إعلان

حديث المصالحة مع جماعة الإخوان

حديث المصالحة مع جماعة الإخوان

د. أحمد عبدالعال عمر
09:00 م الأحد 10 سبتمبر 2017

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

أظنُّ أنَّ أهمَّ مُكتسبات ثورتيْ 25 يناير و30 يونيو، بعد إفشال مشروع التوريث، وإسقاط حكم جماعة الإخوان، وبيان تهافُت خطابها ومشروعها وتناقضه مع الثوابت الفكرية والأمنية للدولة الوطنية، هو سقوط الأقنعة عن وجوه المدلِّسين وأصحاب المصالح الخاصة من السياسيين والمثقفين والإعلاميين والنشطاء، ووضوح انتهازيتهم ولعبهم على كل الحبال، خدمة لمصالحهم الشخصية.

بالإضافة إلى ضعف حضور ومصداقية الدعاة الجدد والمتاجرين فضائيًا بالدِّين، وعزوف قطاع عريض من المصريين عن متابعتهم والتأثُّر بهم، بعد أن كانوا نجومًا مؤثرين في المجتمع، ومركز استقطاب كبير. وهذا يدلُّ على أن المصريين صاروا أكثر وعيًا ونُضجًا، وأصبح لديهم حساسية شديدة تجاه كل من يتلاعب بعواطفهم الدينية، ويخلط السياسة بالدِّين، والواقع بالأوهام.

أما فيما يتعلَّق بحضور ودور جماعات الإسلام السياسي، فقد تأكَّد للجميع بما لا يدع مجالًا للشك، أن جماعات الإسلام السياسي في مصر هي إفراز مَرضي لمجتمع مأزوم سياسيًّا واجتماعيًّا واقتصاديًّا، وأنَّ أغلب المنتمين إليها يعانون من فقر الوعي السياسي والتاريخي والإفراط في المراهقة الدينية والسياسية والثورية، ولهذا صاروا ألعوبة في يد أجهزة وقوى سياسية (غير واعية) في الداخل استخدمتهم لضرب قوى سياسية أخرى. وألعوبة أيضًا في يد أجهزة مخابراتية أجنبية وعربية، استخدمتهم لإفشال مشروع الدولة الوطنية، وإعاقة تقدمها نحو تحقيق طموحات شعبها.

كما تأكَّد أيضًا أن قيادات تلك الجماعات الدينية في الداخل والخارج، قد استثمروا على أفضل ما يكون في جوانب الفشل والضعف في أداء الدولة ومؤسساتها. وأنَّ هناك علاقة طردية بين ارتفاع مُعدَّل فشل الدولة الوطنية في تحقيق أحلام المواطنين وتوفير حياة كريمة لهم، وبين ارتفاع معدل اختراق تلك الجماعات للمجتمع واستثمارها في الفقر والجهل والمرض المنتشر فيه.

أمَّا أهم مكتسبات ثورة 25 يناير المتعلقة بدور وحضور جماعة الإخوان المسلمين على نحو خاص، فهو خروج عدد كبير من الخلايا النائمة لجماعة الإخوان في المجتمع ومؤسسات الدولة من طور الخفاء إلى طور الظهور، عبر إعلانهم عن انتمائهم التنظيمي أو الأيديولوجي للجماعة، بعد وصول محمد مرسي إلى مِقعد الرئاسة، وسيطرة الجماعة على مجلسَيْ النواب والوزراء، وظنهم أن زمن التقية والكمون قد ذهب إلى غير عودة، وأن الانتماء للجماعة لم يعد يُشكِّل تهديدًا لمصالحهم وأعمالهم، بل صار مفخرة ومجلبة للمنفعة ووسيلة للترقي الوظيفي والطبقي. وقد يَسَّر هذا الخروج العلني للدولة وأجهزتها معرفتهم واحتواءهم والتعامل معهم.

كما تأكد للجميع بعد ثورة 30 يونيو حجم الجناية التي ارتكبتها قيادات جماعة الإخوان المسلمين في حق الوطن والمنتسبين إلى جماعتهم، عندما لم يرضخوا لرغبة الشعب في إنهاء حكمهم، وهي الرغبة التي أيَّدها الجيش وأغلب مؤسسات الدولة. وبدلًا من أن يعترفوا بأخطائهم، ويُراجعوا تجربتهم وممارستهم، وينقدوا ذاتهم، دلَّسوا على المنتسبين إليهم والمتعاطفين معهم، وأدخلوهم في صدام مع الدولة ومؤسساتها من أجل خلق حالة كربلائية، تتغذى بالكراهية ومشاعر العداء، وتضمن لهم وحدة وبقاء الجماعة.

وتأسيسًا على تلك المكتسبات أرى أنَّ الحديث الذي يدور في الخفاء عن إجراء مصالحة بين الدولة وجماعة الإخوان المسلمين، هو حديث مهم يجب أن يخرج للعلن، من أجل تجاوز حالة العداء والكراهية بين الجماعة والدولة، وخلق حالة من السلام المجتمعي.

وهو حديث يحتاج من المشاركين فيه إلى قدرٍ كبيرٍ من الوعي السياسي والتاريخي والوطني، ويجب أن يسعى لتحقيق أهداف اجتماعية وإنسانية لا أهداف سياسية، عبر احتواء المُنتسبين للجماعة، الذين لم يدخلوا في صدام مسلح مع الدولة.

وتلك المصالحة سوف تضمن لهم العودة للاندماج في المجتمع كأفراد ومواطنين بعد قطع علاقتهم التنظيمية بالجماعة، واحترام الدولة ومؤسساتها وثوابتها الفكرية والأمنية، مع الإقرار باستبعاد أي دور سياسي لجماعة الإخوان المسلمين، وأي حضور تنظيمي سري أو معلن للجماعة مرة أخرى.

أمَّا المصالحة التي تبتغي عودتهم من جديد كجماعة وتنظيم سياسي، فهي صيغة لا يُمكن القبول بها، لأنها تُبدد أهم مكتسبات ثورة 30 يونيو، وتُعيد مناخ عدم الاستقرار السياسي وحالة الاستقطاب بين الدولة والجماعة، بما يُعيق تطور الحياة السياسية على نحوٍ إيجابي، ويُعيد إنتاج نفس الدراما العبثية لعلاقة العداء التاريخية بين جماعة الإخوان والدولة.

إعلان