إعلان

حول التنبؤ بموقع الضربة القادمة للإرهابيين

حول التنبؤ بموقع الضربة القادمة للإرهابيين

محمد جمعة
08:00 م الثلاثاء 08 أغسطس 2017

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

 

في كل الدول التي تُعاني من الإرهاب، عادة يجتمع مسئولون أمنيّون ومحللون استخباراتيون بشكلٍ دوريٍّ للتنبؤ بما يمكن أن يفعله الإرهابيون غدا.

تُطرح في تلك الاجتماعات أسئلة كثيرة، على شاكلة:

هل أصبح باستطاعة الإرهابيين تخريب شبكات الكهرباء عن بعد، أو بنى تحتية حيوية أخرى عبر الإنترنت؟ هل أصبحوا قادرين على إرسال نبضات كهرومغناطيسية تحطم الإلكترونيات؟ هل بإمكانهم تسميم بعض خيوط المياه المتجهة إلى معسكرات الجيش أو الشرطة؟ هل بإمكانهم إسقاط طائرات مدنية بقذائف محمولة يدويا أو عبر قنابل مخبأة في أجهزة كمبيوتر محمول، أو رُبما تم زراعتها جراحيًّا داخل جسد أحد الإرهابيين؟ هل سيهاجمون حشودا في ملاعب كرة قدم بطائرات دون طيّار تحمل قنابل يدوية أو مسحوق أنثراكس أو مجرد مسحوق أبيض لإثارة رعب عشرات الآلاف على النحو الذي قد يتدافعون معه بشكل عشوائي مدمّر قد يودي بحياة المئات منهم في لحظات قليلة؟ هل باستطاعتهم تعبئة طائرة بدون طيار بمواد كيماوية وإسقاطها فوق إحدى المنشآت المهمّة في داخل البلاد؟

أم هل ستحدث هجمات لمتطرفين بشكلٍ جماعيٍّ، وفي توقيت واحد يصدمون المشاة بشاحنات، ويهاجمون الناس بالمناجل، وينفذون هجمات بدائية أخرى، من المستحيل تقريبا منعها؟

هنا نبدو وكأننا أمام سيناريوهات لا متناهية، ومثيرة للأعصاب، وباعثة على التوتر.

لكن كل ما ذكرناه أعلاه تمّت مناقشته من قبل بعض خبراء الإرهاب الدوليين بشكل معلن. وإذا ما كان بإمكان المُحلل التفكير فيها، إذن يمكننا أن نفترض الشيء نفسه بالنسبة للإرهابيين؟

وفي هذا السياق يمكننا أن نشير إلى عدة طرق يحاول من خلالها المحللون النظر في المستقبل:

-الأولى: النظر إلى اتجاهات وأنماط الإرهاب ذاته، ومن ثم محاولة استنتاج إلى أين ستأخذنا هذه الاتجاهات ذاتها.

بمعنى أن الكفاءة هنا تتمثل في استخدام ما نعرفه الآن عن الإرهاب للتنبؤ بهجمات جديدة ومنعها. لكن وكما هو معروف لا يؤتي الاستقراء ثماره دائما.

مثلا في أعقاب تهديد بعض المختطفين عام 1972 باستخدام طائرة مختطفة لضرب منشآت نووية في مدينة "أوك ريدج" بولاية تينيسي، راح بعض خبراء مكافحة الإرهاب يُحذّرون من أن الإرهابيين ربما يصدمون بطائرات مختطفة منشآت ضخمة. لكن لم يتذكر أحد تلك التحذيرات إلا عندما وقعت بعد نحو ربع قرن هجمات الحادى عشر من سبتمبر.

وبعد وقوع الأخيرة مباشرة شاع افتراض على نطاق واسع بأن عدد الإرهابيين والخسائر سيستمر في التصاعد بحسب الوتيرة ذاتها، الأمر الذي دفع التحليلات في اتجاه سيناريوهات تنبأت بسقوط عشرات الآلاف أو ربما مئات الآلاف من الضحايا، ولكن في الواقع الموت بهذا المعدل لم يكن بالإمكان أن يتحقق سوى باستخدام أسلحة بيولوجية أو نووية، وهو الأمر الذي بات مجرد فرض صعب تحقيقه.

-أسلوب آخر في النظر إلى المستقبل يتمثل في محاولة توقع وضع العالم وشئونه، واختبار كيف يمكن لهذه الأحوال أن تؤثر على مسار الإرهاب.

مثلا أصاب بعض المحللين حينما توقعوا أن الغزو الأمريكي للعراق سيحشد جماعات جديدة من عناصر السلفية الجهادية. ولكنهم اعتقدوا خطأً أن الأزمة الاقتصادية عام 2008 ربما ستثير موجة جديدة من عنف اليسار، ولكن هذا لم يحدث.

-هناك منهج ثالث يتمثل في النظر إلى كيفية استخدام الإرهابيين تقنيات جديدة تظهر على الساحة.

مثلا، قبل أعوام، ثارَ قلق بشأن قذائف أرض جو، والتي نادرًا ما استخدمها الإرهابيون، ولكنّ الكثير من خبراء الإرهاب تجاهلوا الإنترنت. ثم تبيّن أن الجماعات الإرهابية، بما فيها تلك البدائية، والتي لا تزال في طور النشأة، تمكنت من استخدام الإنترنت بشكلٍ كثيفٍ. وكان للإنترنت أثرٌ ضخمٌ على اتصالات، ووسائل تجنيد، واستراتيجية الإرهابيين.

حاليا ينظر المحللون إلى استخدامات الإرهابيين للطائرات من دون طيار وتوظيف تقنيات النشر عبر الإنترنت.

-أمّا المنهج الرابع، فيتمثل في محاولة التفكير كإرهابيين ووضع سيناريوهات لهجمات مستقبلية.. يُعدّ هذا أسلوبًا للحد من إخفاقات التخيل.

هنا أتذكر في ديسمبر 2014، نشرتْ "مؤسسة البتار الإعلامية" وهي إحدى الأذرع الإعلامية الإلكترونية المناصرة لتنظيم داعش، مُؤلفًا لكاتب يُرمَز له بـ"أبو مودود الهرماسي" بعنوان "الأحجية المصرية"، أشار فيه إلى مجموعة من الأفكار والتكتيكات المقترحة، وكذلك الأهداف التي تقع على رأس أولويات التنظيم، في مصر، أتصوّر أنه من المهم جدا أن يراجعها كل المعنيين بمكافحة الإرهاب في مصر والمنطقة العربية.

يبقى أن نشير إلى أن أسوأ مخاوفنا بشأن الإرهاب لم تتحقق بعد. إذ نادرًا ما استخدم الإرهابيون أسلحة كيميائية، ولم تكن فعالة في كل الأحوال. فالإرهاب يبدو أنه يتصاعد أفقيا لا رأسيا. وبدلا من استخدام أسلحة دمار شامل، هناك انتشار وازدهار للعمليات منخفضة الكثافة. يعكس هذا الاقتران الحالي بين التجنيد عن بعد ومحدودية الإمكانيات، الناجم عن ظهور وسائل التواصل الاجتماعي وانتشارها.

 

إعلان