إعلان

وقائع نهب بترول مصر وغازها في 40 عامًا

وقائع نهب بترول مصر وغازها في 40 عامًا

د. عمار علي حسن
08:58 م الأربعاء 09 أغسطس 2017

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

د. عمار علي حسن

يُمثّل ما جرى في قطاع البترول والثروة المعدنية أحد أوْجه حالة الفساد المُقنن والمنظم التي جرت في مصر طوال الأربعين عامًا الماضية، وأهدرتْ الكثير من الموارد والأموال، وأضاعت على الدولة فرصًا حقيقية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية .

ومن يُمعن النظر فيما جرى في هذا القطاع على كافة المستويات التشريعية والتنظيمية والإدارية والمالية وغيرها، بوسعه أن يحدد بدقّة أوجه القصور والخطأ، واكتشاف الآليات الخفية والعلنية التي تعمل وفقا لها هذه المنظومة السرية الخطيرة لنهب المال والثروات العامة في هذا البلد الذي طالما كان ضحية لأداء قياداته التنفيذية والتشريعية والإدارية.

الكلام السابق هو للكاتب والخبير الاقتصادي والإداري القدير الدكتور عبد الخالق فاروق، الذي بذل جهدًا كبيرًا في دراسة ما جرى لقطاع البترول والغاز من إفساد، وهو مجرد وجه واحد من مشروعه الكبير عن "نهب مصر" الذي يستكمل به كتابه السابق عن الفساد، الذي صدر قبل ثورة يناير وأحدث ضجة، ليس لما حواه من معلومات حول ما كنا غارقين فيه من سرقة للمال العام، ولا نزال، إنما أيضا لشجاعة الطرح وشموله.

وهنا يقول فاروق عن كتابه الأخير: "نحاول استكمال مشروعنا البحثي الكبير الذي بدأناه منذ سنوات طويلة في مواجهة حالة الفساد المستشري في الإدارة ونظم الحكم المصرية منذ منتصف السبعينيات، وانتهاج الدولة لسياسة الانفتاح الاقتصادي، التي شَرعت الباب واسعًا لعمليات النهب المنظم لثروات مصر الطبيعية والبشرية، وأهدرتْ على مصر والمصريين فرصة تاريخية عظيمة بعد حرب أكتوبر عام 1973، لإعادة بناء الدولة والمجتمع على أسسٍ صحيحة وعقلانية تقوم على فكرة التخطيط المحسوب والممنهج سواء في البنية السياسية والإدارية العتيقة التي عفا عليها الزمان، أو في مجال الأنشطة الاقتصادية والتنموية".

وهذا الكتاب، الذي صدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، يبني على ما انتهى إليه أستاذنا الدكتور المرحوم محمد حلمي مراد في كتابه حول الفساد في قطاع البترول المصري، طوال الأعوام الثلاثة الممتدة من عام 1985 حتى عام 1988، والذي فتح فيه باب الحديث عما يجري في هذا القطاع المهم. لكن كتاب عبد الخالق، فضلا عن أنه أحدث بالطبع، فهو كتاب علمي خضع لمنهج دراسي صارم، وجُمعت فيه معلومات خطيرة، وغاص في جذور المشكلة فقد درس التطوّر التاريخي لقطاع البترول والغاز والثروة المعدنية، والتغير في منظومته منذ 1974، سنة تطبيق سياسات الانفتاح الاقتصادي، وحتى عام 2014، ثم أوجه الفساد التي طالت هذا القطاع على المستوى القانوني والتشريعي، وكذلك نصوص الاتفاقات التي تم إبرامها في هذا المجال، لينتقل بعدها إلى عرض خريطة التوزيع الجغرافي لمصادر الثروة البترولية والغازية، والشركات العاملة في مصر، ومعامل التكرير ومنافذ التسويق والتوزيع، وخطوط النقل والتسويق والموانئ، والاتفاقيات والتعاقدات والاكتشافات الجديدة ، ثم يجيب على أسئلة جوهرية من قبيل: كيف تدار ثرواتنا من البترول والغاز؟ ومدى كفاءة التوظيفات الاستثمارية لهيئة البترول الحكومية؟ ومدى كفاءة المشروعات المنفذة في قطاع البترول والغاز؟ وما هي أبعاد الإختلالات التي يشهدها هذا القطاع في الوظائف والأجور؟ وما هي مظاهر الاختلال الإداري والتنظيمي الذي يعاني منه؟

