إعلان

هل نحن بلد فقير حقا؟ تقدير قيمة الأصول والممتلكات الحكومية (4)

هل نحن بلد فقير حقا؟ تقدير قيمة الأصول والممتلكات الحكومية (4)

د. عبد الخالق فاروق
09:00 م الخميس 21 سبتمبر 2017

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

في محاولة للإجابة على السؤال الكبير الذي أثار جدلا واسعا في المجتمع المصري طوال الشهور التسعة الماضية: هل نحن بلد فقير حقا؟

تأتي محاولتنا لحصر الأصول والممتلكات الحكومية، التي أنفق عليها المجتمع والدولة المصرية مئات المليارات من الجنيهات طوال أكثر من سبعة عقود سابقة، والتعرف على طرق ووسائل استخدامها، خاصة أن الكثير منها لم يحل دون الفشخرة الاستثمارية، وبناء وإقامة المزيد منها، مثل المباني الإدارية للوزارات والمصالح الحكومية المختلفة. 

وتنبع مشكلة البحث من طبيعة القطاع الحكومي ذاته؛ فإذا كان ما يمكن تسميته "بأدبيات الخصخصة" منذ مطلع عقد التسعينيات؛ قد أوجدت إطارا معرفياً مفهوماً تجاه قضايا حصر وتقييم الأصول والممتلكات الحكومية لدى شركات الإنتاج والتجارة والتوزيع؛ بحيث بـدا أن هناك مجالاً للجدل النظري والمحاسبي والاقتصادي حول تقييم هذه الأصول؛ فإن الجهاز الحكومي بخصائصه المعروفة يجعل من إمكانية تطبيق نفس هذا الإطار محلاً للشك وسوء التقدير.

ذلك أن "جهاز الخدمة المدنية الحكومية" يتسم بأنه جهاز لا يهدف إلى الربح من ناحية؛ وعدم وجود سوق تنافسية خاصة في مجال الخدمات السيادية، والمنافع والمرافق العامة من ناحية أخرى؛ هذا بالإضافة إلى عدم تجانس أهداف أصحاب المصالح.

ومن جانب آخر؛ فإن بنية الإحصاءات المصرية ما زالت تفتقر إلى بيانات منشورة وموثقة عن حجم هذه الأصول الحكومية وتقديراتها على مستوى قطاعات الاقتصاد المصري عموماً.

فثروة أي بلد تقدر بما تملكه من رأس مال في كافة المجالات؛ وحساب هذه الثروة Wealth يشتمل على الموارد العينية والموارد البشرية؛ وحساب الإهلاك من رأس المال كأحد متطلبات الحسابات القومية، وهو ما يُمكن من بناء النماذج الاقتصادية والتنبؤ الاقتصادي.

وهكذا إذا حاولنا التحديد الدقيق لمشكلة هذا النوع من الأبحاث نجد الآتي:

1-غياب الدراسات المسحية الاقتصادية، أوالعينية حول هذه الأصول.

2-غياب التمييز بين التعريفات المنهجية Definitions الواضحة بشأن مفاهيم من قبيل الأصول Assessments والثروة Wealth ورأس المال Capital ، سواء في صورته المالية والعينية أو البشرية Human Capital.

3- وبناء عليه فإن هذه الأصول والممتلكات الحكومية لم يجر عليها عمليات تحليل وتقييم من أجل صياغة نماذج للإدارة المثلى Optimism لضمان كفاءة تشغيلها Efficiency & Effectiveness مما يؤدي عملياً إلى إهدار الكثير منها بسبب سوء الاستخدام أو تكرار نفس النشاط دون الاهتمام برفع كفاءة الموجود منها فعلاً.

4- ولأن مقياس المخرجات / المدخلات ، أو التكلفة / العائد لم تعد معياراً دقيقاً لقياس درجة كفاءة الأداء الحكومي؛ نظراً للطبيعة الخاصة لأدوار "أجهزة الخدمة المدنية الحكومية" في العالم أجمع، خاصة في المجتمعات النامي، وعدم القدرة على فصل أداء وكفاءة هذا القطاع الحكومي عن السياسة وأهدافها بمفهومها الواسع، فإن إدخال هذا المعطى أي السياسة Politics - في النموذج التحليلي للأداء الحكومي يعني إدخال مقتضيات ومقولات علم "اقتصاديات الإدارة الحكومية" الحديث نسبياً في صلب تحليل نتائج أداء الأصول الحكومية.

5- كما تثير مسألة تكلفة اقتناء الأصول الحكومية مشكلات شديدة التعقيد من عدة جوانب بعضها يرتبط بالتمرحل الزمني Stages Of Time، وبعضها الآخر بتقدير القيمة الحالية لهذه الأصول وفقاً لأسعارها السوقية أو الدفترية بحسب الأحوال، وهي قضايا تتداخل فيها أسس العلوم المحاسبية بمفاهيم العلوم الاقتصادية والمالية.

