إعلان

تقدير درجة خطر "خلايا داعش" في مصر

تقدير درجة خطر "خلايا داعش" في مصر

محمد جمعة
09:01 م الثلاثاء 05 سبتمبر 2017

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

التطوُّرات التي حدثت خلال الشهور القليلة الماضية على صعيد التكتيكات المتَّبعة في الهجمات الإرهابية التي وقعت في مصر، على يدَي تنظيم داعش، وأيضًا التحوُّلات في أجندة التنظيم وأهدافه، تُثير العديدَ من التساؤلات، وتُضفي أهمية خاصة على محاولات تتبع مراحل تطوره في مصر، من حيث الهيكل القيادي، والاستراتيجيات: السياسية، والعسكرية، والاجتماعية، والإعلامية المتَّبعة.

وأيضا خريطة علاقاته الإقليمية والمحلية، فضلا عن تقدير درجة الخطر الذي يمثِّله في الوقت الراهن. وكذلك محاولة فهم مسارات التمدد والانكماش.

وفي هذا السياق، ربَّما من الأهمية بمكان أن يتذكر المعنيون بمواجهة الإرهاب في مصر ما يلي:

1- أنَّ الخلايا الداعشيَّة التي تعمل في الداخل المصري، وخارج شبه جزيرة سيناء، تأسَّستْ تحت رعاية ما يُسمَّى بـ "ولاية سيناء" وبتوجيه مباشر منها. على الرغم من صدور بيانات مستقلة لما يُسمَّى بـ"الدولة الإسلامية- مصر".

2- أن تنظيم "داعش" في مصر بأفْرعه وخلاياه المختلفة ("ولاية سيناء"- أيضا التنظيم الأكثر ضبابية والمرتبط بقيادة "ولاية سيناء" أي "داعش - مصر") تجاوز المرحلة الأولى من عمره (مرحلة البناء). ويقف الآن في مرحلة بينيَّة ما بين مرحلة البناء، ومرحلة التمدد والانتشار. حيث تتَّسِم هذه المرحلة البينية بتكثيف النشاط في مناطق مختلفة في قلب مصر، عبر خلايا تتألف من عدد محدود من العناصر.

3- لقد دشَّن مقتل "أبو دعاء الأنصاري" الأمير السابق للتنظيم، في أغسطس 2016، تحولًا نوعيًّا كبيرًا في طبيعة قيادة الجماعة، إذ انتقلت القيادة – وللمرة الأولى منذ نشأة التنظيم- إلى قائد غير مصري، مُعيَّن بالأمر المباشر من قيادة تنظيم "داعش المركز".

ولا شكَّ أن تنصيب "أبو بكر البغدادي" لأحد قادته العراقيين ويُدعى "أبو هاجر الهاشمي"، كمسئول عن التنظيم في سيناء عقب تصفية "الأنصاري" يدل على خصوصية موقع "ولاية سيناء" ضمن خارطة توابع داعش في الإقليم. ويعكس الأهمية التي توليها "داعش المركز" لفرعها النشط في مصر. وربَّما موقعه ضمن خططها المستقبلية بعد تقلُّص دولتها ووقوفها على حافة الانهيار في العراق وسوريا.

تجدر الإشارة إلى أن "أبوهاجر" ضابط سابق بالجيش العراقي، انضم إلى "داعش" مع بدايات عمله في العراق، مع جماعة "أبو مصعب الزرقاوي".

4- هذه النقلة النوعية على صعيد هيكل التنظيم تشير إلى: 

أولا: أنَّ مسار التحول باتجاه التماهي وأيديولوجية واستراتيجية "داعش المركز" سيصل خلال الفترة القليلة المقبلة إلى أقصى مداه. وهو الأمر الذي تجلَّى بوضوح منذ الثلث الأخير من العام 2016 وحتى الآن.. سواء لجهة التركيز على استهداف الأقباط، أو لجهة التحول الواضح في المقاربة بشأن العلاقات مع كلٍّ من البيئة المحلية في سيناء، وحركة حماس في قطاع غزة.

