إعلان

أمير قطر و"توك توك" لندن

أمير قطر و"توك توك" لندن

أمينة خيري
09:01 م الإثنين 04 سبتمبر 2017

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع


لندن مدينتي. عِشْتُ فيها أحلى سنوات حياتي، وأحرص على العودة دوريًّا استجابة لـ"نوستالجيا" السعادة. وسط لندن السياحي ليس من أماكني المفضَّلة، لا سِيَّما في الصيف، لكن هذه المرَّة عرجْتُ على شارع أوكسفورد بدافع حب الاستطلاع، وقد هالني ما رأيت!

ما إن صعدْتُ على وجه الأرض من محطة “بوند ستريت” حتى فُوجِئتُ بلندن غير تلك التي أعرفها جلبةً وفوضى وأجواءً. لم يكنْ الجديد النبرة العربية الطاغية في شارع التسوُّق الأشهر في العاصمة البريطانية، أو رائحة العطور الفرنسية العباقة التي تفوح من النساء الخليجيات، وتلك الفواحة المركبة التي تفوح من أقرانهن غير الخليجيات، أو في السيَّارات الفارهة التي تحمل لوحات أرقام خليجية، لا سِيَّما قطر والكويت، أو في إصرارنا العربي على عبور الشارع من غير الأماكن المُخصصة.

الجديد كان أغاني خليجيّة متداخلة صادرة من أماكن عِدَّة بصوت مرتفع جدًّا على غير عادة وتقاليد وثقافة هذه البلاد تمامًا. واتضح أن مصدر الأغاني هي تلك الـ Pedicabs أو الـ rickshaws، أي العربات التي تُقاد بالبدَّال وهي مثل الدرَّاجات المزودة بمكان خلفي يتَّسع لشخصيْن. هذه العربات التي يعشقها السُيَّاح العرب في لندن، ويمقتها البريطانيون، ويناصبها قادة “تاكسي لندن” الشهير عداءً ما بعده عداء، انتشرت انتشار التوك توك في شوارع القاهرة الغارقة في غيبوبة قانونية.

شعرتُ بِغصَّةٍ شديدة - حيث المدينة التِّي تُمثِّل لي القانون كما ينبغي أن يُطَبَّق والنظام كما يتحتَّم أن يُفعَّل والمرور كما أحْلم أن يكون– لتحوُّل وسط لندن إلى ما يُشبه شوارع المهندسين في هرجلتها وميادين مصر الجديدة في فوضويَّتها.

وكان يُمكن أن تمرَّ التجربة دون مزيدٍ من التحليل أو قدر أكبر من التمحيص، لولا أن النظارة الطبية التي ارتديْتُها والقرب الجغرافي الذي قادتني إليه الصدفة أصاباني بصدمة مباغتة.

الغالبية المُطلقة من تكاتك شارع أوكسفورد تُغطيها صور الأمير تميم بن حمد آل ثاني. مؤخِّرات المركبات ومقدماتها ودواخلها مُتخمةٌ بصور ورسوم ذات أحجام مختلفة لأمير قطر مُذيَّلة بـ"تميم المجد". الصورة أيقظتْ حاسَّة السمع التي أدَّتْ إلى تفسير كلمات الأغاني المتداخلة والتي يشدو جميعها بـ"يا تميم المجد" و"يا تميم العز" و"يا تميم" بس!

توجَّهْتُ بالطَّبع إلى أقرب سائق وسألته ببراءة شديدة: “صور مَن هذه؟”، مشيرةً إلى عشرات الصور ذات الأحجام المختلفة الملصقة على عربته. ردَّ عليّ بإنجليزية شرق أوسطية ونظرة عدائية: “من أين أتيتِ؟” أمعنت في نظرة السذاجة، وقلتُ له: “إيجيبت”! فاشتدت نظراته العدائية وسألني بلهجة ناهرة: “مصرية ولا تعرفين من هذا الرجل العظيم؟!”، كظمْتُ مشاعري وقلتُ: “اعذرني فأنا لسْتُ متعمقة في الفن”. فانطلقت كلماته كالسهام: “هذا أمير العرب. إنه برنس تميم”. فسألته متعجبة: “ولماذا تضع صوره؟” فأخذ يُعدِّد الأسباب: “أولًا لأنني تركي”. قاطعته وسألت متعجبة: “ولكن هذا ليس أردوغان”. قال بثقة شديدة: “ولكنِّي أحبُّه وأحترمه وأراه الأفضل والأعظم والـ..” وأضفت من عندي “والأغنى”، لكنَّه ولله الحمد لم يسمعني. ومضى مُجوِّدًا: “قد تكون لي ملاحظات على الرئيس أردوغان، ولكن الأمير تميم رجلٌ بلا أخطاء”. سألته: “يعني هذه ليست حملة إعلانية مدفوعة؟!”، شجبني مجددًّا وقال: “لا إنها محبة خالصة”.

ولأنَّه كان واقفًا وسط مجموعة من أقرانه من سائقي “توك توك” لندن القبيح وجميع الدرَّاجات عليها صور الأمير القطري وأعلام قطر ترفرف خارجها، فقد سألته كاشفة عن نواياي: “وكل زُملائك هنا لديهم نفس هذه المشاعر الراقية والحميمة تجاه الأمير”، مُشيرةً إلى الصور والأعلام في كل زاوية من زوايا العربات؟”.

فهم قصدي وتركني بعد ما رفع صوت أغاني العزة والمجد غير المدفوعة ومتفوِّهًا بكلماتٍ بالتركية لا أريد أن أعرف معناها!

(ملحوظة: محتوى الحديث تكرَّر مع عدد من زملائه من لاتفيا وبلغاريا وقبرص ولكن دون نبرات عدائية).
(ملحوظة أخرى: قطر تمتلك في لندن أكثر ما تمتلكه ملكة بريطانيا).

(ملحوظة ثالثة: قطر أعلنتْ قبل أشهر استثمارات قيمتها خمسة مِليارات جنيه استرليني في البنية التحتية في بريطانيا).

إعلان