6- ثم نأتي أخيراً إلى واحدة من أكبر المشكلات المنهجية المتعلقة بهذا النوع من الموضوعات وهو درجة التنوع الهائل في تلك الأصول والممتلكات الحكومية - باستبعاد أصول الشركات العامة - حيث لدينا ما يزيد على ثلاثمائة صنف من هذه الممتلكات الحكومية التي أنفقت عليها الحكومات المتعاقبة من الأموال العامة لإقامتها بدءاً من الطرق والكباري، مروراً بالمستشفيات العامة والوحدات الصحية، انتقالاً إلى المدارس والجامعات، انتهاء بمحطات الكهرباء والمياه والصرف الصحي، والموانئ والمطارات وغيرها، ثم انتقالاً إلى تفاصيل هذه المكونات والأصول مثل المباني التي تشغلها الوزارات والهيئات والمصالح الحكومية وما تحويه من أثاث وأجهزة ومعدات مكتبية وسيارات وغيرها.

من كل هذه اللوحة المتشعبة والخرائط الهائلة للممتلكات الحكومية، تجعل مسألة حصرها عدداً وحجماً، وتقديرها قيمة ونقداً، قضية من أكثر القضايا تعقيداً في مثل هذه الدراسات.

ونهدف هنا إلى تحقيق أربع مهام أساسية هي:

الأولى: المساعدة في خلق تيار فكري اقتصادي وإداري ومالي يتعامل مع الأصول الحكومية Governmental Assessments باعتبارها عناصر إنتاجية تخضع دوماً لعمليات الحصر والتقييم والتقدير في إطار ما أصبح يطلق عليه في الأدبيات النظرية بعلم "اقتصاديات الإدارة العامة والحكومية".

الثانية: محاولة البدء في رسم خريطة وهيكل لهذه الأصول الحكومية، وتقدير حجمها وتوزيعها، وتكاليفها على المجتمع والدولة، ووضع اللبنات الأساسية للتعامل الدوري مع هذه الأصول، ونظم صيانتها وإحلالها وتجديدها تماماً كما المنشآت الإنتاجية بالشركات والمصانع وفقاً لعلم الاقتصاد والمحاسبة المالية.

الثالثة: استخلاص أوجه القصور وثغرات الاستخدام الأمثل لهذه الأصول في كل صورها -العينية والبشرية- ووضع سياسات بديلة في صورها كافة لتعظيم Maximization سبل الاستفادة منها، ووقف نزيف الإهدار الراهن بسبب عدم وجود سياسات حكومية واضحة تجاه إدارة وتدوير هذه الأصول الحكومية الهائلة.

الرابعة: أن بنية العمل الإداري المصري تتأثر سلبا أو إيجابا بمدى كفاءة الإدارة الاقتصادية داخل بنية الوحدات الإدارية الحكومية.

وتنطلق دراستنا من عدة فروض أساسية هي:

1- أن حصراً فعلياً للأصول والممتلكات الحكومية لم تتم بصورة مناسبة حتى الآن ، سواء في مصر أو غيرها من الدول النامية.

2- ومن ثم فإن عمليات التحليل المالي والاقتصادي لهذه الأصول لم تدخل بصورة جدية في نماذج التحليل الكلي للثروة القومية، ولمفعولها في الناتج المحلي الإجمالي بصورة دورية.

3- وأنه لم تجر عمليات ربط دقيق بين تواضع كفاءة استخدام وتشغيل هذه الأموال والممتلكات الحكومية في أجهزة الخدمة المدنية من جهة، وتزايد حجم الديون المحلية والأجنبية على الاقتصاد المصري من جهة أخرى.

4- أن انشغال العقل الرسمي لدوائر رسم السياسات واتخاذ القرارات في مصر بعمليات الخصخصة للشركات طوال العقود الثلاثة الأخيرة، قد طغى وأزاح إلى خلف المشهد العام، الأهمية القصوى التي ينبغي أن تحتلها مسألة تقدير وتدوير، وكفاءة استخدام الأصول والممتلكات الحكومية في القطاع الخدمي وأجهزة الحكومة المختلفة.

5- ونظراً لصعوبة الحصر الشامل لهذه الأصول الحكومية، والتي قد تحتاج إلى فريق عمل واسع؛ فإننا سوف نقتصر على مجموعة من عناصر هذه الأصول والممتلكات، وهذه العناصر هي:

- المباني الحكومية.

- السيارات الحكومية.

- أجهزة الحاسبات الإلكترونية.

- المكاتب والتجهيزات المكتبية.

- الموجودات المخزنية.

- الموارد البشرية والهيئة الوظيفية.

6- وبالتأكيد فإن غياب عناصر من هذه الأصول كلفت الدولة المصرية أكثر من 420 مليار جنيه منذ منتصف السبعينيات حتى عام 2008 ، مثل ممتلكات الأراضي المتاحة التي جرى التصرف فيها وبيعها بأبخس الأثمان ؛ سيترك أثره على درجة شمول نتائج هذا البحث.

بيد أن طريق الألف ميل يبدأ دائماً بخطوة ؛ وها نحن نبدأ بالخطوة الأولى، علنا نقدم إجابة علمية وموضوعية حول سؤال: هل نحن بلد فقير حقا؟

إعلان