إعلان

افتحوا الأبواب!

افتحوا الأبواب!

د. ياسر ثابت
09:00 م الثلاثاء 02 يناير 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

لم تعد التنمية في عُرف علماء الاقتصاد ولا حتى في المؤسسات الدولية تعني فقط التنمية الاقتصادية، ولكنها أصبحت تعني التنمية الإنسانية بأوسع معانيها، فهي تمكين للمجتمع كما أنها تمكين للدولة.

هي تمكين للمجتمع من خلال رفع مستويات التعليم والصحة للمواطنين، خصوصـًا أن مكانة التعليم في مصر تعد بين الأدنى على مستوى العالم، كما لايزال ترتيبنا بين دول العالم في مؤشرات التنمية البشرية هو 111 أي في الثلث الأخير (2017).

والتنمية الإنسانية هي تمكين للمجتمع من خلال إطلاق الحريات المدنية والسياسية، كما أنها تمكين للدولة من حيث التزامها بقواعد الحُكم الرشيد من احترام لحُكم القانون ورشادة في صنع القرار وتحقيق الشفافية فيما يصدر من قرارات ويُتّبع من سياسات، ومساءلة من يصنع السياسات ومن ينفذها فضلًا عن التكافؤ في توزيع أعباء وفوائد السياسات العامة على حد سواء.

لا بدَّ للإصلاح السياسي أن يتواكب مع الإصلاح الاقتصادي بل ويسبقه، وإلا ظل المجتمع مضطربـًا ومنقسمـًا بما يؤدي إلى عرقلة ووأد أية جهود للإصلاح الاقتصادي.

لا قيمة لأي إنجاز يتركه أي حاكم، إن لم يترك وراءه شعبـًا حارسـًا، ولم يترك دستورًا حاكمـًا ومحترمـًا، وبرلمانـًا حقيقيـًا وليس شكليـًا، ومجتمعـًا مدنيـًا فاعلًا، وإعلامـًا حُرًا، ودولة مؤسسات كاملة قائمة على الإرادة الشعبية تستطيع أن تحمي تلك المكتسبات.

دولة الفرد إنجازها مؤقت مهما كان عظيمـًا، وميراثها أكثر هشاشـة وضعفـًا من أن يصمد أمام المتغيرات السياسية. هذا درسٌ من التاريخ لمن يحاولون استنساخ التاريخ.

أما الاستمرار بالطريقة البائسة التي تعتمد على التعتيم وتغييب المعلومات والتوريث في كل موقع وتجاهل القانون ومعايير الكفاءة والموهبة والنزاهة، فهو لن يقود إلا إلى مزيد من التدهور العام.

لا خلط في الدولة الحديثة بين سلطة إدارة الحُكم والنظام العام للمجتمع، ونظام إدارة المجتمع ذاتيـًا لمختلف شؤونه العامة. في الدولة الحديثة لا يكون الحاكم هو الوطن أو الاثنان واحدًا.

الدولة الحديثة أيضـًا لا تمنعها خصوماتها الوطنية- وحتى شن الحروب- من النهوض والنمو والتطور باستمرار. في الدولة الحديثة لا جور أو تعدٍ على النظام العام للمجتمع بدعوى أولوية الخصومة الوطنية.

الدولة الحديثة لا تعرف القول السائر: «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة».

عندما تغيب القواعد الديمقراطية فكل الطرق مفتوحة على المجهول وكل شرعية مرشحة للتآكل وكل السيناريوهات محتملة.

الدولة ليست وصية على المواطنين. شرعية توكيل المواطنين للدولة في تسيير شؤونهم، ونجاحها فيه، رهن بنزولها هي على السياسات التي يشاركون في صياغتها، عن طريق المنظمات الممثلة لهم تمثيلًا حقيقيـًا، وفي وضع معايير تنفيذ هذه السياسات.

التباحث والتفاوض هما جوهر السياسة. هما يستغرقان وقتـًا يعتبره المجبولون على الأوامر والتعليمات مضيعة له، ولكنهما في الحقيقة السبيل الوحيد الفعال لدرء التقلبات العنيفة التي يكرهها أطراف النشاط الاقتصادي ويعاني آثارها المواطنون المستهلكون.

البعض يسأل: ما العمل؟

هناك إجابات واضحة ومتماسكة معرفيـًا وأخلاقيـًا. حُكم القانون والتداول السلمي للسلطة هما شرطا «البداية الجديدة»، ونتائجهما ستتمثل في انفتاح سياسي وعدالة اجتماعية وصون لحقوق وحريات المواطنين ومساواة بينهم دون تمييز. التنمية المستدامة التي تطلق المبادرة الفردية وقوى السوق وتفرض على المؤسسات العامة والخاصة التزام قواعد الشفافية والمساءلة، والتحول الديمقراطي المدار عبر انتخابات دورية وآليات للرقابة والتوازن بين السلطات ومنظومة للعدالة الانتقالية تصارح قبل أن تحاسب بشأن جرائم وانتهاكات وفساد الماضي، والمجتمع التعددي والمتسامح المتجاوز لحروب طائفية أو مذهبية وصراعات الهوية، والمنفتح على الآخر الديني والعرقي والقبلي هي معـًا وجهة المستقبل القريب الذي نرنو إليه.

المطلوب وبشكل عملي ولمصلحة الجميع وبعيدًا عن أي مثاليات هو تحرير البيئة السياسية بالتوازي مع تحرير الاقتصاد من أية قيود، فتح باب التعددية السياسية لاستيعاب حالات الغضب ولفتح المجال أمام بدائل للسياسات العامة التي تبدو معطوبة تمامـًا وعاجزة عن إصلاح الأوضاع العامة في المحروسة.

إعلان