إعلان

الصدام بين الدين والحداثة

الصدام بين الدين والحداثة

عادل نعمان
09:01 م الإثنين 25 سبتمبر 2017

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

يتساءل الناس عن سِرِّ هذه الخيبة، وهذه الردّة التي أصابت المسلمين، وهذا الانسحاب والانكفاء والهروب إلى الماضي، بسرعة تفوق سرعة تقدم العالم إلى المستقبل، ولماذا إذا واجه العالم مشكلة اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية تفتح للعلم وللعلماء والخبراء المتخصصين ورجال البحث العلمي الأبواب، يدلون بدلْوِهم ويجدون حلولًا علمية مجردة لها، والمسلمون يفتحون لها كتب ابن تيمية وابن القيم والبخاري وابن حنبل، لترى ماذا رأوا، وتقول ما قالوه، وهو أقرب إلى الخرافة عن العلم، وللفوضى عن الترتيب العلمي الممنهج؟ إن الإجابة بوضوح، هي في الصدمة التي يواجهها المسلمون من الحداثة والتطور العلمي المذهل والمتلاحق، والتي عجزت العقول المسلمة عن التجاوب معها والأخذ بها، لأنهم أسرى قيود الماضي، وعبيد الوهم والخرافة والتواكل.

وكلما حاول البعض من المسلمين التمرّد والعصيان والتفاعل مع الحداثة، وقف لهم كهنة المعبد وأولياء الله في كل زمان، يُلوِّحون في وجوههم بتهم التكفير والزندقة، واتهامهم بهدم ثوابت الدين، ويتوعدونهم بعذاب الله وبئس القرار والمصير، ويُشوهون مفهوم الحداثة والعلمانية، فتخور قوى البعض منهم، وينضم إلى ركب الهمجية والفوضى الأكثر، ويعجز المجتمع على التوافق والقدرة على التجاوب معها، وفقد الرغبة في السير في ركابها، بل ورفضها وخصامها، ويُقبل الناس على العلوم الدينية، ويَهجُر الكثيرُ منهم العلوم التجريبية والإنسانية، وتزداد أعداد المعاهد الدينية بالمجان، وتُصبح الدراسة في المدارس العلمية أكثر تكلفة وعناءً، ويتقاضى الداعية والمشايخ وحفظة القرآن أضعاف المعلم والمربي والكيميائي والطبيب، فينفر الناس من العلم، ويتحوَّل الناس إلى دعاة ومشايخ، وليس أدلُّ على ذلك من سيل الدعاة الذين يملئون الفضائيات والمجالس والمساجد يقلدون بعضهم بعضًا، يبيعون ويشترون من دكاكين الخرافة سمومهم، وما كان رفض الشيخ الشعراوي لمريض الفشل الكلوي الغسيل كعلاج وحماية للنفس من الهلاك والموت، وهو حق الإنسان في التداوي، أو رفضه لنقل الأعضاء من المتبرعين أو المتوفين حديثًا،حيث إنه مناهض لرغبة الله في ذهاب العبد إلى ربه، لهو أكبر مثال على فكر ثابت قديم عقيم مناهض للعلم وتطويره، ورفض للحداثة والامتثال إليها، ولما مرض الشيخ تجاوب مع الحداثة ورضي بعلمها علاجًا وشفاءً.

