعزز تكتيكات حرب العصابات بسبب التسليح والتدريب الذي تلقاه هؤلاء الإرهابيون فى خارج مصر، سواء في سوريا والعراق، أو ليبيا، أو حتى في غزة في وقت سابق.

وربما يكون حادث استهداف مطار العريش في التاسع عشر من ديسمبر 2017، هو الأخطر من حيث كفاءة الهجوم، وأهمية الهدف.

- من ناحية أخرى، بالنظر إلى موارد خلايا داعش، وتسليحهم، ومستوى تدريب عناصرها، هناك ثلاث ركائز مهمة، تعزز الأنشطة الإرهابية لـ"ولاية سيناء":

- أولاً: مثلت ليبيا وغزة المصدرين الرئيسيين لإمدادات السلاح، بينما مثلت تركيا وقطر(حتى وقت سابق على الأقل) ظهيرًا سياسيًا لإرهابيي داعش.

- ثانيًا: اكتسبت "ولاية سيناء" بعضًا من كفاءتها العسكرية من:

- عناصر الإرهابيين المخضرمين ممن تدرَّبوا في ساحات قتال خارجية، كما سبقت الإشارة... فبحسب ما قال أحد الإرهابيين في فيديو "صولة الأنصار 2": "لقد جاء هؤلاء القادمون من خارج مصر من أجل محاربة نظام السيسي".

- وعناصر محلية كانت قد نشطت خلال الموجة الإرهابية السابقة التي استمرت من 2004 وحتى 2012. وراكم هؤلاء خبرة كبيرة على امتداد العقد الماضي في العمل المسلح، وبناء شبكات دعم لوجستي محلية.

ثالثًا: ثمة نقلة نوعية على صعيد هيكل التنظيم وبنيته الداخلية، على الأقل منذ أواخر العام 2016، من أهم تجلياتها زيادة فاعلية المكون الأجنبي من عناصر التنظيم. وهنا نكتفي فقط بما أشارت إليه الصحفية المهتمة بشؤون المقاتلين الأجانب الروس، Joanna Paraszczuk، عبر صفحات مدونتها، وفي مقال نُشِر على موقع Jane's 360 الاستخباراتي، إلى أن لديها دلائل على أن مقاتلين أجانب يتحدثون الروسية فروا من الرقة إلى سيناء، وأنها رصدت استخدامهم لألعاب إلكترونية عبر الهواتف الخلوية من مصر. كما أعلن اثنان منهم أنهم يقاتلون في صفوف "ولاية سيناء" الآن.

- من ناحية ثالثة، قد يبدو صحيحًا أن "ولاية سيناء" تعتمد الآن على نقل مسرح العمليات داخل سيناء من مثلث رفح – الشيخ زويد إلى محيط مدينة العريش:

لقد تمركز نشاط "ولاية سيناء" خلال المرحلة الثانية من تاريخها، في المناطق الشمالية الشرقية لمحافظة شمال سيناء، تحديدًا في القرى الواقعة بين الشيخ زويد ورفح، خاصة قريتي "المقاطعة" والمهدية. ولكن مؤخرًا، على ضوء نجاح الحملات الأمنية في قتل عدد كبير من العناصر الإرهابية، والهجرة الجماعية لسكان هذه المناطق، حركت "ولاية سيناء" عناصرها غربًا لتتواجد في المناطق الآهلة بالسكان في العريش وما حولها..

ولهذا تشهد العريش منذ أواخر العام 2016 هجمات إرهابية بشكل مستمر ومكثف، وأيضًا عمليات لمكافحة الإرهاب، الأمر الذي يزيد من خطورة الأوضاع المعيشية بالنسبة للسكان المحليين، ويدفعهم أكثر فأكثر نحو النزوح إلى بلدان وقرى أكثر أمنًا.

وربما يكون لنقل مسرح العمليات الرئيسي أثرًا مزدوجًا: فمن ناحية ابتعدت "ولاية سيناء" عن المناطق الجبلية ذات الطبيعة الوعرة، التي تمثل لها ملاذًا آمنًا، ودرع حماية في مواجهة الضربات الأمنية. وأيضًا، ابتعدت عن منطقة الحدود التي كانت توفر لها فرص التنقل بين سيناء وقطاع غزة لتلافي الضربات الأمنية، ونقل الأسلحة والمقاتلين. الأمر الذي قد يكون فرصة لاستهداف عناصر الجماعة، والإيقاع بهم بسهولة.

إلا أن عملهم داخل مناطق ذات كثافة سكانية مرتفعة نسبيًا، يجعل من تعقبهم من ناحية أخرى، أمرًا أصعب ومكلف للغاية. إذ من شأن أعمال تبادل إطلاق النيران أن تودي بحياة أبرياء. أيضًا، تزداد احتمالات ذوبان الإرهابيين وسط الأهالي، أو استخدامهم كدروع بشرية أو رهائن لتهديد قوات الأمن، وهو الأمر الذي يجعل من ملاحقتهم أمرًا أكثر صعوبة.

حمى الله مصر من كل أهل الشر.

إعلان