ووضع الكتاب آليات إفساد قطاع البترول والغاز ملخصا إيّاها في: طريقة تسعير البترول والغاز الطبيعى المصري وتوزيع الحصص للزبائن، وإرباك مجلس الشعب بزحمة القوانين التعاقدية للبترول المشاركة في رأس مال عددٍ كبيرٍ من الشركات والمشروعات خارج نطاق الرقابة المالية، وإنشاء شركات متعددة واستخدامها في أغراض ومصالح شخصية، وإفساد أعضاء الأجهزة الرقابية، وسلطة الوزير المطلقة في تفكيك وتركيب قطاع البترول، وطريقة إسناد الأعمال والمشروعات، وإضافة المد الاختياري في عقود البترول لفترات أخرى، والتساهل مع الشركات الأجنبية في بعض الحقوق المالية المصرية، والمبالغة في الأجور والمرتبات في هذا القطاع، علاوة على أساليب منح تراخيص المناجم والمحاجر.

ونخرج من هذا الكتاب بعدة حقائق يمكن ذكرها على النحو التالي:

1 ـ يعاني هذا القطاع من مشكلات عديدة بعضها ماليٌّ، وبعضها الآخر تنظيميٌّ وإداريٌّ ووظيفيٌّ، مما جعل إمكانيات الاستفادة منه على المستوى الوطني أقلّ من المأمول والمقدر.

2 ـ توَسّعَ هذا القطاع بصورة كبيرة منذ عام 1975 ، وزادت علاقاته مع الشركات الأجنبية والمستثمرين العرب والمحليين، وقد حدَّ هذا التوسُّع من نُموّه ومقدار الاستفادة منه وطنيًّا.

3 ـ إن نظام الأجور والمرتبات والمكآفات داخل هذا القطاع، وخصوصا بين قياداته العليا، لم يحل دون فساد كثير من هذه القيادات من ناحية ، بقدر ما ساهمت في مزيد من التشوهات في هيكل الأجور والمرتبات في الدولة المصرية وقطاعاتها المختلفة.

4 ـ إن نمط التعاقدات مع الشركاء الأجانب، خصوصًا في حصص الإنتاج أو في بند استرداد التكاليف تكشف عن تلاعب وتساهل القيادات المسئولة في هذا القطاع مع هؤلاء الشركاء الأجانب على حساب المصلحة الوطنية المصرية العُليا.

5 ـ يعد النمط الاستثماري الذي اتبعته هيئة البترول المصرية وشركاتها في العشرين عاما الأخيرة غير مناسب، ويكشف بحد ذاته عن عمليات فساد مالية، ووفقا لعلاقات عائلية وسياسية.

6 ـ يؤدي الوضع التنظيمي والإداري الراهن لقطاع البترول التابع للحكومة المصرية إلى إهدار جزء كبيرٍ من الفائض الاقتصادي المحقق، وبالتالى فإن إعادة تنظيم وهيكلة هذا القطاع من شأنها تعظيم الفائض المتاح بأكثر من عشرين مليار جنيه مصري على الأقل سنويًّا.

7 ـ تمثل تبعية قطاع الثروة المعدنيّة لوزارة البرول إهدارًا كبيرًا لهذه الثروة المعدنية، وجعلها نهبا لجماعات مصالح كانت أقرب في سلوكها ونشاطها إلى جماعات المافيا منها إلى التنمية والمصالح الوطنية، ومن شأن إعادة هيكلة قطاع الثروة المعدنية وفصله عن قطاع البترول، وإنشاء وزارة مستقلة وإصدار تشريعٍ جديدٍ لهذا القطاع مع هيكلته ماليًّا وإداريًّا وتنظيميًّا أن يؤدي إلى تعاظم الفائض المتاح منه، ويزيد فرص العمل المتاحة لديه.

8 ـ تحولَّت الانحرافات الفردية على مستوى قيادات هذا القطاع إلى سياسات عامة، وإجراءات تنفيذية تمارس منذ منتصف السبعينيات، ورويدا رويدا تحولت إلى فساد منظم ومقنن، وبنية مؤسسية متكاملة، لها قوانين تحميها، ولوائح تنفيذية تحرسها، وإجراءات تنفيذية يوميّة تُعززها.

لا يكتفي الكاتب هنا بعرض المشكلات التي يعاني منها هذا القطاع إنّما يضع خطة للإصلاح الهيكلي ومعالجة الفساد الذي يعشش فيه منذ سنين طويلة، والذي لا سبيل للقضاء عليه، إلا بجهد جهيد، ووفق خطة واضحة للتطهير، تُنقذ ما يمكن إنقاذه مِن مال الشعب.

إعلان