إعلان

براجماتية أوروبا في جنوب ليبيا تضر بالمصالح المصرية

براجماتية أوروبا في جنوب ليبيا تضر بالمصالح المصرية

محمد جمعة
09:01 م الثلاثاء 26 سبتمبر 2017

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

حتى الآن ما يزال الفشل هو مصير جميع الجهود التي بُذلت من أجل التوصل إلى اتفاق سياسي يُنهي حالة الانقسام، والصراع بين حكومتين ليبيتين متناحرتين. وزاد على حالة الفشل هذه، فشل آخر من قبل حكومة التوافق الوطني بقيادة فايز السراج، في أداء مهمتها.

هذا الفشل المزدوج يبدو أنه قد دفع ببعض دول الاتحاد الأوروبي (خاصة إيطاليا وفرنسا) إلى التعامل مباشرة مع جماعات ليبية مسلحة، في منطقة الجنوب، لتأمين مصالحها، بالنظر إلى ملفَّي النفط، والهجرة غير الشرعية. 

ترسيخ هذا النهج في التعاطي مع تطورات الداخل الليبي (ومن قبل دول كبرى في الاتحاد الأوروبي) ينطوي على دلالات ومعانٍ خطيرة، تضرُّ بالمصلحة المصرية، وكذلك مصالح الشعب الليبي. 

فحتى وقت قريب كانت دول الاتحاد الأوروبي تتجاهل جنوب ليبيا بوصفه "منطقة لا يمتلكون فيها شريكًا مؤسساتيًا"، وبالتالي لا يستطيعون العمل فيه.

ونتيجة لذلك، فإنَّ الجهود الأوروبية للحد من تدفقات المهاجرين كانت قد تركزت (حتى وقت قريب) بشكل أساسي على وقف المهربين في المياه الدولية قرب الساحل الشمالي الغربي لليبيا وفي النيجر.

لكن منذ مطلع العام 2017، وبعد أن أدرك الاتحاد ودوله الأعضاء، وعلى رأسها إيطاليا، مدى هشاشة حكومة طرابلس بقيادة فايز السراج، وافتقارها للقدرات اللازمة لأداء مهمتها في سائر منطقة فزان والمنطقة الحدودية، لجأت روما إلى العمل على مسارين:

- الأول:

التعاطي المباشر مع قبائل جنوب ليبيا لوضع حد لأزمة الهجرة غير الشرعية. وفي هذا السياق، أبرمت إيطاليا بالفعل اتفاقا مع قبيلتي “أولاد سليمان” و“التبو” جنوب ليبيا، من أجل ضبط الحدود الجنوبية الليبية حيث يتكثف نشاط مهربي المهاجرين.

وقد جمع اللقاء الذي انعقد في روما أوائل مارس 2017 حوالي (60) من شيوخ القبائل خصوصًا “التبو” و”أولاد سليمان” بحضور ممثلين عن “الطوارق”، وكذلك ممثل عن حكومة الوفاق الوطني الليبية. 

والمفارقة أن الاتفاق جاء بعد أن أوقفتْ دائرة القضاء الإداري في محكمة استئناف العاصمة الليبية طرابلس في فبراير 2017 تنفيذ مذكرة التفاهم الإيطالية الليبية حول الهجرة غير الشرعية، على خلفية دعوى قضائية تقدم بها عدد من الليبيين، في مقدمتهم وزير العدل الأسبق صلاح الميرغني.

-والثاني: 

استمرار العمل مع حكومة الوفاق الوطني لهذا الغرض أيضا. ففي السادس عشر من سبتمبر 2017 أعلنت السلطات الإيطالية عن توقيعها اتفاقًا مع حكومة الوفاق الليبية، لدعم جهود السلطات في طرابلس، للتحكم في الحدود الجنوبية لليبيا، والسيطرة على تدفقات الهجرة غير الشرعية. وبحسب ما ورد من أنباء في هذا الشأن فإن المشروع الإيطالي، الذي سيموله الاتحاد الأوروبي، يكمن في إرسال بعثة إلى الحدود الجنوبية لليبيا، تتمثل أهدافها الرئيسية في بناء قاعدة لوجيستية للأنشطة التنفيذية لحرس الحدود الليبي، والسماح بتواجد مناسب لمنظمات الأمم المتحدة في المنطقة.

الخلاصة من كل ما سبق، أن هذه السياسة المزدوجة ستؤثر بالضرورة على ولاءات قبائل جنوب ليبيا، وأيضا على وضع المعسكرين المتناحرين، أى معسكر “ميليشيات مصراتة”، ومعسكر “الجيش الوطني الليبي” في الجنوب. 

-فمن ناحية، هناك من كان يعتقد في إمكانية تعزيز التفاهم بين حكومة الوفاق وقبائل الجنوب، بوساطة إيطالية. إلا أن لجوء روما إلى التفاهم رأسا مع قبائل الجنوب ينطوي على اعتراف ضمني بضعف وهشاشة حكومة الوفاق، ومن ثمَّ يُعزز من جهة أخرى موقف هذه القبائل الرافض أصلًا لتواجد ميليشيات مصراتة في الجنوب. وبالتالي، فإنه حتى على افتراض إمكانية عقد تحالف بين الجانبين، فسيكون ذا طابع مؤقت، وسينحصر في نطاق مهام مكافحة الهجرة غير الشرعية. 

-ومن ناحية أخرى، مثل هذه التفاهمات قد تُفضي إلى إرباك جهود الجيش الوطني الليبي، بقيادة حفتر، لتوسيع نطاق نفوذه في الجنوب، بعد أن بات لقبائل الجنوب شريك دولي رئيسي داعم، يمنحها فرصة تعزيز قدر من الاستقلالية، ويغنيها عن حاجتها إلى التعاون مع الجيش الوطني. 

صحيح، أنه ما يزال من المبكر القول أن هناك اتجاهًا لتجاوز مسألة العملية السياسية المعقدة وغير المثمرة حتى الآن في ليبيا، وتنحيتها جانبا لصالح ترتيبات براجماتية مؤقتة مع ميليشيات مسلحة. أو أن العالم استسلم لفكرة سقوط ليبيا نهائيًّا في الفوضى وتشظيها إلى كيانات صغيرة، يسيطر على كل منها كيان ميليشياوي مسلح.

بيد أن استمرار التناحر بين الأطراف الفاعلة في ليبيا والميليشيات التابعة لكل منها، وعدم قدرة أيٍّ منها على حسم الصراع لصالحه. بالإضافة إلى جديد السياسة الأوروبية في جنوب ليبيا، يبقي على شبح مثل هذا السيناريو.

إعلان