إعلان

لا تضاجع ولا استسلام

لا تضاجع ولا استسلام

أمينة خيري
09:00 م الإثنين 18 سبتمبر 2017

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

الوجه الآخر لتعامل الكثير من الذكور للإناث في الشوارع باعتبارهن بهائم هو باب الإفتاءات الجنسية والشهوانية. وهذا هو الباب الذي ذاع صيته وعلا نجمه وانتشر انتشار النار في هشيم المجتمع المصري على مدى العقود الأربعة الماضية.

أربعة عقود مضت من إحلال مفهوم المصريين للدين بمفاهيم شاذة وعجيبة، وتبديل ما كان يومًا ثقافة تعد بتنوير وتمهد لإصلاح وتتميز بمزج صحي بين عادات أصيلة وانفتاح على الجديد والمفيد بتقليد أعمى لثقافات أخرى لا تَمتُّ لنا بصلة.

وبين صِلاتٍ قطعناها بتاريخنا، وآمال قتلها حكام بإمعان في إفقار وعناد على البقاء دون التفات للحراك الرجعي المتخلف المظلم الدائرة رحاه في أنحاء عدة في مصر، وراحة تحققت لحكومات متعاقبة وجدت في تمكُّن جماعات المتاجرة بالدين من رقاب بسطاء المصريين عقب غسل أدمغتهم في مقابل إطعامهم وعلاجهم وتعليمهم تعليمًا يحمل أيديولوجياتهم المسمومة وتشغيلهم ودعمهم أصبح حال المصريين على ما هو عليه الآن.

الآن انظر إلى مكانة المرأة المصرية. ودعك من هراء "احترام المرأة بإسدال الستائر عليها" و"تبجيل الأنثى بحجبها في البيت" إلخ. وللتمعن في الطريقة التي ينظر بها الذكور إلى الإناث في الشارع (بمن في ذلك المحجبات والمخمرات والمنقبات) حيث نظرات فاحصة ماحصة إلى الأنصاف السُّفلى.

الأنصاف السُّفلى التي ركز عليها أئمة بئر السلم وخطباء الزوايا ومفتو الأهواء باتتْ عبر العقود الماضية الشغل الشاغل لكثيرين. وهو شغل "حلال حلال". أما الحرام الحرام فهو تلك الكائنات الأنثوية (حتى لو كانت تحمل درجة الدكتوراه) التي تتجرأ على مُفتي بئر السلم (ومنهم من لم يحصل على الابتدائية). فما المرأة إلا فرجٌ ينتظر الذكر التقي. وما فتاوى المرأة التي تخصص لها البرامج وتفرد لها الساعات إلا أسئلة عن حكم ممارسة الجنس مع الزوجة الحائض، والحلول المقترحة للزوج المحروم من ممارسة الجنس لأن زوجته نفساء، وحكم النكاح قبل أذان الفجر مباشرة، وهل لإتيان المرأة في الدبر كفارة، وحكم جماع الزوجة في الحمام، والفرق بين زواج المسيار والمتعة وثواب رغبة بعض الرجال من المتزوجين في إعفاف بعض النساء لحاجتهن لذلك، أو لحاجتهم للتنوع والمتعة المباحة، وبمعنى أدق باتت الأنثى في المفهوم الشعبي المصري أداة لممارسة الجنس والمضاجعة.

وبينما المؤسسات الدينية الرسمية تقاوم أيما مقاومة أية دعوات لتحديث أو تجديد أو تنقية أو تطهير أو إصلاح ما نال الخطاب الديني من فظائع وعجائب وغرائب، لا ينبغي أبدًا أن نتعجب أو نَتَنَهْنَه أو نتلفَّت أو نتحيّر حين يخرج علينا أستاذ للفقه المقارن في جامعة الأزهر، مؤكدًا أنه يجوز مضاجعة الزوجة بعد وفاتها فيما يسمى "مضاجعة الوداع". ولا يتوقف الأمر هنا، بل يصول البعض ويجول في دوائر مثل "هل يجوز النظر إلى عورة الزوجة الميتة؟" وغيرها من استفسارات حكم مضاجعة البهائم والمضاجعة الافتراضية على شبكة الإنترنت ومضاجعة الخادمة باعتبارها "ما ملكت أيمانكم" وغيرها من صنوف المضاجعة التي تعكس هوسًا واضحًا.

ويزيد طين هوس المضاجعة بلّة الأوضاع في مصر. فهذا الهوس الفيروسي سريع الانتشار المتلحف بعباءة دينية يقابله تدنٍ أخلاقي غير مسبوق، وانحطاط سلوكي لم يحدث من قبل، وتراخٍ في العمل على كل المستويات، وتقلص في الضمير تحكي عنه بلاد الشرق والغرب، وعنف كامن تنضح به معاملات الناس، ناهيك عن جبال المشكلات المزمنة من صحة وتعليم واقتصاد وإنتاج إلخ.

ورغم ذلك تجد دعوات تنظيف الخطاب الديني مقاومة شديدة، ويزيد انغماس مفتي الهوس الديني والمستفتين الهاربين من قسوة الحياة في غياهب المضاجعة والمعاشرة والمناكحة. وتتضاءل الفئة البشرية التي نجحت في عمل توازن بين الشهوات الحيوانية والمواصفات الآدمية لترفع شعار "لا تضاجع ولا استسلام" وذلك في زمن التضاجع.

إعلان