إعلان

بحثاً عن "إكسير الحياة".. حكايات من العام 1900

بحثاً عن "إكسير الحياة".. حكايات من العام 1900

د. هشام عطية عبد المقصود
09:00 م الجمعة 19 يناير 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

ربما كان شغف البشر بتوثيق أوجه حياتهم دافعا نحو اختراع كل شيء، وربما هو أيضا سر التنقيب والارتحال تقصيا لأوجه دهشة الكون، كما مثلت رغبة الحكي التي أرخت حياة الناس تعبيرًا عن تلمس ألفة الطمأنينة وبهجة التحلق حول من يحبون.

وعبرت الخربشات والرسوم الأولى على جدران الكهوف عن كل ذلك لتؤسس فيما بعد ما صرنا نعرفه بالميديا، وسيط التواصل بين البشر أو فلنقل أنها الجدران والحوائط وربما الكهوف العصرية لعرض وتوثيق حياتهم لمن يأتي بعدهم، أثر على ما كانوا يفعلون.

وعند قراءة الصحف العلمية الأولى في مصر نعرف شيئا عن حالة النظر للكون والتوقع والسعي، وبينما نقلب أعداد الجزء الأول من السنة التاسعة في العام 1900 لمجلة " الهلال" باعتبارها مجلة علمية تاريخية أدبية، وفق تعبير مُنشِئها جرجي زيدان، تدهشنا بعض ما حملته من محتويات وهى تقص وتنقل أخبارًا عن العلم والطب وبعض آداب الحديث العصري!.

فسعيًا عما يجعل الحياة أطول والصحة أفضل، ذلك الحلم الأزلي المتجدد، أو وفق تعبير المجلة الشائق "إكسير الحياة" تنقل في باب الأخبار العلمية ما نصه: "فاضت جرائد أمريكا في عقار جديد أسموه أكسير الحياة، ويزعم مخترعه أنه يعيد الشباب بعد زواله، وقالت جريدة النيويورك هرالد إنه مركب من الصوديوم والفصفات والكليسرين، وأن مستر إبراهام هيوت أحد أصحاب الملايين في نيويورك وحاكمها الأسبق جربه بنفسه وهو في الثمانين من عمره، وكان الناس يعجبون بنشاطه وخفة حركته وصفاء ذهنه، عملا بإشارة طبيب فرنسي، وقد بدأ المستر هيوت بهذه المعالجة منذ ثلاث سنوات وكان يشكو من ضعف عام يمنعه من النهوض ولكنه لم يعد يشعر بضعف من ذلك الحين".

وتمضي المجلة في باب أخبار العلم والذي يبدو كحكايات مفارقة تأتى بالطبع من العالم الجديد أو من بلد العجائب أمريكا: "من العوائد القديمة الشائعة أن الطعام أحسن ما يكون تناوله مطبوخا ناضجا، ولكن بعض أهل شيكاغو بأمريكا يزعمون أن طبخ الأطعمة قبل تناولها مضر لأنه يذهب بفائدتها الحقيقية، فتألفت هناك جمعية اسمها جمعية الطعام النيء، غرضها تنويه الناس على إبطال الطبخ وتناول الأطعمة نيئة، وحجتهم في ذلك أن الحويصلات الحية "البروتوبلاسما" لا تكون حية إلا إذا أُخذت من مواد حية، وأنه لم يسمع أحدٌ عن شجرة نبتت من بذرة مطبوخة، قالوا فإذا غذينا أولادنا باللحوم النيئة نمت أجسادهم نموا سريعا حتى يكونوا كالجبابرة".

وفى باب الأخبار العلمية، تنقل عن "الديلي ميل" الإنكليزية عن مكاتبها في بطرسبورج أن الأستاذ "بوبوف" الروسي الشهير اكتشف للمحادثة بلا سلك طريقا غير ماركونى، وخاطب أغنياء إنكلترا بشأنه فطلبوا إليه القدوم إلى لندن للمداولة في ذلك، فإما أن يبتاعوا له الاختراع كله أو يؤلفوا له شركة كبرى، وقد أجاب الأستاذ طلبهم وسافر، وسنرى ما يكون من أمره.

كما تمنح المجلة مساحة لكتابات المرأة، ولكن في مجال الإيتيكيت، تخصصها وفق ما نشرته للآنسة الفاضلة منتهى مطر تحت عنوان " آداب المحادثة" وجاء فيه: وإياك أن تسأل أحدًا من مجالسيك عن شغله أو مهنته أو أرباحه وخسائره إلا إذا حادثك هو في ذلك، وإذا كان جليسك سيدة فإياك أن تسألها عن ثمن فستانها أو برنيطتها إلا إذا كانت من أصحابك الخلصاء".

وتجتهد المجلة وصاحبها في تسويق أعدادها ودعم الاشتراك بها ويقدمون ما يمكن تسميته بواكير أفكار التسويق للصحف ووسائل الإعلام عربيا، عبر إعلان يحمل عنوان "ألطف هدية" يقول نصه: "ألطف هدية إلى صديق بعيد عنك اشتراك سنة من الهلال فإن صديقك يلتذ بمطالعته ويذكرك به مرتين كل شهر أو هو يذكرك كلما اطلع عليه ونرجو أن يذكرك بالخير".

وتخترع أيضا تسويقا مستحدثا لدعم الاشتراكات: "لقد اتفقنا مع محل شقيقنا يوسف أفندي زيدان الخياط بمصر أن يتنازل لكل من مشتركي الهلال عن خمسة في المئة من ثمن البدلة يصطنعها في محله في مصر، ومعنى ذلك أن المشترك وبعد أن يساوم المحل المذكور على ثمن البدلة كالعادة يبرز وصل الاشتراك فيترك له خمسة في المئة من الثمن المتفق عليه، وبالجملة أن المشترك لا يتمتع بهذه الامتيازات إلا بعد تسديد ما عليه للإدارة من قيمة الاشتراك"، وهنا تقدم فكرة المساومة أو المفاصلة – والتي هي كالعادة وفق تعبير المجلة – باعتبارها تقليدا تاريخيا شائعا.

هامش:

هكذا يتحدث نجيب محفوظ فى " الحرافيش" : الناس تراقب وتتذكر، تحصي اللفتات والنوايا، تؤول الأوهام بأوهام، تتعجل تحقيق الظنون، وتتستر بالتقوى والبراءة.

إعلان