الحداثة ضرورة حياة، ولاسبيل للتقدم والتطور وإشباع رغبات الناس من مأكلٍ ومشربٍ واستقرارٍ وأمان وحرية فكر وإبداع ومعتقد إلا بها، ولاسبيل إلا بفصل الدين عن العلم وعن الدولة والسياسة، فالحقيقة الدينية لا تفرض نفسها إلا على المؤمنين بذات الدين، لكنها لا تفرضها على غيره، بل ربَّما تجد قبولًا عند مذهب، ولا تجد له قبولًا أو استحسانًا عند مذهب آخر من نفس الدين، أما عن الحقيقة العلمية فهي مؤكدة ثابتة، تفرض نفسها على الجميع من كل الأديان والمذاهب على درجة واحدة، وعلى ذات الدرجة من اليقين، حتى لو لم يشاهدها غير المتخصصين، فيكفي إقرار العلماء لها حتى يستجيب لها الكل دون طلب الاطلاع، ويؤمن بها الجميع دون نقاش أو تردد، ويلتزمون بأصولها وثوابتها، فهي مفروضة على الجميع عاقل وغير عاقل مكلف وغير مكلف، فهذه حقيقة دوران الأرض حول نفسها وحول الشمس، آمن بها الناس جميعًا، ولم يطلب منهم واحد أن يخرج خارج نطاق الكرة الأرضية ليرى بنفسه شكل الكرة البيضاوي، أو يرى بعينه دورانها حول نفسها ليتأكد من تتابع الليل والنهار، أو دورانها حول الشمس مرة كل عام لتتابع الفصول الأربعة، إلا أن هذه الحقيقة العلمية مرفوضة من فصيل من المسلمين، مؤثر وفعال ولا يعتقد ولا يثق في هذه الحقيقة العلمية الثابتة التي أدركتها العقول، وتيقنت منها بمشاهدة المتخصصين، وما زالوا هناك عند ثبات الأرض بالجبال الرواسي، فكيف يمكن لأمة أن تتقدم وهذا التناقض والتعارض موجود في كثير؟.

الحقيقة الثانية والتي بها ندخل عصر الحداثة من بابه الأوسع، هو أن نُقرَّ ونؤمن أن الأحكام نسبية تتغير بتغير الظروف والأحداث، وكانت فيما مضى نتاجَ مناخٍ بيئي وحضاري وعلمي محدود، لم يتجاوز عصره وظروفه وأحواله، ولا بدَّ أن يُعاد النظر فيها وفقا لأحوال الناس واحتياجاتهم، حتى يتوافق ويتلاءم مع العصر والحضارة والحداثة، فلا يُمكن أن يظل حكم قتل تارك الصلاة إذا أنكرها قائمًا، أو حكم قتل تاركها سهوًا أن يُستتاب ثلاثة أيام ثم يُقتل، أو حكم قتل المرتد مخالفين بذلك أحكام القرآن ذاته، ومتفقين مع حديث مشكوك في صدق راويه، ومخالفين القوانين الدولية في حرية العقيدة والمعتقد، أو يصر المسلمون على نكاح الصغيرة مخالفين قوانين الصحة الدولية، ضاربين عرض الحائط بالعلم، الذي يجرم ويرفض زواج الصغيرة، حتى تكبر وتقوى، وتكون قادرة على تبعات الحياة ومسئولياتها التربوية والتعليمية والصحية، فيستجيب العالم ويوافق على هذه الحقيقة العلمية دون مناهدة.

ولا يستجيب المسلمون لأن الرسول قد تزوج عائشة طفلة صغيرة، ولا يقبل منهم البعض وهو مؤثر أيضا أن الحمل لا يزيد في رحم المرأة عن تسعة أشهر وبضعة أيام، وإلا ماتا الاثنان معا، وهي حقيقة علمية مؤكدة وثابتة بالدليل والبرهان، ومع ذلك يؤمن من المسلمين فصيل بفقه الأئمة الأربعة، أجازوه من سنتين إلى ست، وهي مدة الحمل الشرعي مخالفين العلم والعقل. إن ضرورة إخضاع هذه المعاملات وهذه الأحكام الفقهية للبحث العلمي أمرٌ واجبٌ، ومواجهتهم جميعًا بالأصول التي يفرضها العلم وتفرضها الحداثة، وتتماشى مع القانون الوضعي الذي يستجيب لرغبات الناس واحتياجاتهم فهو الأصل وهو المصلحة ومن ثم شرع الله، وتنحية ما يتعارض منها مع العلم والحداثة، وإلا سيظل المسلم سجين المحبسيْن الجهل والتخلف.

إعلان