ثانيا: أنَّ وضع قيادة تمتلك خبرةً في الحرب النظامية (كونه أحد ضباط الجيش العراقي سابقًا)، واللامتماثلة أيضًا (كونه عنصرًا فاعلًا في التنظيمات الإرهابية منذ أيام الزرقاوي) سيعزز كفاءة تنظيم "ولاية سيناء" القتالية بدرجة ما، ويجعل من العملية الأمنية ضده أعلى كلفة من حيث الخسائر البشرية والمادية.

وفي هذا السياق، نقلت صحيفة النبأ -إحدى الأذرع الإعلامية لتنظيم داعش- عن «أبوهاجر الهاشمي»، قوله: «سيناء تشهد حصارًا وتضييقًا من قبل الجيش، وارتكازاته تزيد على 170 ارتكازًا....". وأضاف: «زرع الناسفات من أبرز أساليب القتال التي تُلائم المرحلة، فالناسفة ستضبط موازين القوى...» على حد قوله.

هنا من الأهمية بمكان الإشارة إلى أن المعطيات على الأرض تشير إلى أنَّ العبوات الناسفة كانت هي التكتيك المفضل للتنظيم في سيناء خلال شهرَي نوفمبر وديسمبر عام 2016. ومن بين الهجمات الإرهابية الــــ 60 التي وقعتْ خلال الفترة من بداية يناير إلى أواخر مارس 2017، نُفِّذ 26 هجومًا منها بعبوات ناسفة.

هذه الهجمات التي زعمت "ولاية سيناء" مسئوليتها عنها (بالإضافة إلى 25 حادث إطلاق نار) أسفرت عن استشهاد 81 من عناصر الأمن، و6 مدنيين على الأقل.

5- تتزامن المرحلة الثانية لداعش في مصر (على النحو الذي سبقت الإشارة إليه) مع المرحلة الرابعة لداعش المركز (أي مرحلة التراجع والانحسار). وكذلك تتزامن مع تراجع وانحسار داعش في ليبيا وتشظى وانتشار عناصرها عبر أنحاء ليبيا.

ومن الجائز أن يكون لهذا التزامن تبعات... بمعنى أن "أرخبيل" أنصار ومؤيدي داعش عبر أنحاء العالم، سيبحثون بالضرورة عن فرعٍ آخر للتنظيم، لدعمه وإمداده بعد انهيار داعش في سوريا والعراق وليبيا. وهنا فإن تموْضع دواعش مصر في قلب المنطقة العربية، يجعلهم خيارًا مُفضَّلًا لهؤلاء. الأمر الذي يزيد من مخاطر تدفق المقاتلين الأجانب على مصر، ممن يبحثون عن ساحة أو "معركة جهادية" أخرى. وهو أمر ينبغي التحسب له جيدا بإجراءات أمنية مضادة وصارمة، وأيضًا وهو الأهم التعاون مع الأجهزة الأمنية والاستخباراتية الصديقة على مستوى الإقليم وخارجه، لرصد تلك العناصر. 

6- يرتبط مصير تنظيم داعش في مصر بعوامل عديدة، على رأسها:

أ- كفاءة الأجهزة الأمنية المصرية، والاستراتيجيات المتبعة لمكافحة الإرهاب.

ب- السياق السياسي والاجتماعي في الداخل المصري، خاصة المرتبط بوضع جماعة كبيرة (الإخوان المسلمين) مرَّتْ طوال الفترة من ( أغسطس2013 : نوفمبر2014) بحالة من عدم الانضباط التنظيمي (على وقع الضربات الأمنية) فانتشرتْ عناصرها ( بعد غياب رؤوس التنظيم) على امتداد مصر، ليؤسس بعضهم خلايا إرهابية لها صلات عملياتية بداعش في مصر. وينضم البعض الآخر بالفعل إلى الهيكل التنظيمي لداعش في مصر.

ج- أيضًا ترتبط بعوامل إقليمية، خارج نطاق الدولة المصرية، مثل:

- تطورات المشهدَيْن السوري والعراقي؛ ومدى كفاءة الحملة التي تشنّها قوى دولية وإقليميّة على "داعش المركز" ونجاحها في تفكيكها.

- الترتيبات المتعلِّقة بتعقب انتقال المقاتلين الأجانب والعرب من "داعش المركز" إلى توابع داعش عبر الإقليم.

إعلان